فادية مجد:
تعد ظاهرة التنمر المدرسي من أهم المشكلات التي تعترض طلابنا في مدارسهم، والتي إن لم يكن هناك فهم واستيعاب ومعالجة شاملة لتلك الظاهرة، فإنها ستترك ٱثاراً نفسية تؤثر على شخصية وتوازن الطالب الذي تعرض للتنمر.. فما هو التنمر وما هي أشكاله وأسبابه وما دور المرشد في المدارس في الحد قدر الإمكان من هذه الظاهرة المنتشرة في المدارس؟
للإجابة على تساؤلاتنا السابقة تواصلنا مع رئيس دائرة البحوث في مديرية تربية طرطوس الدكتورة مايا بركات وبدأت حديثها بالقول: هو من أبرز المشكلات المنتشرة في المدارس، لأنه يقوم على إيذاء التلاميذ نفسياً وجسدياً، ويعرقل عملية التعليم كونه يحدث داخل المدرسة في فناءاتها وساحاتها وغرفها الصفية.
ولفتت الدكتورة بركات إلى أن المتنمرين يختارون ضحاياهم من تلاميذ يقاربونهم في العمر، أو أصغر منهم عبر سلوك متعمد ضد طالب أو أكثر، يتضمن الإيذاء الجسدي أو اللفظي أو الإذلال وإتلاف الممتلكات للطالب الآخر، حيث لا يكون هناك توازن بينهما في القوة، اذ يحصل التنمر من طرف قوي على فرد ضعيف لا يتوقع أن يرد الاعتداء ولا يبادل القوة بالقوة ولا يبلغ عن الاعتداء الذي تعرض له، مبينة أن ظاهرة العنف لا تضر فقط بمرتكبي التنمر وضحاياهم، بل أيضاً تؤثر سلباً على نفسية الطلاب والمناخ المدرسي العام، وبشكل غير مباشر على قدرة الطلاب على التعلم.
أسباب التنمر
وعن أسباب التنمر ذكرت أنه يمكن تقسيمها في ثلاث مجموعات رئيسية هي الأسرة: فأغلب الأطفال المرتكبين للتنمر يكونون منتمين إلى أسر حياتها مليئة بالمشكلات، وتتضخم تلك المشكلات عند لجوئهم إلى القسوة المفرطة في عقاب الأبناء، إضافة للظروف الأسرية المليئة بالإجهاد النفسي والعدوانية، حيث يتعلم الأبناء التنمر من خلال ملاحظة سلوكيات أولياء أمورهم أثناء تعاملهم مع الصراعات الأسرية، كما تلعب المدرسة دوراً في نشوء سلوكيات التنمر وذلك عندما تنكر الإدارة المدرسية وجود تلك الظاهرة ويمثل ذلك عاملاً معززاً لقيام الطلاب المتنمرين بارتكاب السلوكيات التنمرية دون خوف من العقاب، ومن الأسباب أيضاً العوامل المتعلقة بالأقران (الطلاب) الذين يتجهون إلى ارتكاب سلوكيات التنمر حتى يتمكنوا من الانتساب إلى مجموعة محددة من الأقران، كما توجد أسباب تتعلق بالألعاب الالكترونية العنيفة ومشاهدة أفلام العنف وأفلام الكرتون العنيفة وانتشار قنوات المصارعة.
آثار التنمر
وتتمثل ٱثار التنمر بحسب قول الدكتورة بركات بالإحباط والتوتر والوحدة، الذي يتجلى في شخصية الطالب الذي تعرض للتنمر، كما يعاني أيضاً من اضطرابات نفسية قد تكون بسيطة أو حادة على حسب درجة تأثره بالموقف، وقد يصل خطرها إلى سلوك يدفع بمن تعرض للتنمر.
إلى الانتحار في الحالات الشديدة، وإن لم يصل إلى تلك المرحلة المؤسفة فإن، آثار التنمر ستبقى تمتد إلى فترات طويلة المدى وخاصة على الضحية، حيث تتكون لدى الضحية المتعرضة للتنمر نظرة شك بأغلب الناس، فيقيم حدوداً وحواجز بينه وبين أصدقائه أو أسرته أو المجتمع بشكل عام، لأنه أصبح لا يثق كثيراً بمن حوله، كما تتأثر الضحية أيضاً من الناحية الأكاديمية، فيصبح لديه ضعف في التحصيل الدراسي، وتقل دافعيته نحو التعلم، وبالتالي تتولد لديه عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة.
وتصبح لديه اضطرابات في النوم والأكل وبالتالي تتأثر صحته، كما أن تكرار التنمر للمتنمر بشكل كبير واستمراره لفترة طويلة قد يكون مؤشراً خطيراً على انتكاسهم لارتكابهم جرائم خطيرة في المستقبل.
أشكال التنمر
وحول أشكال التنمر ذكرت بركات أنه يتمثل بالتنمر البدني: وهي من أكثر الأشكال انتشاراً في المدارس، ويظهر في الاعتداء بالجسد كالضرب أو البصق على الطلبة أو إتلاف ممتلكاتهم. والتنمر اللفظي: وذلك عن طريق التهديدات الموجهة إلى الآخرين أو شتمهم أو الاستهزاء بهم والتقليل من قدرهم بالألفاظ النابية، وهناك التنمر الاجتماعي: حيث يقوم الطلبة المتنمرون باستبعاد بعض الطلبة من مجموعاتهم أو الأنشطة المتنوعة التي يقومون بها، وأخيراً هناك التنمر ضد التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة: مثل العبث بأجهزة وأدوات التلميذ ذوي الاحتياج من كرسي مثلاً او غيره أو استبعاد هذه الفئة من أنشطتهم المتنوعة.
دور الإرشاد المدرسي
يمثل الإرشاد المدرسي كما تقول الدكتورة بركات حلاً وقائياً وعلاجياً للتصدي لظاهرة التنمر في المدارس، لأنه يعمل على معالجة مشكلات الطلاب المختلفة من خلال التعرف على العوامل السياقية المحيطة بهم، ووضع الحلول والاستراتيجيات التداخلية لذلك، حيث يعرف الإرشاد المدرسي بأنه “عملية مساعدة الطلاب بواسطة تقديم العون لهم في اتخاذ القرارات، وتغيير السلوك، وهو مهنة تركز على العلاقات والتفاعلات بين الطلاب وبيئتهم المدرسية للحد من آثار المشكلات التي تعوق النجاح الأكاديمي للطالب.
كما يقوم الإرشاد المدرسي بتوثيق التعاون بين المدرسة والبيت لكي يصبح كل منهما مكملاً وامتداداً للآخر لتهيئة المناخ المناسب والمشجع للمتعلم نظراً للآثار الضارة للتنمر على الصحة البدنية والنفسية لضحاياه، فقد أصبح التنمر قضية اجتماعية بارزة، ومحوراً لاهتمام وتركيز الباحثين.
لذلك نهتم في مدارسنا بتطبيق البرامج الإرشادية في سبيل الحد من انتشار ظاهرة التنمر ومعالجة تداعياته حيث يبدأ الإرشاد المدرسي بالقيام بدراسة استطلاعية، لتحديد مستوى انتشار الظاهرة بين الطلاب، ثم يقوم ببناء برنامج إرشادي وقائي من خلال حصص الإرشاد الجمعي التي يقوم بها المرشد، أيضاً يقوم بإشراك أولياء الأمور والمدرسين والإدارة المدرسية، ويستخدم وسائل لجمع المعلومات، واتباع طريقة علمية في عملية الإرشاد، مثل اعتماده على المقابلة مع هؤلاء الطلبة سواء المتنمر أو من يقع عليه التنمر من خلال الإرشاد الفردي، واتباع الملاحظة لسلوكيات المتنمر باستمرار، فيما يقوم المرشد النفسي أو الاجتماعي من خلال الإرشاد الجماعي أو الإرشاد الفردي بسماع الطالب، وإظهار الاهتمام بكل ما يفصح به، وإعطائه الفرصة كاملة للحديث دون أن يمل أو يضجر، ثم الإجابة على كل أسئلته بأسلوب مناسب، والاستفسار منه بطريقة مقبولة عما قد يراه مناسب، وما هو غير مناسب في المدرسة أو أسلوب التدريس، إضافة لذلك يقدم المرشد الاستشارة لأسر الطلاب من أجل فهم أوضح لأبنائهم، وأساليب التعامل معهم، وكذلك للمعلمين والإدارة المدرسية، مع وضع الآليات المناسبة للتعامل معهم، ومساعدتهم في تجاوز مشكلاتهم النفسية والاجتماعية.
وختمت الدكتورة بركات أنهم ومن خلال دائرة البحوث شعبة الإرشاد النفسي والاجتماعي ووفقاً لخطة محددة نقوم بالعديد من المبادرات التي تهدف للتوعية حول العديد من المواضيع ومنها التنمر، ينفذها المرشدون من خلال حصص التوجيه الجمعي، منوهة بأن الشعبة تقوم بمتابعة تنفيذها من خلال الجولات المنفذة.
سيرياهوم نيوز٣_الثورة