إذا كانت هناك مهارة ذكاء عاطفي تُميِّز الفِرق المبدعة عن الفرق التي تتجنب المخاطر، فهي مهارات التعامل مع الآخرين. تشارك الفِرق ذات العلاقات الاجتماعية القوية في هذا النوع من تبادل العطاء المدروس الذي يثير الفضول والإبداع والنقاش الصحي، وتُعَدُّ التفاعلات اليومية الإيجابية اللبنات الأساسية للمشاركة المؤثرة والفعالة للأفكار.
سلَّطت “ليز فوسلين” (Liz Fosslien) في مقالها الذي جاء في الوقت المناسب “حان الوقت لإعادة إخضاع الجميع لممارسات الالتحاق بالمؤسسة” (It’s Time to Re-Onboard Everyone)، الضوء على مشكلة واجهتها مؤخراً. بصفتي كوتشاً في الذكاء العاطفي، أستمع للقادة الجدد والمثابرين، الذين يعانون من المشكلات نفسها: الحصول على المعرفة ومشاركتها في أثناء قيامهم بالتعامل مع علاقات العمل الهجينة التي يُشَكُّ في جدواها.
لقد أدت الجائحة إلى تقييد بيئة عمل الجميع. القادة المعينون في بداية الجائحة لم يلتقوا وجهاً لوجه مع فرقهم، ويشعر القادة المستمرون في أداء عملهم بعدم التواصل ويتساءلون عما إذا كانت جهودهم مثمرة.
مع زيادة انتشار متحورات فيروس كورونا، تقول “ليز فوسلين”: “لقد لاحظت عائقَين يزعزعان استقرار الموظفين: دوران العمالة غير المسبوق، والشك أو عدم اليقين. لقد ازداد عدد الأشخاص الذين يغيرون وظائفهم إلى مستويات قياسية فيما يسميه الخبراء “موجة الاستقالات العظيمة”.
قدَّمت “فوسلين” أفكاراً رائعة عدة يمكن للقادة استعمالها لتشجيع تماسك الفريق من خلال “إعادة التحاق” للجميع، وليس فقط الموظفين المُعيَّنين حديثاً. عندما قرأت مقالها، أدهشني أنَّ كل اقتراح مصمم للقضاء على الشك وتوتر العلاقة، مع تحسين التواصل والتفاهم المشترك.
أهمية العلاقات الاجتماعية في العمل:
تعزز العلاقات الاجتماعية القوية السعادة والرفاهية والشعور بالهدف في العمل. في المقابل، تعزز السعادة والرفاهية والهدف الدافع واحترام الذات والفاعلية الذاتية. عندما يشعر الموظفون بالثقة، فإنَّهم يمارسون سلوكاتٍ أكثر إفادة وعطاء؛ وهذا هو سبب أهمية “إعادة الالتحاق”.
إنَّ الفوائد النفسية لـ “الشعور الجيد نتيجة فعل الخير” تكون أكثر وضوحاً للمانح من المتلقي. عندما تكون العلاقات ضعيفة، ينحسر الانتباه في الأهداف الفردية المستقلة. على حد تعبير الكاتب الروماني “إيلي ويزل” (Elie Wiesel): “إنَّ خلاف الحب ليس الكراهية؛ إنَّه اللامبالاة”.
تؤدي القيادة دوراً هاماً في تشكيل هوية العمل وأولويات الأفراد في فريقهم. لا تنتظر حتى تنكسر العلاقات ثم تحاول إصلاحها. كونك قائداً، يمكن أن يعزز عملك المتسق من قيمة العلاقات والأهداف المشتركة.
العلاقات والدماغ:
أظهرت الدراسات التي أجراها الباحث في مجال السعادة “روبرت بيسواس دينر” (Robert Biswas-Diener) الفوائد القوية للروابط الاجتماعية؛ إذ توفر العلاقات الإيجابية معنىً مشتركاً ومشاعر الأمان وتقلل من التوتر. وجد “مشروع أرسطو الذي أجراه باحثو جوجل” (Google’s Aristotle Project) الفكرة نفسها؛ السلامة النفسية هي محرك الأداء الرئيس لنجاح الفريق. على حد تعبير باحثي “غوغل” (Google): “الكل أكبر من مجموع الأجزاء”.
مع أنَّه قد يكون لدينا القليل من القواسم المشتركة مع أسلافنا القدماء، إلا أنَّ دماغنا يعمل كما لو أنَّنا ما زلنا نسكن في الكهوف، ونواجه خطر النمور. إنَّه يدفعنا إلى تكوين روابط وثيقة للحفاظ على سلامتنا، وممارسة التعاطف للحفاظ على قوة الروابط الاجتماعية وضمان عدم طردنا من الكهف، واكتساب مهارات جديدة، والتعلم والنمو حتى نتمكَّن من التكيف مع البيئة المتغيرة ونزدهر في عالم مُحاطٍ بالشكوك.
يُعَدُّ تكوين علاقات وثيقة من أفضل الطرائق للتعلم والنمو. عندما نمارس مهارات التعامل مع الآخرين، فإنَّنا نكتسب المعرفة المتبادلة، ونبقى منفتحين على الأفكار الجديدة، نتبادل الاحترام، ونوسع وجهات نظرنا.
يمكن للعلاقات الإيجابية أن تهدِّئ دماغنا العاطفي التفاعلي والمرهق، وتساعدنا على فهم مركز التعلم العالي في دماغنا؛ حيث تنشأ البصيرة والابتكار. تبدو الحاجة إلى البقاء والازدهار من خلال العلاقات أمراً صعباً في أدمغتنا.
اكتشف الباحثون أنَّ مناطق معينة من الدماغ تُنشَّط عندما نفكر في أنفسنا بدلاً من التفكير في الآخرين، ومع ذلك، عندما نفكر في الأشخاص القريبين منا، تُنشَّط منطقة الدماغ المرتبطة بالذات نفسها.
لم يحدث هذا عندما سمع الناس اسم شخص لم يكونوا قريبين منه. عندما نشكل علاقات ذات مغزى، فإنَّنا نشارك المصالح والقيم. يتسع إحساسنا بالذات ليشمل أشخاصاً آخرين في هويتنا. عندما نشكِّل روابط وثيقة، فإنَّ العلاقة تنطبع في دماغنا، ويُعاد تشكيله، مضيفاً روابط عصبية جديدة لتشمل الأشخاص الأكثر أهمية بالنسبة إلينا.
هذا لا يعني أنَّه عليك أن تكون الصديق الحميم مع كل شخص في العمل؛ بل يعني أنَّه كلما زاد عدد التفاعلات الاجتماعية الإيجابية التي يمكنك تجربتها، كنت أكثر انفتاحاً وابتكاراً، بالإضافة إلى تحسُّن صحتك وسعادتك في العمل.
الطاقة الإيجابية تثير علاقات إيجابية:
هذه بعض الصفات التي تعزز الطاقة الإيجابية اللازمة لبناء علاقات إيجابية:
1. الفضول:
اكتشف الباحثون أنَّ الفضول يعزز العلاقات المفيدة للطرفين. الأشخاص الذين يمارسون فضولهم يتعمقون في الاستكشاف ويطرحون الكثير من الأسئلة ويبدون اهتماماً كبيراً. هذا المستوى من الانتباه يجعل الشخص الآخر يشعر بأنَّه قريب ومرتبط بالشخص الذي يطرح الأسئلة.
تكمن استفادة الشخص الفضولي أيضاً في: التعبير عن أفكاره جيداً، والتفاعل مع الآخرين، وأن يبقى منفتحاً على كل ما هو جديد. وترتفع مستويات هرمونات “الأوكسيتوسين” (oxytocin) و”الدوبامين” (dopamine) محفزةً الطاقة والدافع.
2. الاهتمام بلغة الجسد حتى في أثناء الاجتماعات الافتراضية:
لقد وجدت الدراسات أنَّه عندما يحاول الناس إيصال رسالة، يُنقَل 7% فقط من معانيها عن طريق الكلمات، أما الباقي ينتقل عن طريق لغة الجسد وتعبيرات الوجه ونبرة الصوت. إذا كنت غير متأكد مما إذا كان تواصلك جيداً مع شخص ما، فلا تستمع فقط؛ بل راقب.
لا تتوقع من الناس، وخاصة المرؤوسين منهم، أن يعبروا شفهياً عن الأفكار والمشاعر الصعبة أو السلبية. انتبه لكل الطرائق التي يتواصلون بها معك.
إقرأ أيضاً: لغة الجسد، التقاط وفهم الإشارات غير اللفظية
3. الوضوح:
توقَّع وجود بعض التنافر الجماعي والآراء المتباينة، وأعد صياغة هذه الاختلافات واستفد منها بوصفها فرصاً بدلاً من عقبات، واستعمل التعاطف والأسئلة المفتوحة ذات الإجابات الطويلة لتحافظ على حب الاستطلاع وإظهار الاحترام. التعاطف لا يعني أنَّه عليك الموافقة؛ بل يعني أنَّك تفهم وتستطيع التعبير عن وجهة نظر الشخص الآخر، حتى لو كانت تختلف عن وجهة نظرك.
4. الاهتمام بالتواصل وليس بحل المشكلات:
يقول عالِم النفس الأمريكي “تود كاشدان”: “ركز على التفاعل وليس على النهاية”. تجري المحادثات في اتجاهين، ولكن سيُقطَع الطريق أمام الابتكار إذا حاولت فرض إجابة أو اتجاه معين. الهدف هو فهم الشخص أولاً قبل محاولة حل المشكلة.
سيرياهوم نيوز٣-النجاح نت