د. محمد باير طبيشات
منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية في غزة قبل أكثر من ستة أسابيع، كان لها هدفان رئيسيان: إطاحة حماس من السلطة في القطاع، وتحرير الرهائن الذين احتجزتهم حماس خلال هجومها المباغت في 7 تشرين الأول/اكتوبر. أحياناً، تبدو تلك أهداف الحرب الإسرائيلية متضاربة. فالقصف الجوي التي يستهدف تدمير شبكة أنفاق حماس تحت الأرض، على سبيل المثال، يعرض حياة الرهائن المحتجزين لخطر الموت في تلك الأنفاق نفسها.
والآن قد تواجه اسرائيل أكبر تناقض على الإطلاق في هذه الحرب. ففي 22 تشرين الثاني/نوفمبر، وبعد أسابيع من المفاوضات غير المباشرة، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على اتفاق يقضي بإطلاق سراح حماس 50 امرأة وطفلاً من بين نحو 240 رهينة محتجزين في غزة. والتزمت إسرائيل بوقف هجماتها مؤقتا. بعد انتهاء الهدنة ستواجه ضغوطا قوية لعدم استئنافها.
ويمكن أن يبدأ تبادل الأسرى في 23 تشرين الثاني/نوفمبر. وسيجري ذلك على مراحل على مدى أربعة أيام، بحيث تطلق «حماس» سراح حوالي عشرة أسرى كل ليلة. وسيتم إرسال الرهائن من غزة إلى مصر، ثم إعادتهم إلى إسرائيل. وستطلق إسرائيل سراح ثلاثة سجناء فلسطينيين (أيضا نساء وأطفال) من سجونها مقابل كل رهينة يتم إطلاق سراحها، والتزم الجانبان بتنفيذ شروط هدنة مدتها أربعة أيام هي مدة الاتفاق تسمح خلالها إسرائيل لـــِ 300 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية بدخول غزة يوميا خلال تلك الفترة – وفي ذلك زيادة هائلة إذا ما قورنت بالشهر الماضي حيث لم يزد المتوسط اليومي عن 45 شاحنة فقط. ورحب البيت الأبيض بالاتفاق وأكد الرئيس بايدن عليه على شكل تحذير حيث صرح أنه “من المهم تنفيذ جميع جوانب هذه الصفقة بالكامل”.
وأظهرت استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة أن الإسرائيليين منقسمون بشأن هذا المخطط. وأظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث، أن 45٪ من اليهود الإسرائيليين يعارضون تبادل الأسرى بينما يؤيده 40٪. وانتقد مشرعون يمينيون الاتفاق قبل وأثناء اجتماع مجلس الوزراء الذي تمت الموافقة عليه في وقت متأخر من الليل. ووصف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، ذلك بأنه “خطأ كبير جدا جدا”. وتريد حماس استغلال هذه الانقسامات ولذلك ستبقي عدد الرهائن المسرحين محدوداً من اجل ممارسة مزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
بدأت المفاوضات مباشرة تقريبا بعد عملية 7 أكتوبر الناجحة. وأدى الضغط الدبلوماسي على قطر، التي تستضيف بعض قيادات حماس، إلى اتفاقين مبكرين لإطلاق سراح أربع نساء (اثنان من ذوي الجنسية المزدوجة الإسرائيلية – الأمريكية). لم تتلق حماس شيئا في المقابل. وأظهرت تلك الصفقات أن قطر يمكن أن تكون بمثابة وسيط ضمن مجموعة الدول ذات التأثير.
لكن في 27 تشرين الأول/أكتوبر، وبعد أربعة أيام من إطلاق سراح المرأتين الثانيتين، شنت إسرائيل هجومها البري على غزة. وقد أعطى المفاوضات شكلاً جديداً. وأشارت «حماس» إلى أنها مستعدة لإطلاق سراح عدد أكبر من الرهائن، ولكن فقط مقابل وقف القتال. في تلك المرحلة أصبح الأمر مسألة أرقام، مع تمنُّع إسرائيل عن تعليق الحرب إلا مقابل 100 أسير على الأقل. وأشار مسؤولو حماس في قطر ولبنان إلى اتفاقٍ مبدئي. لكن سرعان ما أصبح واضحاً أن يحيى السنوار، زعيم حماس المقيم في غزة، لم يكن مستعدا لقبول هذا الصفقة. ولم يرد على جرس الهاتف لعدة أيام.
كما انقسمت حكومة الحرب الإسرائيلية. وأعرب بعض الأعضاء عن رغبتهم في مواصلة التفاوض والمطالبة بعدد أقل؛ واعتقد آخرون أن على إسرائيل أن تمضي قدماً في هجومها البري وأن تنتظر من حماس أن تتنازل عن مطالبها. فشل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، في الاقتراب او الوصول إلى أي من جانبي النقاش. لقد تطلب الأمر تحريضاً من كل من عائلات الرهائن ومن إدارة بايدن لإقناع إسرائيل بقبول صفقة مصغرة.
وبموجب شروط الاتفاق، لدى حماس أيضا خيار عرض إطلاق سراح المزيد من الرهائن في نهاية فترة الأيام الأربعة. كل عشرة أسرى إضافيين يطلقون سراحهم سيكونون ثمناً لـِ 24 ساعة تمديداً للهدنة. الخوف في إسرائيل هو أن هذا سيعطي السنوار بعض السيطرة على الأحداث. دعونا نتذكر أن الجيش الإسرائيلي أرسل أربع فرق، بواقع 10,000 جندي أو أكثر، إلى شمال غزة لتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس وتوقيت الهدنة يعني أنهم لم ينجزوا هدفهم بعد. والأهم من ذلك، أن الجيش لم يبدأ بعد حملةً في جنوب غزة، حيث تعتقد إسرائيل أن قادة حماس – إلى جانب جميع سكان غزة تقريبا – قد لجأوا فراراً من نيرانها الحرب.
وستمنح هذه الهدنة مقاتلي حماس، وكثير منهم مختبئون في الأنفاق، فرصة لإعادة تجميع صفوفهم وتجديد إمداداتهم. وستواجه إسرائيل أيضا ضغوطاً لتمديد الهدنة سواء من بعض الحلفاء الغربيين الذين يواجهون اضطرابات سياسية في الداخل أو من أقارب الرهائن الذين ما زالوا في الأسر. إن بضعة أيام من الهدوء يمكن أن تعطي العالم صورة أكثر تفصيلاً للكارثة الإنسانية في غزة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من الاحتجاجات في الساحة الدولية.
ومع ذلك، بالنسبة لإسرائيل، لا يزال كلا هدفي الحرب على حالهما: هدنة مؤقتة تهدف إلى تسهيل تبادل الأسرى لا تعني توقفاً دائماً للهجوم على حماس. “الحرب مستمرة، والحرب ستستمر حتى نحقق جميع أهدافنا”، قال نتنياهو قبل تصويت الحكومة. كما لا توجد مؤشرات على أن أمريكا ستضغط على إسرائيل للتوقف. الكثير من العالم متحد في الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار – ولكن باستثناء بايدن، الذي يجادل بأن توقف الهجمات سيترك حماس قادرة على تهديد إسرائيل من جديد.
وبالنسبة لحماس، فإن مجرد بقائها حيّةً وفاعلة يعنى نصراً. إنهم لا يحتاجون إلى هزيمة الجيش الإسرائيلي، كل ما عليهم هو الصمود حتى وقف إطلاق النار. هذه الحرب أكثر شراسة من أي حرب سبقتها. الرهائن هم أقوى أداة سلاح بيد حماس على رقبة إسرائيل، وسوف تستمر في استخدامهم من اجل ان تستفيد من التوتر والارتباك اللذان يميزان خطط الحرب الإسرائيلية وما من سبيل للتخلص منهما!
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم