آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » وقف إطلاق النار وقمة موسكو المؤجلة

وقف إطلاق النار وقمة موسكو المؤجلة

رامي الشاعر

تفصلنا ساعات وربما دقائق عن دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، بينما أرجئت القمة الروسية العربية في موسكو نظرا للموقف المتوتر في المنطقة.

أتمنى أن تنشر هذه المقالة بينما ينعم أهل غزة والضفة بأول ليلة نوم هادئ منذ السابع من أكتوبر 23، كما آمل أن تتزامن هذه المقالة مع احتفالات في فلسطين والعالم العربي بانتصار المقاومة الفلسطينية، والدعم الهائل لكل القوى المحبة للسلام في العالم، والتي يمثلها 157 دولة من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، أعلنوا عن اعترافهم بالدولة الفلسطينية.

تأتي مبادرة القمة الروسية العربية من قبل القيادة الروسية وتحت رعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، بصرف النظر عن موعدها، إيمانا منه بأن الظروف الراهنة في الشرق الأوسط والعالم تفرض لقاء على هذا المستوى في موسكو. ونتمنى أن تقوم جامعة الدول العربية استرشادا بهذه التجربة بعقد لقاءات على هذا المستوى الرفيع في بكين ونيودلهي وواشنطن وبروكسل، ونأمل أن تتوسع هذه اللقاءات لتشمل مجموعة “بريكس” و”شنغهاي للتعاون” وغيرها من المنظمات الدولية التي أصبحت اليوم بمثابة صوت الجنوب والشرق العالمي، الأغلبية التي تعاني من الهيمنة الغربية وعقدة الاستثنائية التي يعاني منها الغرب، ويضغط ويملي من خلالها على بقية العالم شروطه وقراراته وعقوباته وحصاره.

لقد أثبتت مفاوضات شرم الشيخ الأخيرة ضرورة أن يكون للعالم العربي والإسلامي دور عملي وفعال ومؤثر، وأن يكون له، في هذه المرحلة الحساسة والهامة جدا من تاريخ العالم، حصة وصوت وإرادة بينما ينتقل العالم من هيمنة القطب الواحد نحو العالم المتعدد القطبية، وعالمنا العربي معنيّ بذلك وينبغي عليه أن يكون له دور هام وفعال في هذه العملية التاريخية الموضوعية.

وأعتقد أنه قد بات مفهوما أن إسرائيل إنما تحاول أن تدفع الولايات المتحدة نحو الحافة بإيهامها أن الحفاظ على تلك الهيمنة وذلك العالم الأحادي وما يحمله كل ذلك من تبعات كتوريد صواريخ “توماهوك” إلى أوكرانيا، وتهديد روسيا بالعقوبات الثانوية (أو بمعنى أصح تهديد الهند والصين!)، والمضي وراء أوهام زيلينسكي والأوروبيين بأن ما سيدفع روسيا إلى “الرضوخ” و”الاستسلام” و”الجلوس إلى طاولة المفاوضات” و”الموافقة على وقف إطلاق النار دون شرط أو قيد” هو تلك الحماقات التي ثمة من أقنع الرئيس دونالد ترامب بها.

إن التعددية القطبية لا تسعى لاستبدال قيادة الولايات المتحدة بالصين أو روسيا أو الهند، وإنما تسعى، أولا وقبل كل شيء، إلى تثبيت هيبة الأمم المتحدة واحترام مؤسساتها وميثاقها وقراراتها وتوسيع تمثيل الدول في مجلس الأمن بحيث يعبر عن موازين القوى الراهنة الحقيقية والواقعية حول العالم، بينما ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة مراكز اقتصادية وسياسية جديدة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ولم يعد من المقبول أن يتحكم في هؤلاء “الغرب” أو “الناتو” أو الولايات المتحدة مع كامل احترامنا لحضارتها وتاريخها وثقافتها وقوتها العسكرية.

فالعالم اليوم، عالم الذكاء الاصطناعي والتواصل الاجتماعي والتكنولوجيا والابتكار والطاقات الشابة المتفجرة، يتحدث لغة أخرى، ومفردات أخرى، لا يمكن أن نتعامل معها بلغة القرن الماضي، وأوهام الحرب الباردة. فقد تفكك الاتحاد السوفيتي، ووريثته روسيا لا ترغب إلا في التعاون والتشارك والتخلص من ميراث “حلف وارسو”، وأول ما يجب أن يتم بهذا الصدد، أن يتفكك حلف “الناتو”، الذي تأسس فقط لمجابهة “حلف وارسو”، وقد انتفى سبب وجوده بالأساس.

أقول إن اجتماع القمة الروسية العربية في موسكو، والذي أرجئ لموعد لاحق، يأتي في مرحلة حساسة وكارثية بالنسبة للعالم العربي بينما ترتكب جرائم الإبادة الجماعية والتصفية العرقية والتجويع واستخدام المساعدات الإنسانية والغذاء والماء كسلاح ضد شعب أعزل من قبل إسرائيل، واعتداءات عشوائية شبه يومية على سيادة الدول العربية والإسلامية بذريعة “تهديد الأمن الإسرائيلي”، ويعلم الله وحده نطاق وحدود وماهية هذا “الأمن الإسرائيلي”.

لقد اعتذر نتنياهو عن الهجوم على سيادة دولة قطر الشقيقة، واعترف بخطئه في ذلك، لكن ما يحرك نتنياهو حقيقة هو مجموعة المسؤولين ومجلس الوزراء في أكثر حكومات إسرائيل تطرفا منذ نشأة الدولة العبرية، ولا شك أن تضافر الجهود العربية مع الجهود الدولية (ونصابها 157 دولة حول العالم) قد لعب وسيلعب دورا هاما ومحوريا في تطور التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها الأساس الحقيقي لتصفية وتسوية الصراعات حول العالم.

وكما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حديث له على قناة “روسيا اليوم” العربية إن “عدم حل القضية الفلسطينية على مدى 80 عاما شكل عاملا رئيسيا لتغذية التطرف في المنطقة”. ولا أعتقد أن مبادرة الرئيس ترامب أدت، كما يشاع، سعيا وراء جائزة نوبل، وهو ما لا ننفيه وقد صرح به ترامب نفسه، إلا أن المبادرة جاءت نتيجة تفاقم الوضع على الأرض وشجب العالم بالإجماع لما يتعرض إليه الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التأييد الواسع والاعتراف بالدولة الفلسطينية على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أصبحت الولايات المتحدة تشعر فعليا بعزلة دولية تتسبب فيها سياسات نتنياهو، وأعتقد أن اللقاء الروسي العربي في هذا التوقيت، ولو تأجل إلى حين، سيدعم نبض التغيير الذي نشهده اليوم بخصوص موقف البيت الأبيض، وربما اعترافه بالدولة الفلسطينية، بينما نتابع المظاهرات اليومية في المدن الأمريكية برغم القمع والملاحقات والضغوط على الجامعات الأمريكية.

إن تلبية الدول العربية للقاء موسكو على هذا المستوى الرفيع إنما يعبر أيضا عن الامتنان والعرفان من جانب الدول العربية لروسيا لموقفها المبدئي وجهودها في مجلس الأمن الدولي في دعم نضال الشعب الفلسطيني والتمسك المبدئي بحقه في التمتع بدولته المستقلة على كافة أراضي الرابع من يونيو حزيران 1967، دون تنازل عن شبر واحد، وكما ورد في قرار الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، وهو موقف موسكو الثابت والمستدام منذ قرار التقسيم عام 1947.

وسيلعب صمود شعبنا الفلسطيني وانتصاره على آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة والمتوحشة دورا هاما ومؤثرا في تثبيت العالم المتعدد القطبية وإنهاء أوهام الطموحات الاستعمارية الجديدة والقديمة على حد سواء، وكذلك التلاعب بالتاريخ وتحويره وتشويهه وتحريفه لمصالح النخب الغربية الاستعمارية القديمة جيلا بعد جيل، وهو دور هام وبارز على خلفية جهود موازية في مجموعة “بريكس” ومنظمة “شنغهاي للتعاون” وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية التي تسعى للتجمع حول أفكار وأيديولوجيات مشابهة.

ومرة أخرى، فإن روسيا مدافع صنديد عن حقوق الشعب الفلسطيني ودائما ما ناصرت حق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته، ولطالما دعمت منظمة التحرير الفلسطينية وسائر التنظيمات الفدائية، التي تلقت في زمن ما تدريبا عسكريا في معسكراتها، فضلا عن المساعدات التي كانت تقدمها روسيا وقبلها الاتحاد السوفيتي من منح دراسية وعلاج بالمستشفيات وغيرها.

اليوم، وبعدما سمعنا جميعا الأنباء السارة بخصوص التوصل لاتفاق بشأن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لا أظن أن هناك حدث يستحق الاهتمام سوى وقف الحرب ضد الشعب الفلسطيني، وأظن أن العالم بأجمعه اليوم يعيش هذه الساعات الحساسة والمصيرية لمستقبل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وربما في العالم أجمع في انتظار وقف إطلاق النار في غزة، والتراجع عن مخطط الإبادة الجماعية والعنصرية وسياسات التجويع والعقاب والقتل الجماعي على الهوية.

لعل ما نعيشه في هذه الساعات بمثابة الضوء في نهاية النفق المظلم والانفراج الدولي وآفاق التبشير باللجوء للحوار من أجل الاتفاق على حل جميع القضايا الحساسة بالطرق السلمية والعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمثابة مفتاح الاستشراق ببداية الانفراج الدولي وآفاق التبشير اللجوء للحوار من أجل الاتفاق على حل جميع القضايا الحساسة بالطرق السلمية والعودة للاعتماد على ميثاق الامم المتحدة و قوانينها لذلك فإن تأجيل القمة الروسية العربية، التي كان من المقرر أن تعقد 15 أكتوبر الجاري، بسبب وقف إطلاق النار في غزة وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية، بالتوازي مع تطابق مواقف البلدان العربية والإسلامية وروسيا، يؤكد على أهمية وعمق تأثير اتفاق شرم الشيخ، ومدى أهمية تلك المرحلة من تاريخ العالم وإعادة تشكيل النظام العالمي.

وبرغم أن مبادرة موسكو لعقد القمة الروسية العربية كانت سابقة لمبادرة ترامب، إلا أن الكرملين لم يرى أدنى غضاضة في الموافقة على تأجيل تلك القمة من أجل المصلحة العامة ولتثبيت الهدوء والاستقرار والأمن في المنطقة ووقف الحرب في غزة. وموسكو تترك المجال طواعية ولتكن الولايات المتحدة أو أي من أطراف الرباعية الدولية ضالعا في تحقيق السلام في الشرق الأوسط وهو غاية المراد بأي وسيلة وبأي مبادرة من أي طرف كانت.

فلا يوجد قضية اليوم أهم من إنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة، ويجب أن تبادر جامعة الدول العربية بتشكيل وفود عربية يترأس كل وفد منها أحد رؤساء الدول العربية يرافقه نحو أربعة من وزراء خارجية الدول ليقوموا بزيارة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي لإعادة التذكير والتأكيد على مواقف العالم العربي والإسلامي بخصوص التمسك بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على جميع أراضي عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ويفضل أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن وفي آن واحد.

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فرنسا التي تلبننت..!

    نبيه البرجي   فرنسا بحاجة الى قامة بونابرتية، أو الى قامة ديغولية، للخروج من أزمتها التي هي أزمة دولة لا أزمة الجمهورية الخامسة ...