هل يمكن أن تستحيل النكات متلازمة قهرية؟ في يومياتنا، نلتقي بكثيرين يشتهرون بخفة ظلهم وحبهم لإلقاء النكات، حتى إن لم يستسغها المتلقي. لكن، هل يمكن أن يكون هذا مؤشراً على اضطراب عصبي مرتبط بمشكلة في تركيبة الدماغ؟
ما هي متلازمة «ويتزلسوكت»؟
«ويتزلسوكت» (Witzelsucht) هي حالة عصبية يُدفع فيها المصاب للمزاح القهري وإلقاء النكات بشكل مفرط وغير مناسب، حتى في الأوقات والمواقف التي لا تستدعي الفكاهة. المصابون بهذا الاضطراب غالباً ما يعتقدون أنّ نكاتهم مضحكة، رغم أنّ الآخرين قد يجدونها غير لائقة أو مزعجة.
وبحسب تقرير بموقع «سايكولوجي توداي» (Psychology Today)، يُشتق اسم هذه المتلازمة من الكلمة الألمانية Witz التي تعني نكتة، وSucht التي تعني إدمان، أي الإدمان على المزاح. تحدث الحالة عادة نتيجة لسكتة دماغية، أو إصابة في الدماغ، خاصة في الفص الجبهي على الجانب الأيمن، ما يؤثر في القدرة على التحكم في السلوك الاجتماعي والضبط الشخصي.
تاريخ اكتشاف المتلازمة
ظهرت أولى الحالات المُوثّقة لهذه المتلازمة في عام 1929 على يد طبيب الأعصاب الألماني، أوتفريد فورستر، أثناء إجراء عملية جراحية لإزالة ورم من دماغ أحد المرضى. وبينما كان المريض لا يزال واعياً، أظهر سلوكاً غريباً عندما بدأ في «رحلة جنونية من المزاح وإلقاء النكات» ما أثار انتباه الطبيب، وفقاً لتقرير نشره موقع «بي بي سي فيوتشر».
وفي العام نفسه، أشار الأخصائي النفسي، أبراهام بريل، إلى حالات مشابهة من المرضى الذين كانوا يطلقون النكات على «أي شيء وكل شيء» حتى عندما يكونون على طاولة العمليات. حينها، جرى الربط للمرّة الأولى بين المتلازمة وإصابات الفص الجبهي.
وبحسب موقع «ساينس أليرت» العلمي، سبق أن وصفت دراسة بارزة أجريت في عام 2016 حالة رجل يبلغ من العمر 69 عاماً أصيب بسكتة دماغية وتطوّرت حالته في ما بعد ليصاب بإدمان النكات السخيفة.
وفي هذا السياق، قال الباحثون إنّ رغبة المريض في إلقاء النكات كانت كبيرة جداً، لدرجة أنه كان غالباً ما يوقظ زوجته أثناء الليل فقط ليخبرها بإحدى نكاته. لذلك، طلبت منه زوجته بلطف أن يكتبها بدلاً من ذلك.
وعندما التقى المريض للمرة الأولى بفريق من أطباء الأعصاب، أحضر معه «نحو 50 ورقة مليئة بنكاته التي كانت في معظمها إما تافهة أو سخيفة ذات محتوى جنسي أو بذيء».
الفص الجبهي من الدماغ المسؤول عن سمات الشخصية
الفص الجبهي من الدماغ المسؤول عن سمات الشخصية
الأسباب الكامنة وراء المتلازمة
يُعد الفص الجبهي من الدماغ مسؤولاً عن سمات الشخصية، بما في ذلك حس الفكاهة، والتحكم في الانفعالات والسلوكيات الاجتماعية. وأي إصابة في هذا الجزء من الدماغ قد تؤدي إلى تغيرات جذرية في مزاج الشخص وطريقة تعامله مع الآخرين.
عند التعرض لإصابة في الجانب الأيمن من الدماغ، يعاني الشخص من مشاعر النشوة والحيوية، ما قد يُظهره في مواقف غير مناسبة، مثل إطلاق النكات.
في المقابل، قد يظهر الأشخاص الذين يتعرضون لإصابات في الجانب الأيسر مشاعر اكتئاب أو غضب، وفقاً لموقع «غيزمودو» (Gizmodo).
وبحسب ما قاله خبراء صحة عقلية وعلم الأعصاب في تقرير لمجلة How Stuff Works، يمكن أن يؤدي تلف الفص الجبهي أيضاً إلى أكثر من مجرد إلقاء قهري للنكات السخيفة والمعاناة من متلازمة «ويتزلسوكت»، فهو يؤثر كذلك على مراكز المتعة في الدماغ.
ومن المفارقات، أنّ المصابين بهذا الاضطراب لا يتأثرون بالقدر نفسه من الفكاهة التي يطلقها الآخرون. في كثير من الأحيان، يشعرون أن نكاتهم مضحكة، في حين أن البيئة الاجتماعية من حولهم قد تعتبرها مزعجة أو غير لائقة.
تأثير الاضطراب على الحياة الاجتماعية
إلى جانب إلقاء النكات القهرية، يمكن أن يؤثر تلف الفص الجبهي أيضاً على مراكز المتعة في الدماغ، ما قد يولّد أعراضاً أخرى مثل فرط النشاط الاجتماعي، والقلق، واضطرابات في التواصل الاجتماعي. المصابون بهذه المتلازمة قد يواجهون صعوبة في فهم المواقف الاجتماعية أو قراءة تصرفات الآخرين، ما يؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية.
طرق التعامل مع متلازمة «ويتزلسوكت»
رغم وجود فهم أفضل لأسباب المتلازمة، إلا أن علاجها لا يزال تحدياً. لا توجد طرق علاجية محددة، لكن يمكن للأطباء استخدام العلاج السلوكي النفسي لمساعدة المصاب على إدراك أن نكاته قد لا تكون مُرحباً بها من الآخرين، مع تدريبهم على التحكم في هذه السلوكيات القهرية.
وفي الحالات الأكثر شدة، قد يلجأ الأطباء إلى وصف أدوية مثل مثبتات الحالة المزاجية، بهدف مساعدة الشخص في العودة إلى شخصيته الطبيعية والتحكم في اضطرابه.
أخبار سورية الوطن١ الأخبار