تحقيق لؤي كرم:
لم تَنجْ مدينة الدريكيش، ولم تشفع لها طبيعتها الساحرة ونبعها العذب المشهور، ولا ينابيعها في”قمة النبي متى”، من تسرب المياه الآسنة عبر أنهارها وأراضيها وبعض شوارعها والتي تفوح مها الروائح النتنة المؤذية للصحة والعين معاً.
على أرض الواقع
للوقوف عند هذه المشكلة ومعرفة الأسباب بداية سألنا بعض المواطنين عن هذا الأمر دون أن يجيبنا أحد ..! وخلال تجوالنا التقينا السيد أبو حاتم الذي رافقنا وأخذنا معه على دراجته النارية، كنا نشق طريقنا عبر طبيعة بكر لا يعكر جمالها إلا الأوساخ المتراكمة تحت الجسور التي هي من مخلفات الإنسان وبعض مصبات مياه المجاري التي تسيل حتى تبلغ البحر.
أبو حاتم الذي أشار بيده إلى ما تفعله مياه الصرف الصحي بالأراضي مستغرباً عدم اهتمام المعنيين بهذه المشكلة قال: إننا لا نستحق هذه النعمة التي أعطانا إياها رب العالمين، أنا ليس لدي أولاد ولكن تلك الشجرات هن بناتي فكيف أسيء لهن !؟ وتابع: للأسف لا أحد يتكبد أي عناء ليخرج من مكتبه ويرى الحقيقة على أرض الواقع وإن رأى، قد لا يقدم حلولاً ملموسة لتحسين هذا الوضع المعاش.
بدوره المواطن أبو ذو الفقار تحدث عن مشكلة الصرف الصحي في منطقته وتساءل قائلاً: ألا يحق لنا أن يبادر من هو مسؤول عن هذا الأمر في معالجة مياه الصرف الملوثة وإيجاد الحلول المناسبة، فالخوف الكبير من تلوث المياه التي تهدد الصحة بشكل عام، فقد تعرض صديقي للتسمم هو وعائلته بسبب تلك المياه الملوثة في منطقته (حاموش رسلان) ويقول إلى متى هذا الاستهتار بحياة الناس؟ يقولون إنهم سيعالجون هذا الأمر ولكن على أرض الواقع “لا حياة لمن تنادي”.
روتين الإجراءات وكثرة المعاملات
أثناء معاينة بحيرة سد الدريكيش التقينا بالمراقب محمد عبدو الذي زودنا ببعض المعلومات قائلاً: تبلغ غزارة مياه السد ستة ملايين متر مكعب ويوجد لمياهه فلاتر لتجهيزها لتصبح صالحة للشرب، والعمل في خط الصرف الصحي توقف عند جسم السد وسيصب في قرية البريخية للمعالجة عند مجرى النهر، وسبب التوقف هو الحرص على عدم المس بالآبار الخمسة الموجودة لقياس منسوب المياه، وتلافي أي تسرب في جسم السد حيث كلفت هذه الآبار الدولة ملايين الليرات، وأضاف أن مرد التأخير يعود لعدم تكامل عمل وزارة الموارد المائية ووزارة الإدارة المحلية ومديرية الصرف الصحي، والمعاملات الكثيرة الجارية بين كل الأطراف رغم أن المسافة تبلغ تقريباً مئة متر فقط .
التأخر باستملاك المحطة والآثار السلبية
عضو المكتب التنفيذي في محافظة طرطوس المهندس جابر حسن قال: يوجد في مدينة الدريكيش مركز المدينة وثلاث بلدات، هي دوير رسلان وجنينة رسلان وحمين، وثمان بلديات هي (بقعو، فجليت، مبحصة، المعمورة، العوينية، عين الجاش، مطرو، حيلاتا) وهذه الوحدات الإدارية مخدَّمة بشبكات صرف صحي نفذت من قبل الوحدات الإدارية وتبلغ نسبة التخديم ما يزيد عن 70% من هذه التجمعات.
كما توجد بعض القرى غير المخدمة ومنها (حيلاتا، القليعة، عين الدهب، جنة الجرد، بستان الصوج، بيت يوسف، المراج، البريخية، حاموش رسلان، الزكية، وطى زكية، حبسو) .
وأضاف حسن: لقد قامت وزارة الموارد المائية بتنفيذ مجمع (القليعة – الدلبة) منذ15 سنة، وينتهي إلى محطة معالجة القليعة الدلبة الجاري تنفيذها حالياً، علماً أن المجمع يحتاج إلى صيانة وترميم، كما يحتاج إلى إكمال المجمع الثانوي الذي يبدأ من عين بالوج – دوير رسلان حتى مبحصة ليلتقي بمجمع (القليعة الدلبة) .
وتابع المهندس حسن: كذلك نفذت الوزارة مجمع جنينة رسلان- ساعين الغربية، وقام مجلس مدينة الدريكيش عام 2000 بتنفيذ مجمع المدينة الذي يبدأ من عين الجاش وينتهي بمحطة المعالجة في مدينة الدريكيش المزمع تنفيذها، وقد سبب الخلاف على استملاك محطة المعالجة منذ 2005 إلى تأخير تنفيذها ما ترك آثاراً سلبية على البيئة ومصادر مياه الشرب في المنطقة .
كما تقوم وزارة الموارد المائية بتنفيذ محطة معالجة (القليعة – الدلبة) وعند الانتهاء منها سيتم إزالة التلوث عن مصادر مياه الشرب (نبع الدلبة – سد الدريكيش)، علماً أن مجمع (باي باص) من موقع المحطة غرب سد الدريكيش بقي دون استملاك حق المرور ما خلق إشكالات مع المزارعين في المنطقة .
ردود عابرة للحدود ..!
توجهنا بأسئلتنا إلى مديرية الموارد المائية بطرطوس فأرسلوها إلى الوزارة بتاريخ 21/2/2021 حتى وقت نشر التحقيق لم يردنا أي رد من الوزارة بهذا الخصوص .
الدكتور علي داود مدير البيئة بطرطوس أفادنا بالقول: في حال ورود شكوى إلينا نقوم بأخذ عينات ونحللها ونطبق المعايير البيئية الخاصة وفق المواصفات القياسية السورية، و تتم مخاطبة الوحدات الإدارية، وفي حال وجود أي تعد على مياه الأنهار بمياه الصرف الصحي فهو من اختصاص الموارد المائية وهي الموكلة بإزالة التعدي.
أخيرا
لكل ما مر سابقاً نقترح ما يلي: الإسراع بتجهيز محطة (القليعة الدلبة) واستكمال الإصلاحات اللازمة كي تعمل بشروط فنية جيدة، كما أن تنفيذ محطة مدينة الدريكيش يخلصها من تلوث مياه الشرب الواقعة غرب المصب ويحمي البيئة من التلوث أيضاً وكذلك مجمع دوير رسلان- مبحصة .
علماً أن معظم مجاري الأنهار تتعرض للتلوث وخاصة أثناء المسيلات والأمطار، حيث تجرف معها المياه الآسنة فتنشر أضرارها تلوثاً ورائحة نتنة وتؤثر على المياه الجوفية للآبار وتلوثها، وهذا ما حدث في قرية حاموش رسلان في الدريكيش وقرية شباط التابعة لطرطوس، فهل تنتظر الموارد المائية والبيئة أكثر من حالات تسمم لتتحركا وتعالجا ما يجب عليهما فعله ..!
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة