حلا خيربك:
كثر هم من لا يهتمون بالقراءة، هؤلاء الذين قرروا في أحد الأيام الإطلاع وممارسة هذه الهواية، لكنهم صادفوا كتاباً رديئاً، فأقلعو عن القراءة خوفاً من تكرار تلك التجربة المريرة..
من هنا تأتي أهمية النقد والنشر والترويج للكتب الجيّدة، بل وتبادل الكتب مع الأصدقاء والمعارف، إن القارئ بحاجة إلى دليل وتقييم للكتاب الذي يرغب بقراءته ولاحقاً لمجموعة الكتب التي يخطط لقراءتها، وللأسف هناك العديد من الروايات غير الرديئة بالشكل الكامل وإنما مشهورة جداً لاسيما العربية منها! كونها تجارية رغم أنها بعيدة كل البعد عما يدعى أدب.
محنة العرض والطلب
الأدب ليس له وطن، وإنما المشاعر والعواطف والقيم الإنسانية والقصة الجيّدة، مناسبة للإنسان أينما وجد، ويأتي بعدها عامل الترجمة ليلعب بذلك دوراً هاماً “الأمر الذي سنتحدث عنه لاحقاً”.
يجب أن لا يختلف اثنان من الناس على الجمال أو الخير أو على القبح حتى! وهكذا هو الأديب، ذلك الإنسان الصافي النقي غير المشوه، الذي يتجرأ على تأطير الحقيقة، والإعتراف بها، والإشارة إلى القبح والجمال بكل ثقة ووضوح.
مئات الكتب
هناك مئات الكتب التي يجب على القارئ أن يتمّ قراءتها، وأن يجد الوقت الكافي أيضاً لذلك، ومن خلال قراءتي التي مازالت متواضعة، والتي شملت العديد من أهم الكتّاب في العالم، وكوني عندما أبدأ بكاتب أتابعه بعدة روايات لأتمكن من ملاحظة تطور أدبه ومعرفته وأسلوبه مع الزمن.
للأسف في المكتبات الكبيرة والتي بدأت تتراجع تدريجياً بدأنا نفتقد أسماء كبيرة وكتب هامة، لأنها بدأت تبيع حسب العرض والطلب! بل إننا بعد قليل سنفتقد الكتاب لعدة عوامل: أولها غلاء ثمنه وعدم القدرة على شرائه، فحالياً لا يوجد كتاب سعره تحت 6000 ليرة، وثانياً لعدم توفر الكتب في المكتبات، وثالثاً والأهم جهل صاحب المكتبة بالكتاب الجيد من الرديء.
محفوظ البداية
لا بد أن أعترف بأنني بدأت قراءتي منذ أكثر من عشر سنوات بـ ” نجيب محفوظ”، وأشعر إنه من الواجب الإشارة لقراءة أدب نجيب محفوظ كاملاً، فلا يمكن أن يتفوق على نجيب محفوظ أي كاتب بالحبكة، واللغة والأسلوب، ولقد أساءت الأفلام والمسلسلات التي عرضت لبعض قصصه المشهورة، ولأدبه بشكل كامل، من ناحية اختيار المواضيع، فبدا وكأن أدبه لا يخرج من الحارة الشعبية.
كفاح طيبة
من قصص نجيب الرائعة، “كفاح طيبة” وتقع في ثلاث أجزاء، وكذلك “السماء السابعة”، كثيراً ما تحدث وتخيل هذا المبدع الحياة بعد الموت، لدرجة لا يمكن للقارئ إلا أن يصدق عما يتحدث، لشدة ما شطح بأفكاره المتفردة والمبدعة.
إن الفكرة الأساسية لفيلم “لوسي” مأخوذة عن أحد قصص نجيب محفوظ، رغم أنه لم يذكر ذلك! حيث عندما يدخل النور الصغير الذي هو الإنسان في النور الكلي الذي هو الله، يصبح موجوداً في كل مكان وزمان في اللحظة نفسها! هذه أحد أهم أفكار نجيب محفوظ التي لم أقرأها عن غيره، والتي كتبها بأشكال متعددة.
أسلوب متحوّل
ومن يمسك بأدب محفوظ من أوله لآخره بتسلسل، يجد أنه يغير أسلوبه في كل مرحلة من عمره، ففي بداياته، كان يبدو أنه يسعى لإثبات نفسه فيتكلف، ونجده يعير اهتمامه الأكبر للغة، ويحشد ليس الصعب من الألفاظ وإنما الغريب منها، ويكثر من الصور الشعرية، وهو أسلوب نجيب حيث يصور ويشبه. ثم مال لاحقاً إلى بساطة اللغة مع حضور واضح للفكرة والحبكة التي غالباً تأتي متأخرة!
طبعاً نحن لسنا الآن بصدد اكتشاف نجيب محفوظ أو الترويج لأدبه، لكن من وجهة نظري يجب أن لا تخلو مكتبة من مجموعته الكاملة والتي تتألف من عدة مجلدات ضخمة، وأن لا يتجاوزه قارئ أدب حتى يتم أدبه كاملاً، لأنه بغض النظر عن اسمه وتاريخه وشهرته، وجائزة نوبل التي حازها، فعلاً في تجاوزه خسارة شعرية وصورية ولغوية وأفكار عظيمة لا نهاية لها.
سيرياهوم نيوز٣_تشرين