الرئيسية » كلمة حرة » يكرمونك أم تكرمهم..؟

يكرمونك أم تكرمهم..؟

أديب مخزوم 12 تموز/يوليو 2020

يوماً بعد آخر، تزداد التكريمات الوهمية وشهادات التقدير الافتراضية الصادرة عن جهات مجهولة في فضاء الفيس بوك، والذين يتحملون مشكلة تفاقم هذه الظاهرة هم المبدعون أنفسهم، الذين يعترفون بها، وينشروها على صفحاتهم. ويزداد شعورنا بالمظهر الاستعراضي لهذه الشهادات، حين نرى المبالغة في زخرفتها، والمبالغة في إطلاق الصفات والألقاب، حتى على الأدعياء، فهذا تلصق به صفة العالمية، وذاك صفة الكونية، مع العلم أن مانحيها ليسوا من أصحاب الاختصاص، وغالباً ما تكون لهم اهتمامات أخرى.

حين أشاهد بعض الفنانين والأدباء والشعراء المعروفين، يجاهرون بهذه الشهادات الوهمية المزيفة، ويعبرون عن سعادتهم، واعتزازهم بها، أتساءل: كيف تقبل أيها المبدع أن تكون طرفاً في هذه اللعبة أو المهزلة؟ وهل هم يكرمونك أم أنت تكرمهم، وتعطيهم قيمة لا يحلمون بها؟.. وليس هناك من تفسير يمكن التوصل إليه من خلال شيوع هذه الظاهرة سوى الاستسهال واللامبالاة، وهذا يشكل منتهى دلالات الضياع والفوضى التي تزيد الحاضر قتامة وسواداً.

ولقد تفاقم عدد الأدعياء وسائر الفنانين والشعراء والكتاب العظام، في الزمن الأخير، في الوقت الذي نجد فيه أن القارة الأوروبية وعلى مدى ثلاثة آلاف سنة، أي من عهد هوميروس أبي الشعراء، وفيدياس أبي النحاتين، واورفيوس أحد آباء الموسيقيين، وسوفوكلس أبي المسرح، لم يظهر فيهم أكثر من تسعين فناناً، بالمعنى الحقيقي لكلمة فنان، موزعين على الشكل التالي: حوالي عشرين شاعراً حقيقياً، جديراً بهذا اللقب العظيم، وثلاثين رساماً ونحاتاً، وأربعين موسيقياً، أي بمعدل شاعر واحد على كل ثلاثة ملايين إنسان، ورسام واحد ونصف الرسام، وموسيقيين اثنين على مثل هذا العدد الهائل من البشر. وإذا أجرينا مقارنة مع ما أنتجه الفيس بوك، من عباقرة وأفذاذ فقط في سورية، فإننا سنصل إلى حالة شبيهة برحلة رجب في بلاد العجب، بحيث يأخذنا العجب العجاب، ونحن نتابع هذا الكم الهائل من الدخلاء والمتطفلين على الفن والأدب ومجالات الإبداع كافة، بحيث أصبح عدد الموهوبين والعباقرة عندنا هو عدد جميع الناس بلا استثناء.

(سيرياهوم نيوز-الثورة)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

يسألونك عن أمريكا؟!

  سمير حماد يسألونك عن أمريكا ؟ أخطبوط المال والأعمال والسياسة والأذرع الممتدة على امتداد الكرة الأرضية, حيثما ارتُكبت جريمة حرب أو تغيير سياسي أوانقلاب ...