ما هي الصيغة التي سيقترحها الجانب التركي على كرد سوريا الذين طلب منهم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو عام 2012 “أن يتمردوا على الأسد مقابل الاعتراف لهم بحكم ذاتي أو فدرالي في سوريا الجديدة”؟
لا يمكن لأي قوة عظمى أن تسيطر على العالم من دون أن تكون الشام تحت سيطرتها.
لا يمكن لأي قوة عظمى أن تسيطر على العالم من دون أن تكون الشام تحت سيطرتها.
بعد 25 عاماً من اختطاف المخابرات الأميركية والإسرائيلية الزعيم الكردي عبد الله أوجلان من نيروبي في 14 شباط/ فبراير 1999، وتسليمه إلى تركيا، جاءت أحداث سوريا الأخيرة لتزيد من حظوظ زعيم حزب العمال الكردستاني للخروج من سجنه والعودة إلى زعامة الحزب والحركة الكردية، تركياً وسورياً وربما إقليمياً.
مع التذكير أن أوجلان كان قد غادر سوريا في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1998 بعد تهديدات تركية بالقيام بعمل عسكري ضد دمشق، فتوجّه إلى اليونان ثم روسيا، فإيطاليا ومنها إلى السفارة اليونانية في نيروبي.
بعد شهرين من دعوة زعيم حزب “الحركة القومية” دولت باخشالي له للحضور إلى البرلمان، ويتحدث في اجتماع الكتلة البرلمانية لـ”حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية” الكردي ويعلن عن وقف العمل المسلح وحلّ حزبه، قال أوجلان إنه “على استعداد لاتخاذ مثل هذا القرار في إطار الحوار الإيجابي مع الدولة والحكومة بل وحتى المعارضة، ومن أجل التوصّل إلى حل سياسي وسلمي للمشكلة الديمقراطية في تركيا بانعكاسات ذلك على سوريا والمنطقة”.
كلام أوجلان هذا جاء خلال لقائه اثنين من قيادات “حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية”، في سجن إيمرالي ( الأحد 29|12) وهو الذي كان ممنوعاً من إجراء أي لقاء منذ خمس سنوات حتى مع محاميه.
موقف أوجلان هذا جاء في إطار مساعي أنقرة للوساطة بين “وحدات حماية الشعب” الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي، وبين القيادات السورية الجديدة التي تحكم دمشق وبضوء أخضر من واشنطن.
اتصل وزير الخارجية الأميركية بلينكن، مساء الأحد، وبعد ساعات من بيان أوجلان، وتحدث مع نظيره التركي هاكان فيدان حول تطورات الملف السوري بانعكاساته المحتملة على المنطقة، وبشكل خاص على القضية الكردية بشقّيها السوري والتركي، بل وحتى العراقي والإيراني.
ومعروف عن وزير الخارجية روبيو وسكرتير مجلس الأمن القومي مايكل والتز ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غاباراد ووزير الدفاع بيت هيغسيث اهتمامهم بالملف الكردي، وتضامنهم مع الكرد في سوريا والمنطقة عموماً، مع مواقفهم السلبية تجاه الرئيس إردوغان بسبب “سياساته العقائدية وعلاقاته مع المجموعات الإسلامية المتطرفة “.
ومع انتظار تطورات المرحلة القادمة في هذا الملف، يتوقع المراقبون لكل الأطراف أن تنتظر مجيء الرئيس ترامب إلى السلطة في الـ 20 من الشهر الجاري حيث سيحدد مسار السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مع ضمان مطلق للمصالح الإسرائيلية التي ستتطلب منه الضغط على كل الأطراف الإقليمية لتقديم كل التنازلات لـ”تل أبيب”.
ويتوقع البعض لها أن تسعى، بدورها، لحوار مباشر مع أنقرة لتقرير مصير المنطقة بالتنسيق والتعاون والعمل المشترك معها بعد أن أصبحت تركيا اللاعب الأساسي وربما الوحيد على الساحة السورية بغياب أي دور جدي وفعال للعواصم العربية التي تعيش “تناقضات التخلص من الأسد واستلام الإسلاميين المتطرفين السلطة في سوريا”.
وقال عنها نابليون “من يسيطر على سوريا يسيطر على قلب العالم ” فيما عدّها تشرتشل ” مفتاح الشرق الأوسط “.
وهو ما أثبتته تطورات المئة سنة الأخيرة، إن لم نقل تاريخ المنطقة برمتها بما في ذلك القضية الكردية التي اكتسبت طابعاً إقليمياً ودولياً الآن بعد أن أصبح الكرد قوة عسكرية لا يستهان بها في سوريا بعد ما يسمّى بـ”الربيع العربي”.
في وقت لم يؤثر واقع الكرد المفروض في شمال العراق في المعادلات الإقليمية والدولية مقارنة بما هو عليه الوضع الآن في سوريا. وربما لهذا السبب بادرت أنقرة إلى مصالحة أوجلان قبل أحداث سوريا بشهرين، ولأنها كانت على علم مسبق بهذه الأحداث التي ساهمت فيها بشكل مباشر وفعّال، وفق كلام الرئيس ترامب ووزير خارجيته بلينكن.
في الوقت الذي يقول فيه الرئيس إردوغان “إن تركيا ستساعد السلطات السورية الجديدة في كل مجال “وسط المعلومات التي تتحدث عن دور تركي فعّال في تأسيس الجيش السوري وقوات الأمن والمخابرات في سوريا.
وبات واضحاً أنها مقبلة على مرحلة حساسة قد تصبح معقدة في حال فشلت أنقرة في تحقيق المصالحة بينها وبين حزب العمال الكردستاني، وهو ما قد يفشل مشروعها في تحقيق المصالحة بين نظام الحكم الجديد في دمشق مع “وحدات حماية الشعب” الكردية الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني.
ويعرف الجميع أن قياداته الموجودة شمال العراق ستنتظر موقف الرئيس ترامب قبل أن ترد على دعوة زعيم الحزب عبد الله أوجلان إلى وقف العمل المسلح في تركيا.
ومن دون أن يكون واضحاً ما هي الصيغة التي سيقترحها الجانب التركي على كرد سوريا الذين طلب منهم وزير الخارجية أحمد داود أوغلو عام 2012 “أن يتمردوا على الأسد مقابل الاعتراف لهم بحكم ذاتي أو فدرالي في سوريا الجديدة “.
وهو الطلب الذي قد تتراجع عنه أنقرة الآن في ظل المعطيات الحالية وهي لصالحها سورياً وإقليمياً، ولن تسمح لكرد سوريا أن يعرقلوا مساعيها ومخططاتها الإقليمية والدولية على المديين المتوسط والبعيد.
وهو ما سيضع الكرد وأنقرة أمام مساومات جديدة ومعقدة قد تدفع تركيا إلى الموافقة على بعض الشروط والمطالب الكردية، وأهمها الإدارة الذاتية شرق الفرات، على أن يكون كل شيء في المنطقة بالتنسيق المباشر مع السلطات التركية، إن كان في أنقرة أو دمشق.
وهو ما يتطلب في نهاية المطاف الاتفاق مع عبد الله أوجلان حول تفاصيل المرحلة القادمة التي قد تساعد أنقرة في ترسيخ دورها في سوريا وعبرها في شمال العراق حيث لها علاقات متينة مع مسعود البرزاني.
وهو ما سينعكس إيجاباً على مجمل حسابات أنقرة بعد أن يتحوّل الكرد إلى ورقة يساومون بها بعد أن كان الآخرون هم الذين يساومون تركيا بهذه الورقة التي قد تكلف أنقرة إخراج أوجلان من السجن ليصبح مانديلا (خرج من السجن بعد 27 عاماً وأصبح رئيساً لجنوب أفريقيا) جديداً، ولو بصيغة مختلفة ترضي الأتراك والكرد معاً. وهو ما سيحتاج إلى ضوء أخضر أميركي/ إسرائيلي، خصوصاً بعد ما حققته “تل أبيب” في سوريا بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” وحلفاؤها في الداخل والخارج على سوريا.
وأثبتت كل التطورات الأخيرة، وخصوصاً بعد ما يسمّى بـ”الربيع العربي” وحتى يومنا هذا أنها وكما قال ابن خلدون إنها ” قلب الأمة الإسلامية”، وأنه لا يمكن لأي قوة عظمى أن تسيطر على العالم من دون أن تكون الشام تحت سيطرتها، وعلى الأقل وفق رهانات الرئيس إردوغان، الذي يتغنى بأمجاد الإمبراطورية العثمانية!.
أخبار سورية الوطن١ الميادين