آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » وقائع وانطباعات من زيارتي لإيران على مدى أربعة أشهر ضمن رحلتي من دمشق إلى موسكو على ظهر جواد عام 2019 (الحلقة الثالثة)

وقائع وانطباعات من زيارتي لإيران على مدى أربعة أشهر ضمن رحلتي من دمشق إلى موسكو على ظهر جواد عام 2019 (الحلقة الثالثة)

 

كتب:عدنان عزام

رغم مرور بعض الوقت على فاجعة الشعب الايراني بفقد رئيسه و وزير خارجيته ما تزال وسائل الاعلام و دوائر القرار العالمية تحلل ما جرى و تتوقع تبعات ذلك على الساحة الاقليمية و العالمية
يشرفني ان استمر بعرض صفحات كتابي دمشق موسكو في موقع “سيرياهوم نيوز” و خاصة ما يتعلق منها بالجمهورية الاسلامية الايرانية التي تحتاج الى عشرات الكتب لتغطية اخبارها و معرفتها

● السبت 3 آب 2019
يصل كاوه ( كافه ) في السادسة صباحاً , و يمسك مقود أماني الجولان و أنا أمسك مقود نيازك الشام و نبدأ المسير .
كاوه في الأربعين من عمره , يرتدي ملابس الفروسية العملية , بشوش الوجه , يسير بجانبي بصمت , أفتح برنامج الترجمة الموجود على جوالي لأسأله إلى أي مكان سنصل , في واحدة من كبريات عواصم العالم / طهران , خاصة و إنني أشعر أن ديلارام بدأت تتراجع عما كانت تعدني به , من برنامج حافل في طهران , نادٍ كبير للفروسية ينتظرنا , و مشفى لمعالجة رجليّ المرهقتين , كذلك السفير السوري الذي تواصلت معه مرات عديدة منذ دخولي الأراضي الإيرانية , لم يعطِني حتى اليوم إجابة دقيقة عن مصير البرنامج الذي أرسلته له و رجوته مساعدتنا لتحقيقه , و هو عرض فيلم سورية أسطورة صمود , و زيارة أسر الشهداء و لقاء الإعلام الإيراني , نعم
لم يردّ عليّ أبداً , إلا بوعود على طريقة ( بكرى إن شاء الله ,, ) . نعم بدأت أشعر أنّ يدا خفية تحاول إفشال رحلة سورية العالم !
فجأة , يرد كاوه على مكالمة هاتفية طويلة , ثم يشير عليّ بتغيير طريقنا , ننظر في برنامج الاتجاهات ( GPS غوغل ايرث ) الذي نسير عليه من دمشق إلى هذا المكان , و الذي يُرينا أدقّ التفاصيل على الطريق , فأرى أن
ديلارام تطلب من كاوه أن يحرفنا عن طريق طهران , و عندما حاولتُ معارضته أوضح لي
أنّ اتحاد الفروسية الإيراني طلب إليه أن يأخذنا إلى ناديه , أي النادي الذي يملكه هو
( نادي كاوه ) في مدينة شهريار التي تبعد حوالي سبعين كيلومتراً عن العاصمة , و بدا من
تعابير وجهه أنه هو أيضاً غير مرتاح لهذا التغيير في مخطط المسير .
أتصلُ مع سيد وحيد برقعي , الذي تعودت على الاتصال به عشرات المرات كل يوم , فيأتي جوابه هو الآخر غير واضح و ليس كما عهدته , بل و يشرح لي أن هناك ضغوطات على اتحاد الفروسية الإيراني من جهة ما ومن أندية الفروسية الكبيرة , التي تخاف على خيولها من العدوى من خيلي التي تسير على الطرقات , يحتدّ موقفي و أكلّم
ديلارام اسماعيلي , التي أعرف تماماً أنها في وضع لا تحسد عليه , بعد كل ما بذلـتْه من جهود كبيرة لمساعدتنا منذ دخولنا إلى إيران حتى هذا اليوم , فأكدتُ لها بأنني أتفهم كل هذه التحديات و مخاوف أصحاب الأندية الذين يستثمرون الملايين في خيولهم فقط من أجل الاستعراض و كسب الرهان و دون أي علاقة وجدانية مع الخيل ! و لكن لا أفهم عدم الوضوح بالتعامل معنا و عدم وضع برنامج واضح لدخولنا إلى طهران , و كل ما يمثّله ذلك من رمزية كبيرة , أين الشعارات البراقة التي نرفعها و أين أخوّة السلاح التي تجمعنا في سوريا و ايران , أتساءل لماذا هذا التغيير المفاجئ في موقف اتحاد الفروسية الإيراني ؟ ,
هل هو فعلاً الخوف من عدوى خيلي لخيولهم ؟ , و هل هي جهة مغتاضة من النجاحات الكبيرة التي نحققها , أو هل هو عدم إحضار جواداً أهديه لسماحة المرشد , أسوة بالرئيس فلاديمير بوتين ؟ . وهذا ما سمعته مرات عديدة من الناس الذين التقيتهم على الطريق , و هذا أيضاً , ما سيقوله لي لاحقاً السفير السوري عندما ألتقيه في طهران , إذ كانوا يسألونني لماذا سأقدم هدية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين و لا أقدم هدية لسماحة المرشد ؟ , أو أن هذا التغيير المفاجئ سببه خوفهم من بعض الإشاعات التي وصلتهم بأنني شخصية أمنية , و هذا ما سمعته أيضاً من بعض الذين التقيناهم على الطريق في إيران , كما سمعته في العراق , والأردن . وكلها شائعات يغذيها الإيمان بعقلية المؤامرة .
أتساءل عن دور سفيرنا في طهران في كل ما ألاقيه من مصاعب ؟ نعم لقد رجوتُه مرات عديدة أن يساعدنا لتحقيق برنامج رحلة سوريا العالم الذي يحمل رمزية كبيرة للشعبين في سوريا و ايران .
كل هذه التساؤلات و الهواجس أعيشها عبر الهاتف مع سيد وحيد برقعي , و أشرح له أننا في سوريا و خلال هذه الحرب نعتبر إن سوريا و العراق و إيران في خندق واحد لمحاربة الغزو الصهيو غربي , و إننا سنقدم الفرسين لروسيا الصديقة و رئيسها فلاديمير بوتين باسم دول محور المقاومة وعلى رأسها إيران و ليس فقط باسم سورية . بينما نحمل لسماحة المرشد هدية أكبر قيمة من الفَرَسِ , و هي راية النصر على الاستكبار العالمي المتمثلة بالعلمين السوري و الإيراني المتقاطعين على قطعة من الموزاييك الدمشقي و المكتوب عليها ,,, إنْ ينصرْكم الله فلا غالبَ لكم ,,,,, يستمع سيد وحيد برقعي إليّ , و يأخذه الحماس , يحاول عمل كل ما يستطيع لتذليل العقبات , لكنه فجأة يتوقف عن الرد على الهاتف هو الآخر !
أتوقف عن المسير و أثبّت رجليّ بالأرض , بينما كاوه يتهاتف مع ديلارام اسماعيلي ليخبرها
بعدم قبولي بما تريد , تعاود الحديث إليه و توافق على مسيرنا باتجاه طهران و تخبره بأن
نادي فلامنغو بانتظارنا …..
لحظات , وتبدو لوحة كبيرة على الطريق , تشير لوجود هذا النادي على مقربة من هنا , ها نحن على مدخله الذي بدا و كأنه نادٍ ليلي , بل قلعة مسيجة و محمية .
تنفتحُ بوابة حديدية كبيرة و ندخل إلى النادي , لنسلّم الخيل إلى العاملين الأفغان هنا , و أذهب مع كاوه إلى ناديه لأستريح من تعب و إرهاق المسير طيلة الأيام الماضية , بينما وسيم , يغادر إلى أحد فنادق العاصمة طهران , للقاء والدته التي حضرت من سوريا للاطمئنان علينا .
أشرب القهوة مع كاوه حسيني , و أتساءل مَنْ يكون هذا الرجل القليل الكلام و الذي سار معي طوال النهار دون كلل أو ملل ؟ , لم أكن أفكرّ إنه سيصبح أخاً لي ما ولدتُه أمي و صديقاً حميماً .
هو و كل عائلته الذين راحوا يتوافدون إلى النادي , للتعرف إلى الضيف القادم من بعيد :
زوجته وطفلتهما الصغيرة , ووالداه , وشقيقتاه فهيمة و فاتنة , و أخَوَاهُ فرامرز و فريبرز . كل شيء هنا , يذكرني بقريتي الدويرة , عندما كنت أعود من السفر إليها , و يأتي أفراد العائلة للسلام عليّ ,
عائلة كاوه , قلوبهم طافحة بالطيب و عقولهم متحررة من ربق الزمان , متحررة من التعصب الديني و السياسي , بالرغم من الاختلاف الكبير الذي لحظته بينهم , طيلة إقامتي معهم , من معارضٍ و موالٍ , أو متدينٍ و علماني .
ساعات طويلة , أمضيها بالاستماع إلى حواراتهم , منهم من يستمع للإعلام الوطني الإيراني , و آخر يستمع لإذاعة الـ ب ب سي البريطانية باللغة الفارسية . حوارات غنية بمعاني الإنسانية , تساعدتني فاطمة زوجة فرامرز على فهمها , فاطمة أستاذة اللغة الإنجليزية تترجم لي بأمانة و جهد كبيرين كل كلمة نقولها , و ستترجم كل ما سنقوله خلال وجودي بينهم في الأيام القادمة حتى أصْبِحَ و كأني واحدٌ من هذه العائلة التي تعيش في هذا المكان الرائع .

● الأحد 4/ آب إلى الجمعة 9/ آب في النادي
( كاوه باشكا سواركاري , نادي كاوه للفروسية ) عنوان عريض , على بوابة كبيرة مرتفعة يدخل منها الفرسان العائدون من المسير, الذي ينظّمونه على الطرقات البرية المنتشرة بين الحقول . وما إن يدخلون إلى فناء النادي , حتى يتعرّف كل جواد إلى مربطه , بينما الفرسان يدخلون إلى صالة للألعاب الشبابية المتنوعة , بينغ بونغ , بيلياردو . و يصعد آخرون إلى مطعم و مقهى في بناء مقابل , تديره فاتنة شقيقة كاوه , مطعم كبير يطلّ على ملعبين يدرب كاوه بهما عشرات الفرسان والفارسات من كل الأعمار .
في هذا المطعم , نجتمع عصر كل يوم مع أفراد العائلة الذين لم يتركوني للحظة . يأخذونني إلى مدينة شهريار لشراء الحاجيات , وخاصة شراء باقات الإنترنت للتواصل مع العالم , أو نمتطي الخيل في النادي والسهول المجاورة , و أحياناً يصطحبني كاوه إلى طهران لألتقي السفير السوري
الذي دعانا لطعام العشاء في بيته مع كل أعضاء السفارة رجالاً و نساءً , و يحضره وسيم قائد سيارة سوريا العالم و والدته السيدة عفاف , فنمضي أمسية مفعمة بروح الانتماء و الوطنية .
لكن سعادة السفير , لم يعطني رداً صريحاً حول النشاط الذي نود القيام به في طهران , ولا عن احتمال لقاء سماحة المرشد , ولا أعرف السبب الحقيقي لذلك , علماً بأن كل الإيرانيين الذين التقيتهم تعاطفوا
مع هذه الفكرة .
اكتفى السفير بدعوتنا لمرافقته في اليوم التالي لزيارة صديقه رئيس اتحاد الفروسية مسعود خليلي في مكتبه , لأقدم له باسم رعاة رحلة سورية العالم هدية ذات رمزية كبيرة , مرشحة ( سرج ) عربية مطرزة باليد , أذهلتهم بجمالها , و كان ذلك بحضور بعض الإعلاميين المهتمين بالجانب التقني للفروسية ! و الذين لا علاقة لهم بأهداف الرحلة الثقافية و السياسية !
هنا شعرت أن مهمة السفير قد انتهت بهذا اللقاء , الذي لا يتناسب مع رمزية مشروع سوريا العالم , و لا مع الجهود الجبارة التي بذلناها لتحقيقها , نعم , تم اختصار كل ذلك بعشاء ! .
اتّصل بـ ” الحاج صاحب ” مستشار السفارة الإيرانية السياسي في بغداد عن طريق
” أبو الزهراء الجبوري ” مدير مقام سلمان الفارسي , علّه يساعدنا بلقاء سماحة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية .
الحاج صاحب يجيد العربية , رجل مبدأي ذو قناعات راسخة , لذا راح يبذل جهوداً كبيراً لتحقيق ذلك , و أنا أعرف حجم هذه الجهود , خاصة و إن السفير السوري قال لي :
إن سماحة المرشد , ليس لديه الوقت لاستقبال , حتى رؤساء الدول الذين يزورون إيران ! .
رحت أكلم نفسي , كيف إذاً سيجد الوقت لاستقبال رجل يرحل على صهوة جواد ! , ثم أتذكر قول السفير لي في بيته : لم يوصني منصور بك !
لم يطل انتظاري في طهران , لأن الحج صاحب , بذل اقصى ما يستطيع من الجهود و حدّد لي ساعة لقاء سماحة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي , الساعة العاشرة صباحاً من يوم الجمعة العاشر من آب 2019 م في حوزة فلسطين وسط العاصمة طهران
(سيرياهوم نيوز2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حكومة الواقعية السحرية

    عبد الفتاح العوض   هو تساؤل.. ما الأفضل أمنح الناس وعوداً كبيرة مع ما فيها من أوهام.. أم أعطيهم الواقع مع كل بؤسه؟ ...