محمد نور الدين
منذ زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، للعراق، في الـ22 من نيسان الماضي، تشهد العلاقات بين البلدين تطوّراً لافتاً، ربّما بلغ ذروةً جديدة في الأيام القليلة الماضية. وفي زيارته تلك، التقى إردوغان، رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ووقّعا معاً 25 اتفاق تعاون في مختلف المجالات، من الطاقة إلى الزراعة، ومن «طريق التنمية» إلى «مكافحة الإرهاب». وكان الهمّ التركي، في حينه، متركّزاً على أمرَين: كسب تأييد العراق لما بات يسمّى «طريق التنمية» الذي يمتدّ من خليج الفاو إلى الحدود التركية وبكلفة تتقاسمها كل من قطر والإمارات والسعودية وتركيا والعراق؛ وتنسيق الجهود لمحاربة قوات «حزب العمال الكردستاني» المتواجدة في شمال العراق، حيث ترى أنقرة أن تصفية وجود «الكردستاني» ضروري لأمن «طريق التنمية»، كما لأمن الحدود التركية – العراقية.وكانت الأشهر الأخيرة شهدت تسارعاً كبيراً في وتيرة الضغوط التركية على العراق، تجلّى في زيارتَين عاليتَي المستوى قام بهما وزيرا الدفاع والخارجية ورئيس الاستخبارات الأتراك، إلى بغداد وأربيل، في الـ19 من كانون الأول، والـ14 من آذار الماضيَين. وأسفرت الزيارة الثانية عن تطوّر نوعي، تجلّى في تصنيف العراق، «حزب العمال الكردستاني»، «منظمة محظورة»، فيما أعلن، قبل أيام قليلة، حظر نشاط ثلاثة أحزاب عراقية على علاقة بالحركة الكردية المؤيّدة لـ»الكردستاني». على أن الاتفاق الأهم بين البلدين، تمثّل في توقيع «اتفاق التعاون العسكري والأمني ومحاربة الإرهاب»، في الـ15 من آب، خلال زيارة قام بها وزيرا الخارجية والدفاع العراقيان، فؤاد حسين وسعيد رضا العباسي، إلى أنقرة، حيث التقيا بنظيريهما التركيَّين حاقان فيدان، وياشار غولر، بحضور رئيس الاستخبارات إبراهيم قالين. وأشاد حسين بالاتفاق بوصفه «الأول من نوعه في تاريخ العلاقات بين البلدين»، فيما اعتبره فيدان «تاريخياً». كما أمل غولر في أن ينتقل العراق لاحقاً إلى تصنيف «العمال الكردستاني» «منظمة إرهابية». أيضاً، تضمّن الاتفاق التركي – العراقي نقطتين حساستين: إنشاء مركز مشترك للتنسيق الأمني في بغداد، ومركز تدريب مشترك في بعشيقة في محافظة نينوى.
ولم يكن تاريخ توقيع اتفاق الـ15 من آب عبثياً، كونه صادف ذكرى بدء «العمال الكردستاني» أولى عملياته العسكرية في منطقة «أروح» جنوب شرقي تركيا في عام 1984، قبل أن يتوسّع صراعه مع الجيش التركي ليشمل كامل تركيا والدول المجاورة. وقد مثّل شمال العراق ساحةً جغرافية مناسبة للحزب بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث اتّخذ من جبال قنديل عند المثلّث العراقي – الإيراني – التركي مقرّاً حصيناً له. وازدادت أهمية الحزب بعدما مضى أكراد سوريا المؤيدون لـ»الكردستاني» في تشكيل «كيان» لهم، مع تطور الأزمة السورية، وذلك تحت اسم «الإدارة الذاتية» في «روجآفا». كما لم يكن التوافق بين بغداد وأنقرة على التعاون الأمني هامشيّاً، إذ تقرّر تحويل قاعدة «غيدو» المعروفة باسم «بعشيقة» إلى مركز مشترك للتدريب العسكري، ليمنح الاتفاق بهذا شرعية لتواجد القاعدة العسكرية التركية، وإن بالشراكة مع العراق، خاصة أن العناصر التركيين سيدرّبون نظراءهم العراقيين.
بات يمكن كل عراقي تحت سن الـ15 وفوق سن الـ50 دخول تركيا من دون تأشيرة
ويأتي ذلك في وقت كان يُنتظر فيه بعد الانتهاء من تصفية الوجود العسكري لـ»حزب العمال»، انسحاب الجيش التركي من أماكن تواجده في شمال العراق – علماً أن له أكثر من 40 مركزاً وقاعدة عسكرية -، بدلاً من إضفاء الشرعية على «بعشيقة». ويُعتبر هذا الأمر مهمّاً للغاية بالنسبة إلى تركيا، إذ تضطلع القاعدة التي تأسّست في عام 2015، على بعد 15 كيلومتراً فقط من الموصل وبعمق 100 كيلومتر من الحدود بين البلدين، بدور مؤثّر في الحدّ من حركة عناصر «حزب العمال» من العراق إلى سوريا. أمّا الأمر الثاني المهمّ بالنسبة إلى الجانبين، فهو تسهيل تركيا منح تأشيرة دخول لجزء من العراقيين، بحيث بات يمكن كل عراقي تحت سن الـ15 وفوق سن الـ50، أن يدخل تركيا من دون الحصول على تأشيرة، بدءاً من الأول من أيلول المقبل. وتبرّر أنقرة إعفاء هذه الفئة من المواطنين من التأشيرات، باعتبار أن المنتمين إليها لن يفكّروا في البقاء في تركيا (والذي سيؤدي إلى ازدياد عدد اللاجئين الأجانب) أو الانتقال إلى أوروبا (والذي قد يعني تشدّداً أوروبياً في منح التأشيرات للمواطنين الأتراك أنفسهم).
وفي هذا الجانب، يتساءل الكاتب مراد يتكين عن السبب من وراء الخطوة، ليقول إن «المصادر الدبلوماسية التركية ترى أنه لا بد من منح السوداني نصراً أمام الرأي العام العراقي، في مقابل الموافقة على تشريع الوجود العسكري التركي في بلاده، والتعاون لمكافحة المقاتلين الأكراد». وينسب يتكين إلى مسؤولين في قطاع السياحة التركي، قولهم إن «إعفاء فئة من العراقيين من التأشيرة، سيساهم في إنعاش قطاعات أخرى في السياحة، مثل زرع الشعر للرجال، وعمليات التجميل للنساء، والتجارة والاستشفاء».
من جهته، يلفت أورخان بورصه لي، في صحيفة «جمهورييات»، إلى أنه لا أحد يعرف أعداد من هم تحت سن الـ15 وفوق سن الـ50، فضلاً عن أن الوضع الاقتصادي في العراق سيّئ، حيث لا يتجاوز متوسّط الدخل الفردي 4 آلاف دولار. وعن التأثيرات الاجتماعية لتدفّق العراقيين إلى تركيا، يقول إن الأخيرة «ربّما تحاول ممارسة تأثير على العراق من خلال هذا الاتفاق لكسر النفوذ الإيراني فيه. هل الخطوة التركية بتأثير أيضاً من واشنطن لإضعاف النفوذ الايراني هناك، أم هل لها علاقة بالاستفادة من حجم الثروة النفطية في العراق؟».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار