عبد الفتاح العوض
يقولون ثمة خيط يكاد لا يرى بين الإبداع والجنون.. إنهما أقارب ..الإبداع حيث يفيض العقل.. والجنون حين يغيب العقل!!
ولا يوجد فكرة إلا وبدت كما لو أنها فكرة مجنونة في زمان ما قبل أن تثبت نفسها.. المجنون الذي يقنع الآخرين يسمى مبدعاً والمجنون الذي يفشل يبقى على اسمه.
ثمة من عرّف الجنون بأنه «نفس فقدت السيطرة على عقلها»، فيما يعتبر ميشيل فوكو أننا بحاجة إلى جنون الحب للحفاظ على النوع وبحاجة إلى هذيان الطموح لسير جيد لعالم السياسة ونحن بحاجة لجشع البعض من أجل إنتاج الثروات… يلخص كل ذلك «وكأن الحياة لا تعاش حقاً إلا إذا كانت جنوناً».
السلوك المرغوب في مجتمعنا هو سلوك الشخص العادي.. الشخص الذي لا يثير المتاعب الذي لا يسأل كثيراً ويسلك الطرق المعتادة.. القواعد مقدسة.. لكن كل الذين قدموا أهم الإنجازات للبشرية بشكل عام هم الذين فكروا بجنون!!
كل الاكتشافات العلمية بدت في وقت ما كما لو أنها خيال مجنون وبدا أن ما يفكر به العلماء جزء من عالم ليس موجوداً إلا في «عقولهم».
فكرياً أيضاً النظرة إلى الفلاسفة كانت تحمل في طياتها النظرة إلى المجانين حتى هم أنفسهم كانوا يتساءلون فيما إذا وصلوا حد الجنون.. «كان ديكارت يدرك في اللحظات التي كان يصل فيها الشك عنده إلى حدود تنذر بالخطر»، لكنه وباعتباره فيلسوفاً لا يمكنه أن يكون واحداً من الحمقى على حد تعبيره. فهاهو الفيلسوف بيرن يقول «نحن أصحاب الصنعة كلنا مجانين». ويقول الأديب دريدن «المفكرون العظام يتراقصون على حبل مشدود بين الجنون والعقل».
حتى بعض الأنبياء بداية اتهموا بالجنون لأنهم جاؤوا ومعهم أفكار ومعتقدات لا تتوافق مع مجتمعاتهم.
أما ما عرف به العرب بالجنون فهو العشق.. فهذا مجنون ليلي.. ولكل ليلاه!!
ما أتحدث عنه هو الدافع للإبداع هو الدافع للخيال والصعب والذي يبدو في نظر الكثيرين مستحيلاً، ما نحتاجه هو هذا النوع من الجنون الذي يسير باتجاه المعجزات. إن قلة من المجانين تكفينا لكننا حتى الآن لا نمتلك هذه القلة.. هؤلاء لا تعجزهم العقبات والقيود والظروف وكل مبرراتنا الكثيرة.
قلة من المجانين تنقذنا من كثير من مشاكلنا.. لكننا نفعل بالمجانين كما كان يفعل بهم في عصور الظلام يضعونهم في سفينة.. سموها سفينة الحمقى.
مجتمعاتنا ومؤسساتنا تفضل الأشخاص الذين يحفظون دروسهم.. من التلميذ في الحضانة إلى الجامعة وما بعدها ليس المطلوب الكثير من الأسئلة بل المزيد من كتابة الوظائف!!
أقوال
– أغلب العالم مجانين، ومن ليس بمجنون فهو غاضب، ومن ليس بمجنون ولا بغاضب، فهو غبي فقط.
تشارلز بوكوفسكي
– الأذكياء يبدون مجانين في أعين الأغبياء.
ستيفن هوكينغ
– جننتَ بمن تهوى فقلت لهم.. ما لذة العيشِ إلا للمجانين
(سيرياهوم نيوز-الوطن12-2-2022)