د. مُـحَـمَّـد الحوراني
بعدَ سلسلةٍ من الاعتداءاتِ الصهيونيّةِ المُتكرّرةِ على الأراضي السُّوريّةِ خلالَ يومَين، وسلسلةٍ من الهجماتِ الإرهابيّةِ على قوّاتِ الجيشِ العربيِّ السُّوريِّ في شمالِ سُوريةَ وشَرْقِها وجَنُوبِها، أقدمتْ قُوّاتُ الاحتلالِ الصهيونيِّ على اعتداءٍ إرهابيٍّ صاروخيٍّ استهدَفَ مبنى السّفارةِ الإيرانيّةِ في دمشق، أسْفَرَ عن تدميرِ مبنى القُنصليّةِ الإيرانيّةِ تدميراً شاملاً واستشهادِ عددٍ من الخُبراءِ والمُستشارِينَ الإيرانيّين، في عمليّةٍ تُؤكّدُ إخفاقَ القُوّاتِ الصهيونيّةِ في تحقيقِ الإنجازِ العسكريِّ المُرادِ في فلسطينَ المُحتلّةِ بعدَ ستّةِ أشهُرٍ من حربِ الإبادةِ على العُزَّلِ من أبناءِ غزّة، بل إنّ قُوّاتِ الاحتلالِ أرادَتِ التَّغطيةَ على جرائمِها في غزّةَ بهذهِ العمليّةِ الجبانةِ، التي كانَتِ الولاياتُ المُتّحدةُ الأميركيّةُ على علمٍ بها قبلَ حُدوثِها، ورُبّما أبدَتِ الدَّعْمَ المُطلَقَ لهذهِ العمليّةِ المُخالِفَةِ للقوانينِ والأعرافِ الدَّوْليّةِ، التي تنصُّ على مَنْعِ استهدافِ السفاراتِ والبعثاتِ الدّبلوماسيّة.
والحقيقةُ أنّ هذا الاعتداءَ، الذي استهدَفَ العميدَ مُـحـمّـد رضا زاهدي ورفاقَ دَرْبِهِ، أُرِيدَ منهُ إضعافُ محورِ المُقاوَمةِ في سوريةَ ولُبنانَ والعِراقِ واليمنِ وضَرْبُهُ، ظنّاً من كيانِ الاحتلالِ أنّ هذا العُدوانَ من شأنِهِ أن يُؤدِّيَ إلى خلخلةِ العلاقاتِ بينَ إيرانَ وسُورية، وأن يُحدِثَ شَرْخاً في التّحالُفِ الإستراتيجيّ بينَ الدولتَينِ، لكنَّ سُوريةَ أكّدَتْ عُمْقَ العلاقاتِ وتجذُّرَها بزيارةِ وزيرِ الخارجيّةِ السُّوريِّ الدكتور فيصل المقداد مكانَ الاعتداءِ، وإدانَتِهِ بشدّةٍ العُدوانَ الصّهيونيَّ الجبانَ، وتأكيدِهِ عُمْقَ العلاقاتِ بينَ البلَدَينِ وتَجذُّرَها على الرَّغْمِ من المُحاولاتِ الصّهيونيّةِ لزعزعَتِها وإضعافِها بالاعتداءاتِ المُتكرِّرةِ وجرائمِ الاغتيالِ، التي تُمارَسُ دائماً بحَقِّ قادَةِ محورِ المُقاوَمةِ والفاعلِينَ فيهِ على امتدادِ الجغرافية السُّوريّة.
إنّ ما أقْدَمَ عليهِ الكيانُ الصهيونيُّ من جريمةٍ بحقِّ القُنصليّةِ الإيرانيّةِ في دمشقَ واستهداف قائد قُوّة القُدْس في سورية ولبنان، أُريدَ منهُ إضعافُ قُوّةِ المُقاوَمةِ الفلسطينيّةِ والتأثيرُ في بهاءِ الحُضورِ الجماهيريِّ المُندِّدِ بالسياسيّةِ الأميركيّةِ والصهيونيّةِ، والدَّاعمِ للشَّعْبِ الفلسطينيِّ في صُمودِهِ في وَجْهِ المُحتلِّ الصّهيونيِّ، ولاسيّما عشيّةَ الاحتفالاتِ العالميّةِ بيومِ القُدْسِ العالميّ، وما يَحْمِلُهُ هذا اليومُ مِنْ مَعانٍ ودلالاتٍ في عُمْقِ الضَّميرِ والوجدانِ الإنسانيِّ المُنْحازِ إلى عدالةِ القضيّةِ الفلسطينيّةِ ومظلوميّةِ أهلِها.
ولـمّـا كانَ الكيانُ الصّهيونيُّ يُدرِكُ عُمْقَ تأثيرِ هذا اليومِ وهذا الفعلِ المُقاومِ في خططِ قادَتِهِ واستراتيجيّاتِهِمْ، كانَ لابُدَّ للكيانِ مِنْ أن يلجأَ إلى ارتكابِ هذِهِ الجريمةِ، في مُحاولةٍ منهُ إجْهاضَ الفِعْلِ المُقاوِمِ والنَّيلَ منهُ، بلْ إنَّ هذا العُدوانَ أتى للتَّغْطيةِ، أيضاً، على الجرائمِ الصّهيونيّةِ، التي حوّلَتْ مشفى الشِّفاءِ أنقاضاً بعدَ أنْ أعْدَمَتْ قُوّاتُ الاحتلالِ، واعْتَقلَتِ، العَشَراتِ مِنْ أبناءِ الشَّعْبِ الفلسطينيِّ قبلَ أن تَنْسَحِبَ مِنْ مُحيطِ المشفى، مُخلِّفَةً دَماراً هائلاً في المنطقةِ وفي المشفى، حتّى لا يبقي أيُّ دليلٍ على جرائمِها في المكان، لكنَّ كُلَّ ما في المكانِ كانَ يُؤكِّدُ كارثيّةَ المشهدِ وفظاعةَ الجرائمِ المُرْتَكَبَةِ بحقِّ النِّساءِ والأطفالِ والمرضى في المشفى ومُحيطِهِ، كما أنّهُ يُؤكِّدُ الشراكةَ الأميركيّةَ الصّهيونيّةَ في ارتكابِ المجازرِ في فلسطينَ وسُوريةَ ولُبنانَ وغيرِها، بعدَ الدَّعْمِ المادِيِّ والمعنويِّ الكبيرِ، الذي قدّمَتْهُ الولاياتُ المُتّحدةُ الأميركيّةُ وبعضُ الدُّوَلِ الغربيّةِ إلى الكيانِ الصهيونيِّ، وتَزْوِيدِهِ بأحدَثِ أنواعِ الأسلحةِ في حربِهِ على الشّعبِ الفلسطينيِّ وقُوى المُقاوَمة.
إنّ اعتداءَ الكيانِ الصّهيونيِّ على القُنصليّةِ الإيرانيّةِ في دمشقَ واغتيالَهُ عدداً من قادَةِ المُقاوَمةِ، يُؤكِّدُ، بما لا يَدَعُ مجالاً للشّكِّ، أنْ لا سبيلَ إلى التَّفاهُمِ معَ هذا الكيانِ المُحتلِّ إلّا بالكِفاحِ المُسلَّحِ والمُقاوَمةِ، كما أنّ أيَّ تأخيرٍ في إعلانِ الحربِ الشّاملةِ على الكيانِ الصّهيونيِّ يعني تمكينَهُ من تصفيةِ مزيدٍ من قادَةِ محورِ المُقاوَمةِ واغتيالِهِمْ أينما كانُوا، دُونَ احترامٍ للأعرافِ والقوانينِ الدَّوْليّةِ، التي تمنعُ استهدافَ البعثاتِ الدّبلوماسيّةِ في الأوقاتِ كُلِّها، بل إنّ ضَرَباتِ المُقاوَمةِ يجبُ أن تَعْصِفَ بالوُجودِ الأميركيِّ وقواعِدِهِ في المنطقةِ وتُزَلْزِلَهُ، ولاسيّما بعدَ أنْ ثبتَ بالدليلِ القاطعِ تَواطُؤُ
الولاياتِ المُتّحدةِ الأميركيّةِ معَ الكيانِ الصّهيونيِّ في جرائمِهِ داخِلَ فلسطينَ وخارجَها، وإذا كانَتِ الجرائمُ الصّهيونيّةُ في غزّةَ وخارِجَها تُرْتَكَبُ بالأيادي الصّهيونيّةِ المُلطَّخَةِ بالدَّمِ الفلسطينيِّ، فإنَّ السِّلاحَ والمُبارَكَةَ والتأييدَ أميركيٌّ بامتياز، ولهذا لابُدَّ مِنْ إعادةِ الألَقِ إلى العمليّاتِ الاستشهاديّةِ والضَّرَباتِ المُركَّزَةِ للمُقاوَمةِ، التي تستهدفُ الوُجودَ الأميركيَّ والصّهيونيَّ في المنطقةِ والعالَمِ، بعدَ أنْ تَبيَّنَ بالبُرْهانِ الواضِحِ إخْفاقُ المُحاوَلاتِ كُلِّها للتَّفاوُضِ معَ المُحتلِّ الأميركيِّ والصّهيونيِّ لإيجادِ حلٍّ سلميٍّ يُعيدُ الحقَّ إلى أهلِهِ والأرضَ إلى أصحابِها.
سيرياهوم نيوز٣_الثورة