يوسف فارس
غزة | تعكس تصريحات قادة المؤسّستين الأمنية والسياسية الإسرائيليتين في كل مرحلة من مراحل الحرب، قدراً كبيراً من الانفصال عن الواقع. ففي سعار تهديدات الشهر الأول من الحرب الذي أعقب عملية «طوفان الأقصى»، تعهّد وزير جيش العدو، يوآف غالانت، بالقضاء على عناصر حركة «حماس» وجناحها العسكري، واحداً واحداً. وقد تكرّر أخيراً في معرض الحديث عن عقبات صفقة وقف إطلاق النار، بند شائك وإشكالي، وهو منع عودة المسلحين من جنوب القطاع إلى شماله، هذا على افتراض أن الجيش الإسرائيلي استطاع القضاء على كلّ المسلحين في الشمال، بينما يكمل مخطّط «الفقاعات الإنسانية» الذي يفخر غالانت بأنه من وضع تفاصيله الدقيقة.ذلك الانسلاخ التام عن الواقع المجتمعي والهيكلي والتاريخي لحركات المقاومة في غزة في مقترح غالانت الحالم، يحدّد مناطق في شمال القطاع ستُعتمد كمناطق «إنسانية» يُمنع دخول عناصر «حماس» إليها، ثم تجري المحافظة على نقائها من العناصر المسلحين، ويصار إلى توسيعها بالتدريج، مع استمرار تحييد وقصف عناصر «حماس» وفصائل المقاومة، ثم تُنقل التجربة بطريقة القضم من منطقة إلى أخرى، لتنتهي أخيراً في جنوب القطاع.
على أن مَن يقرأ ما تقدّم من تصريحات، ويتأمّل مخطّطات التطهير الواهمة، يفهم المسافة الشاسعة بين الواقع، وما يسكن عقول قادة الاحتلال من اشتباه. فالمقاومة، وتحديداً حركة «حماس» التي تمتلك أقوى الأجهزة الاجتماعية والدعوية بين فصائل المقاومة، قد تتعرّض بعد سنوات من الحرب والقتال، لأزمات على صعيد نقص السلاح، ونقص الأموال، لكن الذي لا يمكن أن يعتريها بأي شكل من الأشكال، هو نقص العنصر البشري والكادر المقاوم، وذلك لاعتبارين:
– حركة «حماس» هي ابنة المجتمع. والحديث هنا ليس عن عناصرها الموزّعين في العائلات، وإنما عن عشائر وعائلات كبرى يغلب عليها الانتماء إلى الحركة.
«حماس» في غزة تختلف عن «منظمة التحرير» في لبنان، ولن تصل إلى مناقشة فكرة ترك القطاع
– الحركة بدأت من غزة، وهي ليست حزباً مستورداً. من حي الصبرة، انطلق الشيخ أحمد ياسين في التنظير لفكرة حزبه، ومن بيت حانون قاد الشيخ صلاح شحادة جهازها العسكري، وفي مخيم جباليا عاش الناطق العسكري «أبو عبيدة». ومعنى ذلك، أننا لا نتحدث عن حزب أو حركة تحرّر مُستضافة في بلد شقيق، وأن حالة «حماس» في غزة مغايرة لحالة «منظمة التحرير» في لبنان. ولن تصل في أعلى مستويات الضغط إلى مناقشة فكرة ترك القطاع والإبعاد.
أما على صعيد الكادر البشري المقاوم الذي يدّعي الاحتلال أنه قضى على المئات من عناصره عقب انسحابه من كل منطقة يتوغّل فيها، فثمة جملة من الحقائق التي تجب الإشارة إليها:
– أعلن جيش العدو أنه قضى على أكثر من 1200 مقاتل من «كتائب القسام» خلال عمليته المستمرة في مدينة رفح جنوب القطاع، وهو يعتبر أن كل عنصر بشري يقصفه في سياق التمشيط أو القصف العشوائي، هو عنصر مقاتل. لكن قائمة أسماء الشهداء والمفقودين، تشير إلى أن ثلاثة أرباع الشهداء الذين قضوا في تلك العملية هم من المدنيين.
– يأخذ النسق القتالي الذي تنتهجه المقاومة، طابع الاقتصاد الشديد في الاعتماد على الكادر البشري، حيث تتكوّن الزُّمر القتالية التي تشتبك مع العدو من خمسة أو ستة مقاومين على الأكثر، وتتوزّع في خطوط قتالية متعددة، بعضها متقدّم والآخر في مناطق آمنة. وبوسع مجموعة أو مجموعتين تنفيذ العشرات من المهمّات القتالية في حيّز مكاني مثل حي الشجاعية، ما يعني أن فكرة الاستنزاف البشري على صعيد الكادر الفاعل، تنفيها طريقة القتال، وحدود الخسائر التي يمكن أن تخلّفها المعارك.
– أخيراً، تسبّبت الحرب والمجازر التي طاولت الآلاف من الأبرياء، في تعويم ثقافة الثأر والانتقام. ويشعر أهالي القطاع عموماً، بأن ثمة مشكلة شخصية لهم مع جيش العدو. وقد أفضى ذلك إلى وجود حافز كبير للانضمام الفاعل إلى المقاومة. غير أن الواقع لا يشير إلى وجود كفاية في الكادر العسكري الفاعل فقط، وإنما فائض عددي لا تستدعي كثير من المهمات القتالية حضوره.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار