خليل عبد الحميد
التعريف السائد للعلاقات الدولية هي العلاقة بين الدول التي تقوم على المساواة العدل، ويستدل على ذلك أصحاب الإتجاه الليبرالي في الدول الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية انطلاقا من (حقوق الإنسان) و (حقوق المرأة) و (منع الإبادة الجماعية) ولكن هذا التعريف مجتزأ وقد يقودنا إلى فهم خاطئ، وإلى تحليلات تعقيدية في حقل العلاقات الدولية.
شهد حقل العلاقات الدولية السورية درجة كبيرة من التعقيد، نتيجة عوامل عديدة من بينها تعدد الأطراف العربية التي شاركت في الحرب على دمشق، سواء بطريقة مباشرة من خلال إرسال المقاتلون المتطرفون وتقديم الدعم اللوجستي لتدمير البنية التحتية وتفتيت الروابط الوطنية وزرع ايديولوجيا لتحديد السلوك السياسي المراد في المنطقة، او بطريقة غير مباشرة من خلال الحرب السياسية والإعلامية على تشويه صورة الحكومة السورية أمام الرأي العام الإقليمي والعالمي.
للأزمة الروسية الأوكرانية حصة كبيرة في التحولات وإعادة تنظيم الصفوف والتكتل مع الحلافاء الأقوياء، فلكل دولة مواردها وامتيازاتها وموقعها الجغرافي التي تحاتجه دول آخرى، ولا يغيب عن أحد تغيير السلوك السياسي الخارجي لمعظم الدول العربية، التي لم تخرج من عباءة الإستعمار التي ترتكز سياسته على التبعية ( أي أن الدول العربية يجب أن تخضع لإرادتنا الكاملة ) ولكن هذا المشهد بدا يتناثر مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية التي عرّت فيه موسكو النظام الغربي، وواشنطن من ثوب الإمبراطورية التي لا تقهر فمنذ أول رصاصة أطلقها الجيش الروسي ضد أعداءه سنحت الفرصة للدول في إصلاح علاقاتها، وإعادة تنظيم صفوفها وإعادة حسابتها مع خصومها و حلفائها، وتقديم مصالحها على المصالح الأمريكية والغربية تزامنًا مع ولادة نظام عالمي جديد يتبلور بقيادة الصين وروسيا.
المشهد السياسي العربي بدأ يتبدل بعد كارثة الزلزال في شهر شباط التي أصابت سوريا وتركيا، أبرزها التي ضهرت للعلن منها السعي التركي للمصالحة مع الحكومة السورية السعي المتواصل لدول عربية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، إعادة فتح السفارات والبعثات الديبلوماسية، زيارات لوزراء ووفود برلمانية الى دمشق، تقديم مساعدات انسانية للشعب السوري في محاولة إصلاحية لفتح الطريق أمام تمهيد علاقتها مع الحكومة السورية بعد تقديم بعض الدول العربية على مدار عشرة أعوام السلاح، والدعم المادي للمسلحين والمخربين، هذه الأحداث المتسارعة هي أحداث فاقدة اللون او بمعنى آخر مالم تترجم الأقوال على الواقع، لتقود القضايا والأحداث حتى يصل مصائر الشعوب من مآسي الحروب إلى متعة الحياة.
يبرز الدور العربي في علاقته الحالية على عودة سوريا لمقعدها إلى الجامعة العربية، ولكن السؤال هل دمشق تسعى للعودة ام العودة تسعى إليها: لابد لنا أن نشير إلى الصفعة العربية لأمريكا و حلفائها التي بدأت فيهاالجزائر والإمارات، في كسر الحصار عن دمشق والذي فتح بالتالي تبدلات واسعة في المنطقة وتقديم المصالح العربية على المصالح الغربية والأمريكية، أما عن عودة دمشق فإنها في مكانها والحكومات هي من تأتي إليها، وفيما يخص جولات الوزير المقداد هي بمثابة الدعوة للصحوة العربية بعد السبات العميق في الأحضان الإمبريالية.
يبرز للبعض أن العودة للجامعة العربية قيمة مضافة للعلاقات العربية، ولكن هذا المفهوم منقوصًا عن الكمال وإنما الذي يعطي القيمة الحقيقة هي العلاقات الثنائية بين الدول، فبعد سيطرة الفيتو القطري على الجامعة اصبحت ساحة لتصفيه الحسابات وزيادة النعرات و الانقسامات، إذا الهدف ليس الجامعة وإنما التركيز في هذه المرحلة على العلاقات الثنائية التي تقوم على عدة مستويات السياسية، والإقتصادية، والثقافية.
أما عن العلاقات الثنائية لابد للحديث عن العلاقات السورية الروسية، وهذه الآصرة لا تأتي من عبث فالعلاقة هي قديمة وتعود إلى اكثر من خمسة وسبعين عاما مصحوبة بالتعاون العسكري، والاقتصادي، نظرا لمكانة روسيا في المجتمع الدولي، ومكانة سوريا الجغرافية المطلة على المياه الدافئة، لتتحدى موسكو بهذه المكانة والمكان النظام الدولي أحادي القطبية الذي يتمثل بعدة أشكال السياسي والعسكري واخطره الإقتصادي، الذي يؤثر بشكل عام على دول العالم ككل، ونظرًا للإستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط وجدت موسكو في دمشق، الرحم الذي سوف يلد العالم الجديد والسد الذي سيصدع الهيمنة الأمريكية.
كاتب وباحث سوري
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم