لجينة سلامة
بعيدا عن الأسباب والدوافع التي تكمن وراء ارتكاب هكذا اعتداءات بشرية وحشية بحق الطفولة و الإنسانية جمعاء .بعيدا عن المبررات المنطقية وغير المتطقية والتي قد تثير الكثير من ردات الفعل غير المنضبطة من هول الجريمة الشنعاء بكل تفاصيلها المتعبة وقد أمضت الضحية المغبونة ساعات من القهر والعذاب وهي إلى جوار ذويها ولا يدرون أن الوحش القاتل يقبض على صيده بغريزته الحيوانية غير آبه بجسد غضّ يتوق للحرية واللعب على باب الأهل.
وماتت جوى ، عفوا وقُتلت جوى ذات الثلاث سنوات ونصف من عمر الربيع .وقبلها قُتلت بتول وقبلها آية وقبلهن الكثيرات وذهبن ضحية أشخاص يخلو الضمير من نفوسهم وكذلك
الأخلاق والدين .
لماذا كل هذا الاستسهال في القتل والتعنيف والأذى الروحي وقبله الجسدي ..!
لماذا الاستسهال في الاعتداء على هذا المخلوق المستهدف دوما دون وجه حق..!
متى سيُرحم هذا المخلوق الضحية وكيف نضع حدّا للإجرام الوحشي بغض النظر عن الأوضاع المعيشية والنفسية التي ساهمت الحرب بشكل أو بآخر في تكرار حالات القتل والاعتداءات الغريزية.
هو تساؤل مشروع أضمّنه جوابي بصيغة فجة او أقل فجاجة ان استطعت.ذلك ان هكذا وحشية مردّها الموروث المجتمعي الذكوري الغاصب الذي يتجاوز حدود الله والأخلاق والضمير .ولست بصدد الغوص في التفاصيل ،فهو أمر يحتاج إلى دورات وورشات توعية فعلية تبدأ في البيت أولا قبل أن يدار رحاها في المراكز المعنية بصحة الأم وطفلها .هي دورات توعية يفتقد ويفتقر لها الكثير من الأهالي آباء وامهات والتي تأتي تحت عنوان ( الثقافة الجنسية ) وأنا أفضل ان أسميها الثقافة الاجتماعية .والسبب هو مفهوم العيب من الخوض في نقاش هكذا أمور وان كانت تمسّ حياتنا وتخيفنا وتحمينا من العبث بكافة أشكاله الاجتماعية.
لم أكن أحتمل النظر إلى صور المغدورة جوى وقد غزت صفحات الفيس بوك وحملت من التعاطف النبيل ماحملت .ولم أحتمل قراءة المصير الذي ألمّ بروحها . ولم أتحمّل متابعة الجاني وهو يسرد تفاصيل جريمته النكراء .فقد انتبابتني حالة من الاضطراب والحزن ، اختلطت فيها مشاعر الضعف بالغبن مع الحقد والكره والخوف والاستفزاز والرعب وأنا في هذا العمر .فكيف كانت مشاعر ذلك المخلوق البريء وقد نال من طفولتها الوحش البشري .
قد يمرّ الوقت وننسى هول ماجرى مع جوى وغيرها من الضحايا.لكن علينا ألا ننسى ان أبناءنا أمانتنا ولا يقتصر واجبنا على تأمين لقمة عيشهم وكسوتهم .بل الحرص على تأمين حياة آمنة لهم بعيدا عن مفرزات مجتمع لا يخلو من الوحوش البشرية التي لا ندري متى تقضّ على ضحاياها في غفلة عين او استغلال علاقة قرابة او صداقة او استدراج بسبب حاجة .
كلنا لاقدر الله معرضون ان نكون ضحية لأمراض مجتمعية نفسية وغير نفسية ولغايات مادية وغيرها ومن المرفوض ان نقبل او نتقبّل أي عذر لأي جريمة صغيرة كانت أم كبيرة .لا يحق لأحد أن يعتدي على حرمة الأخر ولا يمكن ان نبرر الحاجة البشرية بالغريزة الحيوانية ولا يمكن ان نسمح للفقر بأن يكون ستاراً للبعد عن الله .
لقد بدت لي الصورة جلية أكثر في الفترة التي تابعت فيها الفيس والتفاعل الذي تم مع الضحية جوى.لقد تبين لي ان المجتمع بكافة شرائحه يتصفح (الفيس بوك ) ويجيد التصفح لكن أغلبنا لا يجيد القراءة ولا يمتلك من الوعي إلا ذلك القدر القليل للأسف .اغلبنا لا يقرأ بين السطور ولا يركّز في أبعاد الكلمات .حريّ بنا أن نعي أننا جزء من هذا المجتمع وما يصيبه قد يصيبنا ولسنا بعيدين عن مرمى مجرميه إلا بتوخي الحذر قدر الإمكان وبالوعي لطبيعة المجتمع الذي يحيط بنا وقد لا نحيط بطبيعة كافة شرائحه التي تنبت في ظروف اجتماعية مغايرة عنّا .
لجينة سلامة.
(سيرياهوم نيوز ١-صفحة الكاتبة٢٣-٨-٢٠٢٢)