بعد أن تجاوز رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخّراً كلّ الخطوط الحمر في سوريا، انطلاقاً من توسيع المنطقة العازلة في جنوبها، والتوغّل شمالاً باتجاه جنوب دمشق، وشرقاً حتى منطقتي تل الحارة وتل مسحرة الاستراتيجيتين، وجنوب شرق حتى المنطقة الفاصلة بين محافظتي درعا والقنيطرة، وبعد أن سمح لوحداته الجوية باستباحة استهداف كلّ المواقع العسكرية السورية التي طالما كان لها بعد استراتيجي في الصراع التاريخي بين الكيان وبين دمشق، أطلق تصريحات صادمة وغير تقليدية، تمثّلت أولّاً باستعداده لحماية دروز السويداء من الإدارة السورية الجديدة ومنع دخول وحدات الأخيرة إلى الجنوب السوري، وثانياً من خلال استعداده أيضاً وبشكل خاصّ، لحماية مدينة جرمانا جنوب شرق دمشق، والتي يسكنها أيضاً عدد كبير من الدروز السوريين.
فهل تكون تهديدات نتنياهو “بحماية” جرمانا جنوب دمشق جدّية؟ وهل هي سياسية فقط أم أنها تحمل إمكانية تدخّل عسكري؟ وكيف يمكن أن يكون هذا التدخّل العسكري؟ ولأيّ أهداف؟ وهل تكون جرمانا نقطة ارتكاز ميدانية ـــــ سياسية لإطلاق مشروع تقسيم سوريا؟
لناحية جدّية تهديدات نتنياهو، لا يمكن النظر إليها إلّا بجدّية، حتى ولو كانت سياسية الأهداف والتوجّهات، والسبب في ذلك أنّ أغلب مسار تهديدات نتنياهو الأخيرة، والتي نفّذها، كانت جدّية بنسبة كبيرة، في سوريا وفي المحيط، وبرعاية وبدعم أميركي مفتوح، كما أنّ تدخّله الواسع مؤخّراً في سوريا، لم يواجَه بأيّ شكل ولو بسيط من أشكال المواجهة، لا سياسياً ولا دبلوماسياً، حيث الإدارة الجديدة لم تبالِ بتاتاً بتوسيع الكيان احتلاله جنوب سوريا، ولا عسكرياً، حيث غابت أو غُيّبَت بالكامل، أيّ محاولة عسكرية لمواجهة التوسّع الإسرائيلي، وذلك بعد انكفاء الجيش السوري عن القتال، وبعد استهداف وحدات الاحتلال الإسرائيلي أغلب أسلحة الأخير النوعية وخاصة أسلحة الدفاع الجوي.
لناحية إمكانية التدخّل العسكري الإسرائيلي لحماية جرمانا، يمكن القول إن تنفيذ هذا التدخّل عسكرياً، يمكن أن يتمّ كالآتي:
أولاً: عبر تنفيذ عملية توغّل بري سريعة انطلاقاً من حدود المنطقة العازلة الجديدة شمال محافظة القنيطرة، والتي احتلتها وحدات العدو، حيث تقطع مدرّعات العدو مسافة الـ 18 كلم التي تفصلها حالياً عن جنوب دمشق، وعن جرمانا تحديداً، بمدة لا تتجاوز الساعتين كحدّ أقصى، بغياب أيّ قدرة عسكرية سورية لمواجهتها.
ثانياً: يمكن لوحدات العدو تنفيذ التهديد بالتدخّل (لحماية جرمانا بحسب ادّعائها) من خلال أعمال جوية مركّزة من دون تنفيذ عملية توغّل برية، وذلك عبر القاذفات والمسيّرات، من خلال استهداف كلّ ما يمكن أن تعتبره تحرّكات (أمنية أو عسكرية) لوحدات الإدارة الجديدة في جرمانا، وهذه الاستهدافات الجوية، ستكون أيضاً فعّالة ومنتجة، ولن يكون هناك، لا قدرة، ولا قرار لمواجهتها أو حتى لتأخيرها.
إذاً، من ناحية القرار بالتدخّل الإسرائيلي في جرمانا، فهو يحمل كلّ عناصر التنفيذ، السياسية والعسكرية، وللموضوعية هنا، هذا أمر وارد وبنسبة كبيرة، فقط يحتاج لأن يقرّر نتنياهو ذلك لكي يحصل حتماً، ولكن، ما هي أهداف نتنياهو فعلياً من هذه العملية السياسية والعسكرية التي طرحها عبر خلق مناورة (ادّعاء حماية دروز سوريا، في السويداء وفي جرمانا)؟
جغرافياً، تعتبر جرمانا نقطة مفصلية أساسية لربط جنوب دمشق باتجاه درعا وجنوب غرب دمشق باتجاه القنيطرة، وشرق دمشق حتى التنف، وشمال شرق دمشق باتجاه البادية عبر الضمير وامتداداً إلى تدمر.
انطلاقاً من هذا الموقع الجغرافي، تكمن أهمية جرمانا كنقطة مؤثّرة ميدانياً بقوة في أيّ انتشار عسكري، بين جنوب سوريا وبين العاصمة دمشق وبين الشرق باتجاه التنف والحدود مع العراق وامتداداً إلى مناطق سيطرة الكرد شرق الفرات، ممّا يعطي من يسيطر عليها (مباشرة برياً على الأرض) عدة ميزات ميدانية وعسكرية، وذلك من دون الحاجة للدخول عسكرياً إلى دمشق، حيث في ذلك صعوبات ومعوّقات غير بسيطة.
انطلاقاً مما ورد أعلاه، لناحية أهمية جرمانا ميدانياً وعسكرياً، ولناحية كون السيطرة عليها، تعوّض الحاجة للسيطرة على دمشق، وانطلاقاً من الاندفاعة الصادمة لنتنياهو بدفع أميركي واضح ومفتوح، لناحية الذهاب بعيداً في التوغّل داخل سوريا تأسيساً لمشروع تقسيمها وربط شمال فلسطين المحتلة بشرق سوريا حيث حظوظ اكتمال الحكم الذاتي الكردي تتقدّم، وذلك عبر منطقة السويداء وامتداداً إلى جرمانا جنوب شرق دمشق، يمكن استنتاج الهدف الإسرائيلي من طرح مناورة حماية دروز جرمانا.
أخبار سوريا الوطن١_الميادين