الرئيسية » تربية أخلاقية وأفعال خيرية » صالح عوض: عمالقة الإسلام الثلاثة.. كيف حصنوا الدولة وحافظوا على رسالتها

صالح عوض: عمالقة الإسلام الثلاثة.. كيف حصنوا الدولة وحافظوا على رسالتها

أبوبكر الصديق وعمر الفاروق وإمام الهدى علي .. عمالقة الإسلام الثلاثة، بناة الدولة العظيمة المتكاملين بعيدا عن الدخول في المسائل الشخصية التي تجاوزوها إلى ما هو كبير وعظيم.. فكان أن تحققت أهدافهم في إبراز كيان سياسي اجتماعي حافظ إلى أقصى حد على رسالته وهويته..

بداية يجب أن ييأس أصحاب التحزّبات والعصبيات من أن يخضع هذا المقال لما يبثونه من روح التنافر والشحناء بين الجيل الذي تربى على يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.. ويجب ان لا يطلّ علي البعض مستشهدا بأقوال ومأثورات حول مكانة بعض الصحابة وترتيبها، ذلك لأنني هنا اتجه نحو قراءة إستراتيجية وسياسية لحركية الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم ولا أتحدث عن مناقب لأحدهم من قبل السرديات في التراجم فهذا ليس هو شأني.. أنا أحاول التقاط عناصر الصمود والاستمرارية في حركية تلك المرحلة التأسيسية ومن يمثلها وبلاشك فان لكل صحابي دوره ووزنه وهناك مئات من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأهل بدر لكل منهم وزنه وقيمته العليا.. لكن المقصود هنا ليس ترجمة للأشخاص الكبار إنما ذكر العناصر الكبيرة التي جعلت من الخلافة خلافة راشدة.

أبوبكر الصديق وتثبيت النظام الاقتصادي:

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم تسلم أبو بكر الصديق دفة الحكم واستطاع المسلمون ان يتوحدوا ويتجاوزا تأويلاتهم الخاصة ويسكتوا أفواه المنافقين والمشككين ولقد كان لوجود هؤلاء الرجال الثلاثة الفضل في حسم الموقف للتفرغ لمهمات مستعجلة خطرة.. وان يسلموا بحكم أبي بكر مادام في ذلك سلامة الدين.. وهنا وقف أبو بكر ليذيع على الناس خطبة التولية محددا معالم مؤهلات وشروط البيعة للحاكم وانه  ان لم يكن بالضرورة ان يكون الحاكم هو الأفضل الا انه ملزم بإنفاذ شرع الله وان لا طاعة له ان خرج عن ما تعارف عليه المسلمون في دينهم.. كانت هذه نقطة انطلاق لجهود كبار الصحابة في غياب شخص الرسول صلى الله عليه واله وسلم.. فرتبوا أمرهم وسلموا لمعطيات المرحلة ووسعهم ان يسلموا لابي بكر بالخلافة.

ارتدت قبائل وجهات عديدة في الجزيرة العربية عن النظام الاقتصادي الإسلامي الزكاة بأنواعها وخلعوا من أعناقهم بيعة الولاء والانتماء لدولة تمتد نحو أرجاء الجزيرة.. وتقدم أولئك بتفسيرات وتأويلات لتفريغ الإسلام من عناصر قوته كحركة وتفريغه من عناصر رؤيته كرسالة.. فكان ذلك احد أوجه الردة وكانت هناك أوجه أخرى كبروز أدعياء للنبوة والتشكيك في حقيقة ان الرسالات السماوية انتهى اجلها وتحركت زعامات قبائل لنصرة الأدعياء لانتزاع المجد من قريش والحجاز فاختلقوا كلاما يحاكون فيها كلام القران ليقنعوا به عوام الناس..

لقد كانت الردة في بعدها العقائدي والاقتصادي قوية عنيفة مزودة بالجهل والأحقاد والحسابات الأنانية ولم تقف الردة عند حدود الموقف بل بدأ تجهيز المقاتلين والشعراء وحشد القبائل للانقضاض على مدينة رسول الله للقضاء على الكيان السياسي الاجتماعي الوليد في بلاد العرب.

وكان ارتقاء الصحابة إلى الإحساس ببالغ أهمية الموقف قادرا ان يحررهم من القيل والقال والجدال مهما كان مهما ومهما بلغت أهمية القصص التي يتم تواردها وترديدها وترك المآل لبذل مزيد من الجهد نحو حماية الأمة الوليدة وحفظ كرامتها وصيانتها..

هنا كان أبوبكر .. ومن هو أبوبكر ؟ هو أول الرجال الذين أمنوا بالرسالة يوم كان الإيمان يكفي لكي تواجهه قريش بكل صلف قادتها وعدوانهم وهو من وضع كل إمكاناته المادية تحت تصرف الرسول في أصعب الظروف وهو المصدق به في كل منعطف تاريخي كالإسراء وهو أقرب الصحابة إليه والى قلبه وهو رفيقه في الهجرة حيث رفض الرسول ان يكون سواه رفيقا له.. أبوبكر الصديق صاحب رسول الله تحرك بكل إيمانه ورؤيته واستشعاره لروح الرسول في الموقف فاصدر قراره بضرورة التعبئة ومواجهة المرتدين وإرجاعهم الى جادة الصواب مهما كانت المعركة خطيرة لان هناك ما هو اخطر من المواجهة انه بلاشك انهيار الرسالة بالاستسلام أو التنازل عن بعضها.. كان أبوبكر رجل يمثل أمة ورسالة فجعل ظهره مسنودا الى حقائق ان الرجال هم من يدافعون عن إيمانهم ورسالتهم ومن والاهم.

تصدى أبوبكر للردة بحزم وقوة وحسم ما ظنه كثير من الناس مستحيلا ان يحسم بهذه القوة .. فهو قد أدرك ان الكيان السياسي الاجتماعي سيكون بلا قوة ان هو فرط ببعد أساسي من أبعاد الإسلام كالزكاة والصدقات.. فكان تحركه الحاسم الحازم أنما هو لكي يؤكد على عناصر رسالة الإسلام وحتمية بقاء دولتها.. ويحق لنا ان نقول انه لولا موقف ابي بكر التاريخي في مواجهة الردة لضاعت الرسالة ودولتها.

عمر الفاروق باني المؤسسات:

بلا شك ظهر عهد عمر كأروع تجليات حركة الرسالة وإبراز قيمة حرية الناس وإسقاط محاولات آخرين لاستعبادهم.. هنا كان عمر المجتهد والمؤسس في إرساء المؤسسات والدواوين ووضع القوانين والتشريعات انطلاقا من شرع الله وفهما لجوهر الرسالة.. وكيف لا يكون عمر هكذا وهو من السابقين في الإسلام وشهود المواقع كلها المتحلي بقيم النزاهة والحزم وتوخي العدل والمدافع عن الرسالة بقوة يقينه في مرحلة الاستضعاف.

كان أمام عمر انهاء السيطرة الرومانية على بلاد الشام  إنهاء سيطرة الإمبراطورية الفارسية على العراق.. كان واضحا أمام عمر أن الكيان السياسي الوليد لازال في دائرة الخطر.. فان كان المسلمون في عهد ابي بكر انتصروا على المرتدين الذين سقطوا إلى الأبد.. إلا أن هذا لا يبعث على الطمأنينة لاسيما وقد تعود الروم والفرس على العدوان وتوسيع دائرة النفوذ في بلاد العرب لحساباتهم التوسعية وهم يرون في هذا الدين نقيضا لمصالحهم وعقائدهم كما انهم لن يقبلوا بالتطورات الحاصلة في جزيرة العرب وبروز قوة اجتماعية سياسية عقائدية تحمل مفاهيم مختلفة وقيما جديدة في السياسة والمجتمع وعلى الصعيد الشخصي..

فتوجه عمر الفاروق نحو الداخل ليتابع تطور المجتمع ويضع له التشريعات ويراقب تنفيذها في شتى الميادين ورفع مستوى انتماء الناس للكيان الجديد وتعزيز روح النقد والتصحيح، ونحو الخارج لتقوية جيوش الفتح والوصول الى نتيجة مذهلة وهي اسقاط امبراطوريتين في ان واحد الامبراطورية الفارسية والامبراطورية البيزنطية.

لقد كان الحسم في انفاذ التشريعات داخليا داعيا الى الاستقرار والطمأنينة المجتمعية كما أن التصدي لطغيان الاشخاص والفئات انتج في مرحلة عمر مفهوم الحق يعلو ولا يعلى.. ولقد اصبحت قوة القانون سمة اصيلة في مرحلة عمر تماما كما تجلت توجيهاته الاستراتيجية في حركة جيوش الفتح.

فكانت جهود ابن الخطاب بمثابة التثبيت للكيان السياسي الاجتماعي الوليد وتحويله الى دولة لا تزول بزوال الرجال وكان لحزمه وتفتح عقله الدور البارز في تثبيت قوانين تعالج المستجدات في حياة الناس وتمتع في هذا المستوى بروحية متفتحة على جديد التحديات.. فكان النصر في زمنه ليس فقط فتحا على الجبهات الخارجية وإنما إرساء لمعالم الأمة ومؤسساتها وترسيخ لقيمها وقوانينها.

علي إمام الهدى وتصويب الخلافة:

لقد قام الإمام علي بما ينبغي عليه على اتم وجه.. كيف لا وهو اخ الرسول وأول من امن به بعد خديجة؟ وهو بوابة مدينة العلم والقاضي الألمعي الفقيه الأديب الحكيم الفارس، وصاحب بطولة بدر وخيبر والحائز على جائرة الرسول العظمى بزواجه من فاطمة الزهراء.. فلئن تقدم أبوبكر وعمر للخلافة فهو كان بلاشك إمام الخلافة لا ينكر عليه أحد ذلك ليس فقط بجلوسه لمقعد قيادة القضاء ورفع شأن القانون والتشريع، أو لتفتق عبقريته عن طرائق تفكير وحلول مدهشة.. إنما أيضا في التأسيس للموقف الشخصي فهو رغم ما استقر في ذهنه بأنه الأولى بالتنصيب خليفة إلا انه لم يتوقف عند هذا كثيرا لأنه يدرك أن ما هو موكل له اكبر من منصب الخليفة انه الأمين على الخلافة والرسالة والناصح والمرشد والموجه.. وهو كان أمينا لموقفه ولما هو موكل إليه..

ليس فقط مقالات الفاروق عمر عن علاقته بعلي إثناء خلافة علي إنما وهذا الأكثر أهمية ان عليا كان هو صاحب القرارات الحاسمة في تاريخ الخلافة ومواجهتها لأعدائها في الخارج كما كان بالضبط يصحح إيقاعها الداخلي. .. وليس أكثر وضوحا من موقفه المتفرد في طريقة فتح القدس الذي خالف راي الجميع ونزلت الخلافة عند رأيه.

تتحرك الخلافة بقيادة الخليفة و الإمام علي يراقب ويقوي ويصحح ويعترض على الموقف الذي يرى فيه تجاوزا او خطرا فتنزل الخلافة عند رأيه  وهكذا كان علي إمام الخلفاء وصاحب الدور المركزي في تقوية الخلافة وتعزيزها وهذا دور رئيس في بناء الخلافة.

وكانت الخلافة لاسيما في عهد الفاروق عمر تلتفت بكل انتباه إلى توجيهات الإمام علي وتصويباته وإشاراته وكما قال عمر:” اللهم لا تجعلني في بلد ليس فيها ابو الحسن” وللفارق عمر عشرات المقولات التي تؤكد مكانة علي في حماية المسيرة وحفظ الدولة.. فكانت العلاقة بين الكبيرين الإمام والخليفة متكاملة في صناعة أرقى نموذج سياسي اجتماعي إنساني عبر التاريخ البشري.

وفي عهد الخليفة الثالث عثمان ذي النورين لاسيما الجزء الأخير منها عندما بدأت تسعى المساعي لتقويض النظام السياسي الإسلامي وقف الإمام علي بقوة مدافعا عن الخليفة وناصحا له ومحددا الموقف المطلوب لتجنب الفتنة.. أقام الإمام علي شهادته على المرحلة وشخّص علاتها ونصح ولكن الخرق أوسع من الرتق ولم يتخل لحظة عن الدفاع عن الخليفة والخلافة.. إلا أن انتشار الفوضى بلغ ذروته وكان مقتل الخليفة إيذانا بحدوث الفوضى الواسعة واختلاط المفاهيم والنوايا وأصبحت الأمة كلها في معرض التهديد والفناء.. هنا تعرض الإمام للخلافة وامسك بلوائها وتقدم بحزم وقوة مدافعا عن معايير الخلافة الراشدة أي النظام السياسي الإسلامي وتصدى لكل محاولات التمرد السياسي أو تجاوز صلاحيات الخلافة بحزم وقوة كما سبقه الخليفة أبوبكر في التصدي للممتنعين عن الزكاة.

لقد كان علي إماما في الخلافة الراشدة وكان الإمام خليفة راشدا دافع عن هيبة الخلافة ووحدة الأمة ونظامها السياسي و مؤسسات الحكم في النظام السياسي حيث أهل الحل والعقد الذين كانوا تحت قيادته وهم أهل بدر وبقية المهاجرين والأنصار..

أبوبكر وعمر وعلي.. ثلاثة يتقدمون الكبار جميعا في بناء المؤسسات و تحصين النظام والكيان والأمة.. حزما ووضوحا ورشدا، وتميز الثلاثة بالحزم والقوة والنفاذية وعدم التفريط بعناصر النظام ومؤسسات الكيان الوليد..

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

20 طناً من الألبسة شحنة مساعدات من الجالية السورية في بلغاريا لمتضرري الزلزال 

      ربا احمد   بحمولة 20 طناً من الألبسة الجاهزة وصلت صباح اليوم إلى مرفأ طرطوس شحنة من المساعدات لمتضرري الزلزال من جمهورية ...