| نبيه البرجي
حين نسأل وزير خارجية مصري سابق «لماذا استراتيجية أبي الهول، والأزمات تندلع حولكم (على الأقل فلسطين وليبيا والسودان)، بالتداعيات التي لا بد أن تصل عاجلاً أم آجلاً الى عقر داركم»؟
السؤال لم يتوقف هنا . استغربنا كيف أن مصر تبدو، ومنذ اتفاقية كمب ديفيد، وكأنها دولة في الاقامة الجبرية. لا دور ولا تأثير ولا تأثر، حتى أن الأتراك دخلوا وتدخلوا عسكرياً في ليبيا. هل هي الخشية من وقف حفنة الدولارات التي تقدمها أميركا؟
صدمتنا الاجابة «ما هي الورقة التي نستطيع أن نلعبها ضد أميركا»؟ ألا تكفي مصر بوهجها التاريخي، وبحساسية موقعها الجغرافي، وبامكاناتها الديموغرافية وحتى العسكرية، لكي تتخلص من «عقدة اليمن»، وتشارك في صياغة المسارات استراتيجية للمنطقة؟
على مدى أكثر من نصف قرن تقريباً، وشبح أنور السادات يحكم مصر. رجل «الـ 99 % من أوراق أزمة الشرق الأوسط في يد أميركا»، لم يتنبه الى أن الأميركيين لم يبذلوا حتى الـ 1 في المئة للتأثير في النهج البربري للسياسات «الاسرائيلية» .
مسؤولون وديبلوماسيون مصريون يبررون عزلة بلادهم بهاجس «أفواه وأرانب»، ما يستدعي التخلي عن أي دور خارجي والتركيز على «الهموم الداخلية»، لتأتي حقبة «الاخوان المسلمين» بكل بشاعتها، وتجعل العسكر هم الحل، ولكن كيف للعسكر الذين هزم آباؤهم هولاكو، أن يغمضوا أعينهم عن الحرائق التي تحدق ببلادهم؟
هبوط في السياسة، وهبوط في الثقافة (بعد كل تلك التجليّات الكبرى)، فيما الاقتصاد في حالة من الاحتقان الذي ينذر باحتمالات خطيرة ووشيكة…
على الشاشة المصرية قلتُ ذات يوم، ان مصر بحاجة الى «مشروع مارشال عربي»، انطلاقاً من قول «الايكونوميست» في آب 1947، «حين تزهو مصر يزهو العالم العربي، وحين تذوي مصر يذوي العالم العربي»، ليقال لنا «هل تعتقد أن العرب، أو بعضهم على الأقل، يريدون لمصر أن تنهض»؟
كيف يمكن لدولة بمثل تلك الامكانات أن تاخذ بسياسات رد الفعل لا الفعل؟ البداية بديناميكية ديبلوماسية للتوازن في العلاقات بين القاهرة وكل من واشنطن وموسكو وبكين . هذا ما فعله السعوديون الذين يخرجون شيئاً فشيئاً من «الجلباب الأميركي»، بالرغم من التصاقهم ولمدة قرن تقريباً بالاستراتيجيات الأميركية في العالم، وليس في الشرق الأوسط فقط …
نعلم أن شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي مختلفة عن شخصية الأمير محمد بن سلمان، وأن البنية السوسيولوجية لمصر تختلف عن البنية السوسيولوجية للسعودية (ناهيك عن الفارق الدراماتيكي بين الفائض المالي هنا والضائقة المالية هناك ).
ولكن بين أرض الكنانة وأرض الحجاز، تاريخ طويل من التواصل والتفاعل، فلماذا لا ينتفض المصريون ضد أميركا مثلما يفعل السعوديون، كنقطة انطلاق نحو انشاء منظومة أو منظمة اقليمية، بأبعاد سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية، لوقف التدخلات الخارجية على أنواعها؟
من لا يعلم أي علاقة تربط بين جناحي وادي النيل مصر والسودان الذي أمام مفترق
أبوكاليبتي . حرب داخلية لا بد أن تفضي الى تفكيك ما تبقى منه، لتتوزع الأقاليم بثرواتها الهائلة بين الدول العظمى، وما دون العظمى .
مصر وحدها تستطيع أن توقف تلك الحرب بانهاء عبد الفتاح ابراهيم ومحمد حمدان دقلو، ولو بالغارات الجوية، مع تأكيدنا بأن الاستخبارات المصرية على علم بكل تفاصيل وبكل خفايا الشقيق السوداني .
رجلان من بقايا عمر حسن البشير، بتفاهته وزبائنيته وبضحالته، ويقودان بلدهما الى الهلاك . هكذا، وبذهنية مملكة يهوذا، بامكان آبي أحمد ليس فقط ملء المرحلة الرابعة من سد النهضة، بل واقامة سلسلة من السدود التي تعني نهاية مصر، وقد وصفها هيرودوت بـ «هبة النيل»، وسقوط حضارة النخيل في السودان (أي سودان؟)
هذه ساعة مصر . يا أبا الهول، وأنت الصامت منذ أكثر من 4000 عام، آن الأوان لكي تتكلم…
(سيرياهوم نيوز3-الديار)