آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » المال والدين والسياسة: أخطبوط “السليمانيين” في شباك أردوغان

المال والدين والسياسة: أخطبوط “السليمانيين” في شباك أردوغان

 

 

سركيس قصارجيان

 

بالتزامن مع الحملة الأمنية التي تشنها السلطات التركية ضد مسؤولي حزب “الشعب الجمهوري”، المعارضة الأم في البلاد، والتي وصفها رئيس الحزب بأنها “ضربة باستخدام القضاء”، صعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من اتهاماته ضد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، والحلقة القريبة منه.

وتحدث أردوغان عن تحقيقات الفساد المتعلقة بإمام أوغلو وبلدية إسطنبول، مستخدماً تشبيه “الأخطبوط”، قائلاً: “إنه تحول إلى أخطبوط تمتد أذرعه إلى أماكن عديدة، وحتى إلى الخارج”.

وفي حين توقعت وسائل إعلام تركية أن “شبكة العلاقات المشبوهة” التي يتهم إمام أوغلو بتزعمها تقتصر على بعض الأحزاب والسياسيين، امتدت لاحقاً إلى البيروقراطية وعالم الأعمال والإعلام والجيش وأجهزة الاستخبارات، التي شهدت توقيفات واعتقالات متتالية خلال الأسبوع الماضي.

وعلمت “النهار” من مصادر أمنية تركية عن استعدادات لحملة أمنية تطاول جماعة “السليمانيين” الدينية، أو “أصحاب البدلات الزرقاء” كما يطلق عليهم في الداخل التركي.

ويؤكد مصدران أمنيان، تحدثت إليهما “النهار”، أن “حديث أردوغان عن ذراع الأخطبوط في تحقيقات بلدية إسطنبول يستهدف هذه الجماعة تحديداً”.

 

من النفوذ إلى الملاحقة

الجماعة التي عرفت بولائها للرئيس التركي وحزبه مدى العقدين الماضيين من حكمهما تركيا، شهدت تغيراً في استراتيجيتها في السنوات الأخيرة. ويعتقد أن الدافع الرئيسي وراء تغيير موقفها أخيراً هو الخوف من وصول المعارضة إلى السلطة والاقتصاص منها، كإحدى أدوات تعزيز حكم أردوغان في السابق.

يتهم فاتح سليمان دنيز أولغون، حفيد مؤسس الجماعة سليمان حسني طوناهان، والذي كان نائباً سابقاً عن حزب “العدالة والتنمية”، الزعيم الحالي للجماعة اليهان كوريش بالتورط في جرائم قتل ونصب وتبييض أموال.

يقول أولغون إن “أحد قادة الجماعة، وهو وزير النقل السابق عارف أحمد دنيز أولغون، قُتل على يد ابن عمه كوريش، الذي بات يتحكم بالشركات والجمعيات التابعة للجماعة”. ويتهم أولغون ابن عمه بـ”الإرهاب” وبأنه “حوّل الجماعة الدينية إلى تنظيم إرهابي”.

“السليمانيون”، أو كما يفضل أعضاء الجماعة تسميتهم بـ”أتباع سليمان” أو “طلاب الشيخ سليمان”، أكبر الجماعات الدينية في البلاد، لها شبكة تجارية واسعة تمتد من قطاعات الصحة إلى التعليم ومن النقل إلى الصناعة. وبالإضافة إلى ثروتها الكبيرة، لديها فروع خارج البلاد وأنشطة في جميع أنحاء العالم تقريباً، وهو ما يفسر وصف أردوغان لها بـأنها “الأخطبوط”.

وتعتبر ألمانيا وكولونيا تحديداً ثاني أكبر مركز للجماعة بعد تركيا، ولها نفوذ قوي جداً في هذا البلد، وموارد مالية ضخمة من خلال إدارة شركات قابضة عدة.

يقول المصدران اللذان تحدثا شرط عدم الكشف عن اسميهما، إن الجماعة دعمت المعارضة في الانتخابات الأخيرة، وتحديداً في إسطنبول، وقد نسجت علاقات وثيقة مع رئيس بلديتها المعتقل.

ويبرران هذا التحوّل في توجه الجماعة بأنه “حرص منها على استمرار مشاريعها التجارية والخدمية في أكبر مدن تركيا. فتشعبات هيكلها الاقتصادي تجعل الشراكة مع البلدية الكبرى حتمية، كما أن الانتخابات الأخيرة أظهرت تفوقاً للمعارضة يهدد بإطاحة أردوغان في أي استحقاق انتخابي مقبل، والجماعة تريد الحفاظ على استمرارية عملها وضمان مصالحها”.

 

 

 

ملفات تستيقظ من سباتها السياسي

ردت السلطات التركية على امتناع الجماعة عن دعمها في الانتخابات الماضية بهدم مهاجع الطلاب التابعة لها في إسطنبول، مستعيدة ملفات قضائية وتحقيقات أمنية سابقة تؤكد وقوع فضائح اعتداءات جنسية في هذه المهاجع، إلى جانب قضية احتراق إحداها في أضنة والتي أودت بحياة 12 طفلة وإصابة 22 طفلة أخرى عام 2016.

هذا الملف ليس الوحيد المدفون تحت الغبار الذي تم إنزاله من على الرف، فقد أكد المصدران وجود نية لإعادة التحقيقات في حادثة انتحار طفلة تبلغ من العمر 14 عاماً بعد تعرضها لاعتداء جنسي في أحد المهاجع التي تملكها الجماعة عام 1986، وذلك بناءً “على معلومات حديثة غيرت من ماهية الدعوى التي صدر فيها حكم قطعي”.

وتشتهر جماعة “السليمانيين” بأنشطتها “التعليمية”، ليس من خلال سلسلة المدارس الخاصة التي تمتلكها، بل أيضاً من خلال المهاجع الطالببة ودور القرآن التي أنشأتها في أقصى الأماكن النائية، إذ تدير حالياً أكثر من 1000 مؤسسة “تعليمية” في جميع أنحاء البلاد، بطاقة قرابة 150 ألف طالب .

وخلافاً لكل الطرق والجماعات الدينية الأخرى، فإن أتباع جماعة “السليمانيين” لا يطلقون لحاهم إطلاقاً، ويرتدون عادةً ربطة عنق، ويفضلون عموماً ارتداء البدلات الزرقاء، فيما تشتهر النساء من أعضاء الجماعة بطريقة ربط حجابهن المميزة.

الانغلاق الذي ينطبق على الجماعات الدينية عموماً في تركيا ينطبق أيضاً على هذه المجموعة، وبنسبة أكبر مقارنة ببعض الجماعات الأخرى، فيشار إليها في الإعلام التركي بمصطلح “الصندوق المغلق”. وللجماعة تسلسل هرمي من القائد إلى مسؤولي المناطق، بعلاقة يسودها الطابع الاستبدادي القائم على الانضباط والولاء.

وتركز الجماعة على تعليم الفتيات خصوصاً، مع هيمنة الذكور عليها، ولها نفوذ قوي خصوصاً في إسطنبول وجنوب تركيا، مثل أنطاليا وأضنة ومرسين وطرسوس وإسبرطة وبوردور وإزمير ومنيسا وكوتاهيا وأضابازاري.

لا تدير الجماعة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا قنوات تلفزيونية أو إذاعية أو صحفاً، وفي السنوات الأخيرة امتنع قادتها عن الإدلاء بتصريحات إعلامية.

تنتمي السليمانية إلى “الفرع المجددي للطريقة النقشبندية”، ويعتبر أعضاؤها أنفسهم “سفينة نوح”، وأن الخلاص لا يكون إلا لمن ينتمي إلى جماعتهم، ولا يصلون خلف إمام لا ينتمي إليهم.

 

 

 

مصير جماعة “غولن”؟

مدى عقود دعمت جماعة “السليمانيين” الأحزاب اليمينية المختلفة، حتى المؤيدة للمؤسسة العسكرية منها، والتي كانت تعرف بمواقفها المتطرفة ضد الدين والجماعات الدينية، كدعم حزب الديموقراطية القومية (MDP) الموالي لخط الانقلاب بعد 12 أيلول/سبتمبر 1980، وكان للجماعة برلمانيون من هذه الأحزاب، ومنهم كمال كاجار الذي دخل البرلمان ثلاث مرات، واحدة عبر قوائم حزب الديموقراطية القومية، وولايتين ضمن قوائم حزب “العدالة والتنمية”، وكان عضواً في الوفد البرلماني التركي في مجلس أوروبا.

أما عارف أحمد دنيز أولغون، الذي انتُخب نائباً عن حزب الرفاه الإسلامي عام 1995 (الذي انشق عنه حزب “العدالة والتنمية” الحاكم اليوم)، فقد شغل منصب وزير النقل بين عامي 1998-1999، وكان رئيساً للجنة حلف “الناتو”.

ورداً على سؤال “النهار” بشأن مصير الجماعة في المستقبل، يقول المصدران: “السليمانيون معروفون بالمرونة، بعد انقلاب 1980 صدر قرار من المجلس العسكري بإغلاق جميع مؤسساتهم واعتقال قادتهم، لكن تم إيقاف القرار بعد التوصل إلى صفقة مع العسكر، ومن الممكن أن تعقد صفقة شبيهة اليوم أيضاً”.

لكن، في حال الضغط على زر العملية الأمنية ضدهم، فمن المتوقع أن تلقى الجماعة مصيراً شبيهاً بجماعة “فتح الله غولن” الدينية، التي تغيّر توصيفها في البلاد من حلفاء للسلطة في العقد الأول من القرن الحالي إلى منظمة إرهابية محظورة بدءاً من العقد الثاني.

 

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إحباط محاولة تهريب شحنة مخدرات ضخمة عبر معبر نصيب الحدودي

    تمكنت كوادر معبر نصيب الحدودي من إحباط محاولة تهريب شحنة ضخمة من المواد المخدرة، كانت مخبأة بعناية فائقة، ضمن إحدى الشحنات المُعدّة للتصدير ...