آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » هل يريد ملوك الطوائف الجدد تسليم غزة كما فعل أسلافهم بالأندلس؟

هل يريد ملوك الطوائف الجدد تسليم غزة كما فعل أسلافهم بالأندلس؟

د. حرزالله محمد لخضر

الناظر في مواقف بعض الأنظمة العربية إزاء ما يحدث في غزة يعتريه شعور بأن هؤلاء الحكام ليسوا من بني جلدتنا ولا ينتمون إلى أمتنا، بل ليسوا من بني البشر أصلا، وأنت ترى كيف يتنكرون لأي رابطة إيمانية أو قومية أو إنسانية تجاه أبناء غزة، فيقطعون عنهم الماء والدواء والغذاء بدعوى الترتيبات الأمنية والضغوطات الدولية والإقليمية؟!

إننا نشهد في هذه الأحقاب المتأخرة صنفا جديدا من الحاكمين في البلاد العربية، الذين أبوا إلا أن يتقمصوا دور ملوك الطوائف الذين أجهزوا على الأندلس وهي في زهرة شبابها، فقدموا مدنها الواحدة تلو الأخرى بعد أن دبت فيهم الخيانات واستحكمت بينهم العداوات، وها هم اليوم يعودون وبكل صفاقة ودون أن يتعلموا من روادع التاريخ ولا من عبره، فيَوَدُّون لو أن غزة تُسَلَّمُ للمحتل الغاشم بعد أن شاركوه الحصار والتطويق، ويودُّون لو يرون دباباته تجوب القطاع كما فعلوا ليلة سقوط بغداد. لأن غزة بمقاومتها الضروس فضحت أكاذيب الوهم العربي وعرَّت خيانات أنظمة التطبيع وبائعي الكلام للقضية المركزية للأمة، وإننا لنتساءل بعد كل هذا: هل يملك هؤلاء ذات الدم والقلب الذي يملكه الجنس البشري؟

 لقد تجرد هؤلاء من الإنسانية والمروءة والدين والأنفة، بل ومن نخوة الجاهلية، واختاروا لأنفسهم أقبح ركن في التاريخ، ذلك الذي يجمعهم بأولائك الملوك الملاعين الذين اقتسموا شبه الجزيرة الأيبيرية بعد أن جعل منها العظماء جنة زاخرة بالحضارة والعمارة والبراعة، فحولها بَاعَةُ الدين والعرض والأرض إلى نهزة لكل سارق، وغنيمة لكل مارق، ومرتعا للصعاليك المفلسين.

ومن عيون ذلك البؤس الذي نجد صداه في المواقف التآمرية لبعض الأنظمة العربية اليوم، لاسيما تلك التي تلطخت بقذارة التطبيع، أن ألفونسو ملك الإسبان قال لرسول ابن عباد لما جاء يتوسله:”كيف أترك قوما مجانين(يقصد ملوك الطوائف) تَسَّمى كل واحد منهم باسم خلفائهم وملوكهم وأمرائهم؛ المعتضد والمعتمد والمعتصم والمتوكل والمستعين والمقتدر والأمين والمأمون، وكل واحد منهم لا يَسُلُّ في الذب عن نفسه سيفا، ولا يرفع عن رعيته ضيما ولا حيفا، قد أظهروا الفسوق والعصيان واعتكفوا على المغاني والعيدان؟”

نعم تلكم هي الحالة التي وصل إليها حكام الأندلس بعد أن جثم الوهن والهوان على نفوسهم، فاستأسدوا على بني أمتهم، واسْتَنْسَروا على بعضهم البعض، وجعلوا من أنفسهم أضحوكة أمام الأعداء، ولقمة سائغة تلوكها أنياب السفهاء، وهو حال أغلب البلاد العربية اليوم مع ملوك الطوائف الجدد الذين باعوا فلسطين والقدس والأقصى تحت صفقات التطبيع ومعاهدات أبراهام، وفجأة أصبحوا يتسابقون في بذل ولائهم لعصابات الصهاينة، ولو على حساب مصلحتهم الوطنية ناهيك عن مصلحة الأمة وفلسطين، وفي مثل هذا الحال يصف ابن حزم الأندلسي رحمه الله شدة حرص ملوك الطوائف على عروشهم وشَرَهِهِم على الملك والرئاسة فيقول:”والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية لأمورهم بادروا إليهم، فنحن نراهم يستمدون النصارى، فيمكنوهم من حُرَم المسلمين وأبنائهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعا، فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس.”

فما أشبه اليوم بالبارحة؛ ونحن نشهد هذا الصمت المطبق من الحكام المتغطرسين الذين غصبوا السلطة وحكموا شعوبهم قهرا وقسرا، وزوجوا بمعارضيهم في السجون وقتلوهم وشردوا أهاليهم، إزاء قضم الأراضي الفلسطينية باسم المستوطنات، وهتك حرمة المسجد الأقصى أولى القبلتين ومعراج المصطفى، والانتهاكات اليومية لحرمات الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وأمام ما يحدث في غزة من نحرٍ فاضح للإنسانية ووأدٍ لجميع القيم والأعراف والأخلاق التي أجمعت عليها الشرائع السماوية والقوانين الدولية، وأطبقت عليها الفطرة والمنطق والطبيعة الإنسانية، ورغم كل ذلك فإن هذا الصنف المتحكم في بلاد العرب لا يرف لهم جفن ولا نرى منهم أي موقف صارم، ولا تحرك فوري جاد وحازم، بل لا نسمع منهم حتى تلك الخطابات العنترية التي لا يجيدونها سوى مع شعوبهم، كبارود فارغ في الهواء إثر فورة شعبوية عابرة.

ومن النكد أن تجد أمثال هؤلاء المستأسدين يقدمون التنازلات في حق سيادة شعوبهم، ويرضون بالذلة مقابل صفقات مادية أو استطالة في الحكم بعد ترضية القوى الدولية، فلا الشرف ولا السيادة ولا الوفاء ولا القيم، ولا حتى المنطق السياسي والكفاءة الدبلوماسية والتدبير الرشيد يجد إلى قاموسهم معنى، تماما كما كان عليه أضرابهم من ملوك الطوائف، إذ يحكى عن ابن رزين حسام الدولة صاحب شنتمرية أنه حمل الهدايا النفيسة وتوجه بها إلى الملك الإسباني ألفونسو ليهنئه على احتلاله لطليطلة! فجازاه ألفونسو بإعطائه قردا؛ احتقارا له، لكن حسام الدولة عَدَّ ذلك مفخرة له !

ومن المحزن أن تتناقل عدة جهات إعلامية وشخصيات فلسطينية أن دولا عربية طالبت الكيان المحتل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية بتصفية قادة المقاومة في غزة، وتواطأت مع العدو المباشر أو الأصيل(أمريكا) لتسهيل حركة ناقلات الطائرات وهبوط الطائرات المحملة بالأسلحة التي يُدمر بها أطفال ونساء غزة على مطاراتها، حتى يتم نقلها إلى الكيان الصهيوني، مواقف أقل ما يقال عنها أن تبعث على الإحساس بالدناءة والخزي والردة عن كل قيم الإسلام والمروءة وحكايات التضامن العربي!

وليس آخر هذه المشاهد المخزية من قيام المملكة العربية السعودية إبان هذا الألم العميق الذي يعتصر له فؤاد كل مسلم شريف، بل كل الإنسانية التي هبت في ربوع الأرض ضاجَّة متأوهة من هول مشاهد القتل والحرق والتنكيل، لتفتتح بلاد الحرمين موسم الرياض، وتستدعي له أهل الفن والرياضة والطرب، وتحيي لياليه بالرقص والغناء والعري والصخب؟ فإلى أي منحدر هوى هؤلاء الذين تجردوا من المروءة قبل الحديث عن الأخلاق والدين؟ أليس لهذا البلد جيشا من العلماء والدعاة والوعاظ؟ أين هو دورهم؟ أين هي آثار نصائحهم السرية للحكام؟ وإننا لنشاهد حكاما في غير البلاد التي هبط بها الوحي ووطأتها قدما الرسول المعظم وصحابته الأجلاء، لم تزل لهم بقية أنفة ومروءة منعتهم من النكاية والتصابي أمام مشاهد المجازر والدماء!

وهذا يذكرنا بحال كثير من الفقهاء الذين ساهموا في رسم مشهد النهاية في الأندلس بمعية ملوك الطوائف، وذلك حين نافقوا الأمراء والحكام وغضوا الطرف عن نصحهم، بل وشاركوهم في المنكرات، يقول ابن حزم في وصف هؤلاء العلماء: “ولا يغرنكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع، المزينون لأهل الشر شرهم، الناصرون لهم على فسقهم.” ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“ماذا تفعل إذا قمعونا؟”.. سؤال الإعتصامات الطلابية في أمريكا

وضعت اللجان المنظمة للاعتصامات في الجامعات الأمريكية ما وصفتهم مصادر “رأي اليوم” في واشنطن بخطة الاتجاه الموازي في حال تمكن سلطات الشرطة وإدارات الجامعات من ...