لماذا نعتبر اتّفاق تبادل الأسرى اليمني السعودي إنجازًا قد يقود إلى التسوية الشاملة وإنهاء الحرب؟ وما هي الأسباب التي أدّت إليه؟ وما هي فُرصة الصّمود؟ وأين تكمن الأخطار التي تُهَدّده؟ وما هي الخطوة التالية؟

عبد الباري عطوان

احتفالات الشّعب اليمني الشّقيق بعيد الفطر وبركات شهر رمضان المُبارك بدأت مُبكّرًا هذا العام، بعد عودة مِئات الأسرى إلى أُسرهم وأطفالهم كثمرةٍ لمُفاوضاتٍ جديّةٍ بين حُكومة صنعاء ووفد سعودي برئاسة السيّد محمد آل جابر سفير المملكة لدى اليمن، وكانَ من أبرز الأسرى المُفرج عنهم السيّدين اللواء ركن محمود الصبيحي وزير الدّفاع الأسبق، واللواء ركن ناصر عبد ربه منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السّابق.

كان منظر هؤلاء الأسرى وهم يهبطون من الطّائرة التي أقلّتهم إلى مطار صنعاء، وصلاتهم على أرضه حمْدًا وشُكرًا لله، ودُموع بعضهم الصّادقة المُعبّرة بعد لقائهم مع بعض ذويهم، كانَ مَنظرًا مُعبّرًا، ومُؤثّرًا، ومُفعمًا بالفَرح والتّفاؤل في الوقتِ نفسه، في بلدٍ لم يعرف الفَرح طِوال ثماني سنواتٍ من الحرب.

السيّد محمد عبد السلام رئيس الوفد اليمني المُفاوض الذي كان في استقبال الأسرى العائدين ولعب دورًا كبيرًا في إنجاز هذا الاتّفاق وصف المُفاوضات بأنّها كانت “شائكةً و”مُتشابكةً”، وتناولت ملفّات إنسانيّة وعسكريّة، وجرى إحراز تقدّمٍ في بعضها، وما زالت هُناك ملفّات أُخرى، والوفد السعودي غادر صنعاء للمزيد من المُشاورات مع حُكومته”.

***

من الصّعب تحقيق النجاح في جميع الملفّات التي تتناول قضايا مُعقّدة لحربٍ استمرّت ثماني سنوات، وكانت حربًا إقليميّةً بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى لتَدخُل أطراف عديدة فيها، والمُهم أن عجلة المُفاوضات انطلقت، وبرغبةٍ قويّةٍ صادقةٍ من الطّرفين لإنجاحها، وطيّ صفحة هذه الحرب المُدمّرة ماديّا وبشريًّا، سفْكًا للدّماء، وإهدارًا لمِئات المِليارات.

الإفراج عن المِئات من أسرى الحرب من الجانبين، جاء خُطوةً إنسانيّةً عظيمةً، تُكرّس أرضيّةً ضروريّةً من الثقة، ربّما تقود إلى اتّفاقاتٍ أُخرى، واللّافت أن هذه المُفاوضات، والمُرونة التي عكستها من قبل الطّرفين المُتفاوضين، برعايةٍ وسيطٍ عُمانيّ مُحايدٍ وكتوم، وصاحب خبرة طويلة، ونوايا طيّبة، كانت عربيّةً أوّلًا بعيدًا عن الوُسطاء الدوليين، أو مُمثّلي الدّول العُظمى، وخاصّةً الولايات المتحدة وبريطانيا، ممّا أدّى إلى تحقيق هذا الإنجاز الكبير، فهؤلاء الوُسطاء الذين بذرت دُولهم بُذور هذه الحرب تحت عناوين الديمقراطيّة الكاذبة، هُم الذين أطالوا عُمرها طِوال السّنوات الماضية، انتقامًا من الشّعب اليمنيّ وإرثه الوطنيّ والحضاريّ العريق.

مصادر يمنيّة قريبة جدًّا من المُفاوضات مُنذ بدايتها، أكّدت أن الأيّام القليلة المُقبلة ربّما تشهد إعلانًا مُفرحًا بالتوصّل إلى هدنة طويلة مدروسة لمُدّة ستّة أشهُر، وربّما قبل عُطلة عيد الفطر المُبارك، تتلوها مُفاوضات لثلاثة أشهر حول كيفيّة إدارة المرحلة الانتقاليّة التي من المُتوقّع أن تستمرّ لعامين يتمّ خِلالها التّفاوض على الحلّ النهائيّ.

التدرّج المرحلي خطوة ذكيّة من الجانبين، وباقتراح بعيد النظر من الوسيط لتكريس التطبيع والثقة المُتدرّجة بين الجانبين، وعلى أساس مبدأ مُعالجة جميع القضايا الشّائكة بالحِوار، والنفس الطويل، وتثبيت وقف القتال، والعمل على عودة الحياة إلى طبيعتها بشَكلٍ مُتسارع، ورفع الحِصار، وعودة مطار صنعاء وميناء الحديديّة إلى العمل بطاقتهما الكاملة، واستكمال مِلف الأسرى.

***

نشعر بسعادةٍ غامرة، نحن الذين وقفنا مُنذ اليوم الأوّل في خندق الحِوار، وعارضنا الحرب، لانعكاساتها المُدمّرة والمُكلفة على طرفيها، وإن بنسبٍ مُتفاوتة، وتعرّضنا للكثير بسبب هذا الموقف، وما زلنا نأمل أن يعود الأمن والسّلام الشّامل للجميع، ووقوف المملكة العربيّة السعوديّة إلى جانب الشّقيق اليمني، وتقديم كُل المُساعدات الماليّة له، لتعويض سنوات الحرب العِجاف المُؤلمة، وتخفيف مُعاناته، والاستِثمار في إعادة بناء مُؤسّساته وبُناه التحتيّة، وتحقيق المُصالحة الشّاملة والجديّة بين جميع مُكوّناته السياسيّة والقبليّة.

إنها بدايةٌ جيّدة ومُطمئنة، وما تحقّق إنجازٌ كبير لا يجب التّقليل من أهميّته، يتطلّب عمل الجميع من كُل الأطراف لحِمايته من مُؤامراتِ القِوى الخارجيّة، وبعض الداخليّة التي لا تُريد الأمن والاستِقرار للجانبين من خِلال التّرويج للفِتنة وصبّ الزّيت على نارِ الخِلافات والانقِسامات الطائفيّة والقبليّة المُفتَعلة والخبيثة.

حمى الله اليمن وشعبه وأمنه واستِقراره، وتُرابه الوطنيّ، الذي وقف دائمًا في خندق العُروبة والإسلام وقضاياهما العادلة وعلى رأسها القضيّة الفِلسطينيّة، وتهنئة من القلب على هذا الاختِراق الإنسانيّ الكبير.

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم