“يلدا” الفارسي، أو “يوم ولادة الشمس” وطقوسه في إيران، ما هو المشترك بينه وبين عيد ميلاد السيد المسيح؟
مريم ميرزاده
هي ليلة يلدا. الليلة الأطول في السنة، أو ليلة الشتاء الأولى، أو ما يعرف بالانقلاب الشتوي (المربعانية). في الثلاثين من شهر آذر في التقويم الشمسي (21 كانون الأول/ديسمبر)، تحيي الشعوب التي تعتمد التقويم الشمسي في بلادها، هذه الليلة بعادات وطقوس لها جذور منها الديني ومنها الأسطوري. لكن كم من أسطورة صاغتها الحقيقة، بالرغم من أن الأولى تحل محل الثانية، طامسةً معالمها غالباً؟
ويلدا الفارسية، يوم ولادة الشمس، وطقوسها، على ما يقول الإيرانيون، بمثابة التوسل والدعاء بأن تبزغ شمس الصباح بعد ليل شتوي طويل.
يأخذنا هذا العيد الرمزي في رحلة في فضاءات التاريخ. فلعل هذا الارتقاب والانتظار ينبعان من التعظيم التاريخي العريق للشمس في هذه الأرض. فطالما كانت النار عنصر الطبيعة المقدس لدى قدامى الفرس، حتى اتهموا بعبادة النار.
وقد كان هذا إجحافاً بحق قوم موحدين ذوي دين إلهي. وقد ورد في رواية للإمام زين العابدين عن النبي محمد: “عاملوا المجوس بسنة أهل الكتاب”[1].
ويذكر العلامة الطباطبائي بأن المجوس قبيلة مشهورة اعتنقت الزرادشتية، قائلاً إن لفظ المجوس ورد مرةً واحدةً في القرآن الكريم، إلى جانب لفظ أهل الكتاب أي اليهود والنصارى، وفي مقابل المشركين، ويخلص بالقول إنهم بالتالي من أتباع أنبياء الله ومن أهل الكتاب، غير أن كتابهم، مثل سائر الأديان الأخرى، تعرض للتحريف ومحي دينهم [2]. وما بقي من دينهم ومن زرادشت سوى جزء قليل ومحرف من الكتاب بعنوان “آوستا”.
وخلافًا لنظريات الزرادشتيين المتأخرين، كان زرادشت يؤمن بأن الإله آهورامزدا هو من خلق الظلمة والنور، أي أنه الخالق الوحيد للكون بأكمله. بينما يرى أتباعه المتأخرون بأن ثمة إلهين اثنين؛ إله الظلمة وإله النور. الأمر الذي أوجد شرخًا بين الوجه الأصيل للديانة الزرادشتية وبين الأتباع اللاحقين، الذين بلغ بهم الأمر إلى عبادة النار فأصبحوا “عبدة النار”، بينما كان زرادشت يقدس النار – ولا يعبدها – لأنها تحمل دلالةً ترمز إلى قدرة الخالق آهورامزدا.
وإذ كان من المعلوم بأن الديانة الزرادشتية (مازديسنا) كانت سابقة زمانياً لليهودية والمسيحية، (1400- 1700 ق.م)، وكان زرادشت النبي الذي نزل عليه الآوستا، فإن عبادة النار تبدو تقليداً مبالغاً به، اخترق الدلالات الأصيلة (الخام) للسلوك الديني (الطقوس)، وانصهر بها حتى أمسى حقيقةً وواقعاً على ما يبدو للكثيرين اليوم.
تختلف اليوم سائر طقوس الأعياد، من يلدا إلى النيروز، كما سائر الأعياد التي ارتبطت بتاريخ الأديان وجذورها. حتى الروايات تقول بأن ثمة مشتركات بين يلدا وميلاد يسوع المسيح. فشجرة الصنوبر التي يزينها المسيحيون وأتباع التقويم الميلادي عموماً، تشبه شجرة السرو التي تمثل في احتفالية يلدا رمز المقاومة في وجه شدة البرد. فوحدها الصنوبريات تحافظ وسط أعتى العواصف الثلجية على خضرتها وأوراقها.
ويقول بعض الباحثين إن يلدا والميلاد واحد، وإن عطلة المسيحيين بعد ميلاد المسيح أصبحت يوم الأحد الذي يسمى “يوم الشمس” (Sunday). ويلدا، تعني الميلاد، اصطلاحاً. والميترائيون القدامى كانوا يحتفلون في هذه الليلة بميلاد إله المحبة “ميترا”.
ويذكر الباحث مصطفى پزشكي، بأن احتفالات الميترائيين جابت العالم عن طريق المانوية والأفلاطونية الحديثة في مشرق الأرض، ووصلت إلى أوروبا، حيث صيغت بطرق أخرى بعد انتشار المسيحية، ثم عادت إلى المشرق تحت عنوان “ميلاد المسيح”. فتحولت ليلة “يلدا” إلى ليلة “نويل”.
ويقول أبو الريحان البيروني في “الآثار الباقية” إنه: “وفي ليلة الخامس والعشرين من الشهر، يصادف عيد الميلاد عند أهل الروم، أي عيد ميلاد المسيح وعيد يلدا”.
وحول هذه المسألة نظم الشاعر السنائي الغزنوي أبياته:
شارك السلطان في الملك إذا رمت المقام
مثل يلدا نالت الأمجاد من عيسى المسيح [3]
هكذا حضر الأدب والشعر في هذه المناسبات التي امتزج فيها البعد الديني بالأسطوري الاجتماعي، حيث يستحيل المقدس الديني إلى طوطم قومي أو اجتماعي ينطوي على سلوكيات تؤلف بين أفراد الجماعة؛ لعل فلسفة العيد ككل، تكمن في هذه الأهداف الاجتماعية النبيلة التي ترتقي بروح الإنسان، سواءً من خلال توطيد العلاقات الأسرية، أو استحضار العناصر الجمالية والثقافية والأدبية.
ويقول سعدي الشيرازي في “ليلة يلدا”:
وخمار الليل أسدله النهار
كخصلة فوق الجبين
فكأنما ليلة يلدا نهضت من وجه القيامة [4]
ويقول في قصيدة أخرى:
النظر في وجهك كل صباح هو النيروز
وفراقك كل ليلة كليلة يلدا
تعود الأعياد باستمرار من دون توقف. بالرغم من تضاؤل ملامحها وبرقها وبهجتها. ومع انحسار معاني الفرح في ظل استهداف الطفل في غزة.. يبقى العيد حامل البشائر ورسالات انتصار الخير على الشر، وتبقى رموزه، خلاصاً منتظراً، لكل مستضعفي الأرض.
***
[1] ناصر مكارم شیرازي وآخرون، تفسیر نمونه، م 14 ص 45ـ 46 ، دار الكتب الإسلامیة، طهران ،1996 م. [2] المیزان، الترجمة الفارسية، م 14 ،ص 532ـ 537 [3] ترجمة مريم ميرزاده [4] ترجمة مريم ميرزاده
سيرياهوم نيوز1-الميادين