آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » 13 عاماً من الحرب، هل مازال الأسد ابن أبيه؟

13 عاماً من الحرب، هل مازال الأسد ابن أبيه؟

 

 

بقلم: زهراء مهنا

 

أين سوريا من فلك الطوفان؟ وكيف يقود النسر السوري جسارته في وحدة الساحات؟ الكثير على شاكلة تلك الأسئلة باتت تطرح هنا وهناك بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول من العام الماضي وإلى اليوم.

 

يعود سبب الإلحاح الذي يرمي بثقله على تلك الأسئلة إلى تاريخ سوريا الممتزج بتاريخ النضال الفلسطيني، وبروز سوريا في الصف الأول دائماً في كل محكّ تاريخي يتعلق بمصير القضية الفلسطينة وحق المقاومة، ليذهب الظنُّ بالبعض إلى أن سوريا آثرت الالتفات إلى شأنها الداخلي متأثرةً بالظروف العصيبة التي أطبقت على كل مفاصل الحياة منذ الحرب عام 2011م والمستمرة بكافة صورها وأساليبها إلى اليوم.

 

هل حقاً اعتنقت سوريا مذهب النأي بالنفس؟!

 

إذا أعدنا عقارب الزمن إلى الوراء نجد المشهد الأكثر تجذراً في ذاكرة العام 2009 برهبته وأبعاده وتداعياته هو مشهد الرئيس بشار الأسد يدير ظهره لرئيس الوزراء الصهيوني الأسبق “إيهود أولمرت” خلال افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي من أجل المتوسط في العاصمة الفرنسية باريس.

 

والدليل على أن هيبة هذا المشهد لم تسقط بتقادم الزمن ما كشفه أولمرت نفسه لأول مرة في كتاب أصدره عام 2021م تحت عنوان “قصة حياتي”، ليستعرض من خلاله أبرز المحطات السياسية، والصراع العربي الصهيوني وخاصة خلال فترة حكمه.

 

وقد تطرق” أولمرت” إلى حادثة قمة البحر المتوسط عندما حاول الاقتراب من الرئيس بشار الأسد لمصافحته، فيروي أولمرت في الكتاب:

“خلال افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي من أجل المتوسط في العاصمة الفرنسية، كان هناك الكثير من الملوك والرؤساء، وكانت عيناي تراقب الرئيس الأسد، كان كل أملي أن أضع يدي في يده ، وعندما اقتربت أكثر لاحظ الأسد اقتراب وأدرك الرئيس الأسد غايتي فتوجه إلى عكس اتجاهي ثم ابتعد مبتسماً، عندها كلمته باللغة الانكليزية وأنا أضحك “ﻻيجوز هذا يا أسد”، وقد سمع بعض الرؤساء كلمتي ولكنه لم يعرني أي اهتمام و عندما انتهت القمة جاء إلي الرئيس المصري حسني مبارك، فقلت له : أرأيت ما فعل الأسد؟، فأجابني الرئيس مبارك: هذا ابن أبيه”.

 

كان الرئيس بشار الأسد يعلم أنه يقف وحيداً عكس الاتجاه في ظلّ هرولة القوم إلى احتضان “أولمرت” وتقبيله، وكان يعلم أيضاً أن الثمن باهظاً لكنه رفض سياسة النأي بالنفس، لتندلع بعد ثلاثة أعوام من ذاك الحدث الهجوم الدولي الكبير على سوريا فما علاقة فلسطين بهذه الحرب؟!

 

” تهاوشنا على الصيدة” هكذا وصف قرار الحرب على سوريا كبير القوم القطري حمد بن جاسم، الذي أقر بدفع مبلغ 2000مليار دولار لإسقاط الدولة السورية كما أقر أيضاً “إيهود أولمرت” في تصريحات لقناة روسيا اليوم بتاريخ 4 أيار عام 2021، قائلاً: “أنّ الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الأسد هو أنه لم يعقد اتفاق سلام مع إسرائيل عام 2008″، مشيراً أنه لو وقّع الرئيس بشارالأسد ذاك الاتفاق لجنّب نفسه ما أسماه” الحرب الأهلية” في سوريا، حسب تعبيره ليؤكد المؤكد في أن تلك الحرب مفتعلة من رأسها لأساسها وهدفها الأول إسقاط نجل الرجل الذي لم يوقع.

 

مع كل ذلك تحمّل الرئيس بشار الأسد ومعه الجيش والشعب كل الضغوطات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية دون الرضوخ لأي “جرة قلم” تلوح بالخلاص المغموس بالسمّ ما إن وقعت سوريا أي اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، أفبعد ما خرجت سوريا من النفق الأشد ظلمة في هذه الحرب واستعادت معظم المناطق التي سيطر عليها الإرهابيين كحلب وحمص وحماه واللاذقية وريف دمشق وغيرها

 

فهل يمكن لها أن تتخذ دور النأي بالنفس بعد أن خرجت منتصرة وهي التي لم تقبل به كأمر واقع في أشد ظروفها حرجاً؟

 

وهل يمكن لإسرائيل أن تصطاد من سوريا بالسياسة أو بالضربات المجنونة مالم تستطع اصطياده بالحرب الممنهجة وغرف العمليات المشتركة وتدفق السلاح والمال والمقاتلين من كل حدب وصوب؟!

 

وهل يمكن لأبواق الاستخبارات الإسرائيلية اليوم ممن يسمون أنفسهم إعلاميين أو مثقفين أن يعزلوا قادة القوة العسكرية السورية عن مساندة غزة أو الضفة أو سائر الحراك المناهض لإسرائيل على كافة الأراضي الفلسطينية عبر إطلاق شائعات الاغتيالات أو إرسال بعض التهديدات؟

 

فإذا كانت سوريا تحملت قرار الحرب وردته خائباً على أفواه ناطقيه فمالذي يمنعها بعد ذلك من أن تلجم بالتهديدات والشائعات وعمليات التشويه الشرسة وجوه وألسنة أصحابها ومن خلفهم؟

 

سوريا القربان الأخلص على مقصلة تحرير فلسطين

 

بينما قدمت دول المحور الدعم المالي أو العسكري أو السياسي لفلسطين إلا أن سوريا قدمت كل سوريا ومن أجل ذلك كانت الفاتورة باهظة الثمن، فقد تترست خلف ضراوة تلك الحرب التي دامت 13 عاماً أهداف عدة:

 

أولاً: تبديل الرئيس بشار الأسد برئيس يميل مع الهوى الغربي حيثما مال ويبصم على العمياني لكل إملاءات أمريكا

 

ثانياً: طمس فكرة المقاومة من وعي الشعب السوري وجعله يكفر بالقضية الفلسطينية من خلال إنهاكه بالبحث عن الأمان لنفسه بدلاً من قيادته دفّة تحقيق الأمان لغيره، وإشغاله بنصرة كسرة الخبز في بيت مونته بدلاً من امتطاؤه جبهة نصرة أخوانه المستضعفين في فلسطين.

 

وبذلك فإنه في حال فشل الهدف الأول وظل الرئيس بشار الأسد في سدّة الحكم فإن الحرب ستمنعه من إيجاد قاعدة شعبية تدعمه في خياره المقاوم، بل يجد قاعدة شعبية مستكينة تهتف للتطبيع بدلا من هتافاتها لغزة.

 

ثالثاً: تفكيك الجيش السوري وإضعافه لكي لا يقوى على الدخول في أي معركة سواء ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين او ضد الاحتلال الامريكي في العراق وذلك بعد أن اختبرت تلك الجيوش المحتلة جدية الجيش السوري وصلابة عقيدته في مناصرة أي دولة شقيقة تتعرض للظلم والاحتلال ونهب الثروات.

 

رابعاً: تدمير الاقتصاد السوري لكي لا تستطيع سوريا المشاركة في دعم أي مشروع مقاوم.

والجدير ذكره هنا أن سوريا قبل الحرب كانت في منطلق تحقيق الاكتفاء الذاتي وكانت مدينة حلب تتهيأ لنهضة اقتصادية كبيرة لولا تفشي أذرع الإرهاب في كل حاراتها وأسواقها ومعاملها وأبنيتها.

 

خامساً: تدمير الجيل السوري وتفريغه من أي وعي شبابي واعد وتمييعه عن أي نهوض حضاري صاعد من خلال الحرب الناعمة التي رافقت الحرب العسكرية في سوريا فحولت الهواتف النقالة من أدوات تواصل إلى أجهزة تحكم عن بعد متفوقة في غسل العقول وتثبيط الهمم وزرع اليأس والشك والتمارض والتهاون لكي لا يفكر الجيل بسبيل إعمار سوريا بل بسبيل الخروج من سوريا.

 

سادساً: تقسيم الأراضي السورية لكي لا تتمكن الدولة السورية من إيجاد جغرافية مناسبة لدعم أي مشروع مقاوم.

 

وبعد تلك الفوضى الخلاقة التي أكلت الأخضر واليابس هل تحتاج سوريا قيادة وجيشاً وشعباً على أن تبرهن او تفسر وقوفها مع غزة في محنتها اليوم؟

 

حتى أثناء الحرب، مالذي قدمته سوريا للمقاومة الفلسطينية؟

ذكر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة أهمية سوريا في محور المقاومة من خلال ما تقدمه من إمكانات قيمة رغم ظروفها الصعبة

 

ففي العام 2019 كشف لأول مرة بشكل واضح، أنّ أهم الصواريخ التي كانت تنزل على حيفا ووسط اسرائيل كانت صواريخ من الصناعة العسكرية السورية، وكذلك الأمر في قطاع غزة حيث كان “السلاح والصواريخ صناعة سورية”. وهذا الامر بدأ يتكشف أكثر فأكثر في معركة طوفان الأقصى.

 

كذلك طرح السيد نصر الله سؤالاً يوضح تضحيات سوريا حيث قال:” هل أوصل النظام السعودي أو المصري الصواريخ إلى غزّة؟ هذه القيادة السورية كانت تخاطر بمصالحها ووجودها لأجل أن تكون المقاومة في لبنان وفلسطين قوية. أظهروا لي نظاماً عربياً يفعل ذلك”. وتابع: “عندما كانت الأنظمة العربية تمنع الخبز والمال وجمع التبرعات لغزة كانت سوريا تُرسل السلاح مع الطعام إلى غزة، هذه سوريا بشار الأسد، سوريا الشهداء القادة آصف شوكت وداوود راجحة وحسن توركماني”.

 

وأشار إلى أمر بالغ في الأهمية حين لفت إلى أنه ممنوع في المنطقة أن يكون هناك جيش قوي، ولذلك دمّر الجيش العراقي ويحاولون اليوم تدمير الجيش السوري،” لأن المقبول في المنطقة بوليس فقط”.

 

أما عن الرئيس بشار الأسد فقد أثبت في معركة طوفان الأقصى أنه مازال ابن أبيه من خلال عدة خطوات:

 

أولاً: تجاوزه للخلافات مع حماس كرمى للهدف الأكبر الجامع وهو تحرير فلسطين، ووعيه الأكبر لأهمية وحدة الساحات المتعالية على كل اسباب التفرقة أو التشرذم الذي حاول العدو زرعها من خلال إبعاد حماس عن الحضن السوري.

 

ثانياً: كلمة الرئيس بشار الأسد أمام قمة الجامعة العربية الأخيرة والتي أثبتت أن سوريا لم تتغير وخصوصاً حينما أوضح أن القضية فلسطين ككل وليست فقط غزة ليرسل للعدو الإسرائيلي رسالته بأن سوريا لم تتخلى عن هدف تحرير فلسطين.

 

ثالثاً: لقد غامرت سوريا بسمعتها أمام شبهات المبطلين، حين حاولت الدول المعادية ترويج شائعات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية للضغط على سوريا بهدف منعها من إدخال السلاح إلى الفلسطينيين ليدافعوا عن أنفسهم أمام إجرام العدو الإسرائيلي الذي تخطى كل الحدود، ولم تخرج سوريا لتدافع عن نفسها وتكشف أن الذي يهرب ليس مخدرات بل هو سلاح يعين الفلسطنيين على الدفاع عن نفسهم واستعادة حقوقهم وتحرير أرضهم.

 

رابعاً: رغم الظرف الحساس جداً لسوريا وتواجد المجموعات المسلحة والانفصالية المدعومة أمريكياً على أراضيها، ومحاولات تعافيها من الحرب الطاحنة التي يعيقها الحصار والعقوبات إلا أن ذلك لم يمنعها من المشاركة في معركة طوفان الأقصى سواء من خلال إيصال السلاح والصواريخ إلى غزة ولبنان، أو من خلال ضربات لمواقع إسرائيلية عبر الجولان أو من خلال تحمل أعباء توفير المكان والبيئة للعمل المقاوم على أراضيها والذي أثمر استهداف للقواعد الأمريكية بشكل مكثف وكسر هيبة الجلاد الأمريكي في المنطقة.

 

خامساً: لقد كشفت حركة المقاومة الإسلامية حماس وكذلك حركة الجهاد الإسلامي اكثر من مرة عن استخدامها صواريخ سورية سواء في معركة طوفان الأقصى أو معركة سيف القدس.

 

الخلاصة

 

سوريا التي مازالت تعمل في السلك المقاوم بصمت ربما هُضم حقها على بعض وسائل الإعلام ولكن ليس المهم أن يكون دور سوريا في وحدة الساحات جلياً على وسائل الإعلام لأن الكتمان يكون في بعض الأحيان من أهم عوامل نجاح الخطة العسكرية، وخصوصاً مع الظروف المحيطة بسوريا والمختلفة عن ظروف نظيراتها من أطراف المحور، ولكن المهم هو متانة الثقة لدى الشعب السوري وعموم شعوب المحور بدور سوريا وأهميته في مساندة غزة وفي ثباتها على مواقفها ومبادئها تجاه القضية الفلسطينة، فلا يستطيع العدو بأدواة الحرب النفسية أن يستغل النشاط السوري الهادئ ليوهم الوعي الشعبي الوطني والقومي بأن سوريا خرجت من السرب واتبعت مذهب النأي بالنفس.

 

 

وبناء عليه، فعلى الجميع أن يعلم أن كل شهيد ارتقى في الحرب السورية سواء كان عسكرياً أو مدنياً أو من القوات الرديفة والحلفاء والأصدقاء كان جسر عبور لغزة نحو ما تحققه اليوم من انتصارات تسحق بها لواء النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي “غولاني” ومن هو دونه.

وكذلك على الجميع أن يدرك أن كل مواطن سوري يصبر على عبء تردي الوضع المعيشي والضائقة الاقتصادية الصعبة فإنه يبذل التضحيات ثمن تمسكه بخياره المقاوم، وبينما تقف بعض الشعوب العربية عاجزة عن فعل أي شيء من أجل أطفال غزة، يرتاح ضمير الشعب السوري لأنه فعل الكثير ومازال صموده ورفضه تمرير المشاريع الأمريكية عبر بوابته صمام أمان لغزة وفلسطين وشعوب المنطقة ككل، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون.

(سيرياهوم نيوز ٣-منتدى الفكر السياسي والادبي)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...