هل اقتنع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، أو تخلّى (هكذا يبدو) عن إصراره على تخفيض أسعار الفائدة، والتدخّل بقرارات البنك المركزي التركي، فسياساته الشخصيّة الاقتصاديّة السابقة قبل فوزه بولاية رئاسيّة ثالثة جديدة لخمس سنوات (يُفترض أن تكون الأخيرة)، يبدو أنها لم تنجح في كبْح التضخّم (وإن انخفض قليلاً وصل 39 بالمئة)، والسيطرة على تراجع قيمة الليرة التركيّة المُستمرّة في الانخفاض.
يُعوّل الرئيس التركي وهو يتخلّى عن سياساته الماليّة، على وزير الماليّة الجديد في حكومته الجديدة محمد شيمشك، حيث أكّد الأخير على ثقته بتحقيق الازدهار والاستقرار الاقتصادي، رغم إقراره بصُعوبة الوضع في رسالة وجّهها للشعب التركي قال فيها: “رغم عدم وجود طُرُق مُختصرة أو حُلول سريعة، يمكنكم الاطمئنان بأن خبرتنا ومعرفتنا وتفانينا، ستساعدنا في التغلب على العقبات المُحتملة في المستقبل”.
ويبدو أن شيمشك يثق بأنه لن يجري التدخّل بقراراته، أو منعه من رفع أسعار الفائدة، فقد اشترط قبل التحاقه بالحكومة التركيّة الجديدة، عدم التدخّل، وبدأ فعليّاً بقرار وقف بيع العملات الأجنبيّة بشكل كبير، ما أدّى إلى بدء تدفّق النقد الأجنبي، الخطوة التي من المُفترض أن تهبط بالدولار أمام الليرة التركيّة.
ومُنذ فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة، شهدت الليرة التركيّة، مع تشكيل الحكومة الجديدة انخفاضًا في قيمتها أمام العملات الأجنبيّة، وخسرت نحو 7.5 بالمئة من قيمتها حيث تراجعت إلى 23.50 مقابل الدولار.
كما انخفض صافي احتياطيات البنك المركزي بنحو 1.3 مليار دولار في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى مسجل منذ بدء نشر البيانات في 2002.
وفي مُوازاة تعيين شيمشك وزيرًا للخزانة والماليّة، حيث يُعزّز الأخير ثقة الاستثمارات الخارجيّة بالسوق التركي، ووصفه بأنه محبوب الأسواق، كان لافتاً اختيار الرئيس أردوغان لحفيظة غاية أركان، رئيسةً للبنك للمركزي التركي، وهي أوّل سيّدة تتقلّد المنصب وعُمر صغير (41 عاماً) وحاصلة على درجة الدكتوراه في الهندسة الماليّة، ويُمكن لوزير الماليّة الجديد التعويل عليها في إسناد قراراته، ويتردّد أنه هو من طلب تعيينها.
وكان الرئيس أردوغان الموصوف بأنه عدو رفع أسعار الفائدة، وإصراره على مُواصلة تخفيضها، تسبّب في إقالة 3 مُحافظين للبنك المركزي، خلال عامين ونصف العام، وليأتي بعدهم شهاب قافجي أوغلو الذي تولّى منصبه العام 2021، وحقّق رغبات الرئيس أردوغان في خفض أسعار الفائدة، وهو رابع شخص يتولّى منصب رئيس المركزي التركي في نحو 4 سنوات، لتحل مكانه وهي الخامسة ترتيباً حفيظة أركان.
وطالما هاجم الرئيس أردوغان الفوائد الربويّة واعتبرها استعمارًا لاقتصاد البلاد، مُؤكّدًا إن “سياسة الفوائد لا يُمكنها أن تدعم التنمية الاقتصاديّة، وإنما هي استعمار لاقتصادنا، وأنا لا أوافق عليها”، ما يطرح تساؤلات حول تبديل قناعاته الماليّة والدينيّة حولها، والقبول برفعها أملاً في إنقاذ اقتصاد بلاده الذي يئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار، والتضخّم، وانخفاض الليرة أمام الدولار.
ومع إصرار الرئيس أردوغان على الاصطدام والتدخّل بقرارات رؤساء البنك المركزي المُتوالين على المنصب، ترتّب على ذلك إقالتهم لإصراره على خفض أسعار الفائدة، فيما تسبّب محافظ البنك المركزي الأخير قافجي أوغلو الذي قاد حملة لخفض أسعار الفائدة، بعاصفة ضربت الليرة التركيّة، وأزمة اقتصاديّة لا تزال مُستمرّة، ووصل التضخّم إلى أعلى مُستوى في 24 عاماً، ووصل إلى 85 بالمئة العام الماضي، واضطرّت الحكومة للتدخّل في أسواق العملات الأجنبيّة، للحفاظ على استقرار الليرة.
وأكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهته في أوّل اجتماع مع حكومته الجديدة، أن حكومته تنوي القضاء على مشكلة ارتفاع الأسعار الناجم عن التضخم، مؤكدا عزم الحكومة على خفض التضخم إلى خانة الآحاد مجددًا مثلما جرى في الماضي في عهد حكومات “العدالة والتنمية” السابقة، فيما وصل التضخّم حاليّاً نحو 39 بالمئة، ومع زيادة الأجور بنسبة 45 بالمئة.
وتُطرح تساؤلات حول أسباب استمرار تراجع الليرة التركيّة، رغم انتهاء موسم الانتخابات، وحدوث حالة تفاؤل مع تعيين “الموثوقة” حفيظة أركان على رأس البنك المركزي، ومحبوب الأسواق وزير الماليّة محمد شيمشك، فيما تُحذّر أصوات مُوالية للحزب الحاكم، من أن تركيا تتعرّض لمُؤامرة خارجيّة لتلجأ لصندوق النقد الدولي مجددًا بعد إغلاق ديونها، والدخول في مُستنقع تعليماته، فيما يقول آخرون بأن سياسات أردوغان الماليّة القائمة، لن تشهد تغييرًا ملموساً، ولن يسمح تماماً لوزير الماليّة الجديد، ومحافظة البنك المركزي الجديدة العمل باستقلاليّة تامّة، ولكن بكُل الأحوال لا بد من إعطاء الفرصة لتقييم عمل الثنائي المالي الجديد.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم