آخر الأخبار

ولا تقتلوا النفس

 

 

الشيخ محمود سليمان رمضان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه وفضّله على كافّة المخلوقين بعد ملائكته، وسنَّ له وصايا وتعاليم وأحكام، وبلّغه إيّاها بواسطة كتبه ورسله.

فقال تعالى في القرآن الكريم: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام 151، 152].

1- أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.

2- وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.

3- وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.

4- وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

5- وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

6- وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.

7- وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ.

8- وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى.

9- وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

10- وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.

وختم للتأكيد بقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

لاحظ بداية الآية: (تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)

فهذه المحرّمات، التي حرَّمها الله لتأثيرها البالغ في المجتمع، وهِي امتداد للوصايا العشر في الشرائع الماضية.

وإضاءتنا هنا على قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)

فلا الناهية تنهي عن قتل النفس، وأداة الحصر (إلَّا) حصر التأكد بأحقيّة الفعل.

والله سبحانه يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل 90)}.

ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء 58)}.

ويقول: {أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ (النور 25)}.

إذاً: فإذا كانَ اللهُ هو الحقّ، ومن صفتهِ العدل، وهذه صفة إلهية مطلقة له. وهو لا يظلم ولا يأمر بالظلم. فكيف يجوز أن نحكم بأنّه أمر بقتلِ النفس، ولو كان استثناءً بـ(إلَّا) بالحقّ، أي: بالتبين لأمرِ اللهِ بالحكمة والعدلِ والانصاف بالحقِّ (العدل)، لا بالباطل والعبث، أي بما هو مبرر شرعًا وقانونًا، لأنَّ الحقَّ نقيضُ الباطل. {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ (غافر 20)}. أي بالعدل، لا ظلمًا ولا عدوانًا، فقتلُ النّفس هو من الكبائر كما جاء بالأثر:

روى أبو داود والنسائي: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ (ر)، انَّ رَسولَ الله (ص) قَالَ: لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ: زَانٍ مُحْصَنٌ يُرْجَمُ، أوْ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلا مُتَعَمِّدا فَيُقْتَلُ، اوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ الإسْلامِ يُحَارِبُ الله عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ، أوْ يُصْلَبُ أوْ يُنْفَى مِنَ الأرْضَ.

وفي المسند الجامع: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ: لاَ. وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ). قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالدا).

وفي تخريج أحاديث الكشاف، ورواه النسائي والبُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا: عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت: لِابْنِ عَبَّاس، أَلِمَنْ قتلَ مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة ؟ قَالَ لَا.

والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً. من ذلك في صحيح مسلم وغيره: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ).

وأخرج الترمذي والنسائي: عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ: ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا، أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ، مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ).

وأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) قَال: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ، لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ).

وأخرج ابْن ماجة: عَن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً، قال: قالَ رسول الله (ص): (مَن أعَان عَلَى قتل مُؤمن وَلَو بِشَطْر كلمة، لقى الله تَعَالَى مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله).

إذاً إِنَّ احترامَ دماءِ البشر وحرمة قتل النفس هو من المتفق عليه في كلّ الشرائع والديانات والقوانين البشرية، وهو مِن كبائر الذّنوب، وفي كتاب الله يعتبر مَنْ يقتل إِنساناً فكأنّما قتل الناس جميعاً. لقوله سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [المائدة 32].

فانظر يا أخي بعين لبّك إل ما قال الله سبحانه ورسوله عن قتلِ النّفس، وأنت الحكم على نفسك.

*الكاتب:باحث اسلامي ومؤلف نحو 20 كتاباً

 

(موقع اخبار سوريا الوطن الالكتروني-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المرأة وطن البيت: تأمّل في لغة القرآن وعمق دلالاته

    المهندس نضال رشيد بكور     في عالم تتداخل فيه الأصوات المطالبة بالمساواة والعدالة ، قد يغفل البعض عن أعظم مظاهر التكريم ، ...