زينب حمود
عام 2021، استلهم خليل رزق الله وندى نعمة من نمط الحياة «أونلاين» الذي فرضته جائحة كورونا وسيلة لتحدي الموقف «المنفصم» للدولة اللبنانية من الزواج المدني، الذي يُمنع عقده داخل البلاد، ويُعترف به فقط إذا جرى في الخارج.
عقد الثنائي قرانهما من بُعد عبر تطبيق «زووم»، بمساعدة قاضٍ من ولاية يوتا الأميركية، في خطوة أثارت الكثير من الجدل.
سرعان ما لحق بهما عمر عبد الباقي ونجوى سبيتي، لتبدأ سلسلة من الزيجات المدنية «أونلاين» التي كسرت قيوداً طالما شكّلت عائقاً أمام كثيرين، من كلفة الزواج المرتفعة في الخارج، إلى صعوبة الحصول على جوازات سفر للعروسين.
في البداية، تعاملت الدولة مع هذه الزيجات كحالات استثنائية فرضتها ظروف الجائحة، وافترضت أنها ستزول بزوالها. ولم تجد حجة قانونية لمحاربتها، إذ إنها تُعقد ظاهرياً في لبنان، لكنها قانونياً ترتبط بولاية أميركية تجيز الزواج المدني «من بُعد». ولهذا السبب، تم تسجيل عدد من هذه الزيجات في مديرية الأحوال الشخصية.
لكن، مع تزايد الأعداد التي تجاوزت، بحسب مصدر قضائي، الـ 70 زيجة، قررت الدولة وقف تسجيل أي زواج مدني يُعقد من بعد، وذهبت أبعد من ذلك بشطب العقود التي سبق أن اعترفت بها.
بكلام آخر، بعدما فتحت الدولة الباب أمام تسجيل هذه الزيجات، مشجعةً على اتباع هذا الخيار، قرّرت ببساطة «فضّ» الزيجات المسجّلة. والنتيجة؟ يتحوّل الزواج المسجّل إلى «غير شرعي» بشحطة قلم، ويُعد الزوج أعزب، وتُعاد الزوجة إلى خانة والدها في سجلات النفوس، فيما يُمحى الأولاد من السجلات وكأنهم لم يُولدوا قط.
إحدى ضحايا «الانفصام الرسمي» تقدّم بدعوى ضد الدولة، ممثلة برئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، بعدما رفضت المديرية العامة للأحوال الشخصية تسجيل زواجه المعقود «من بُعد» في ولاية يوتاه، وردّت المعاملة إلى وزارة الخارجية، التي أحالتها بدورها إلى القنصلية العامة اللبنانية في لوس أنجليس. الحجّة التي سيقت لرفض التسجيل كانت أن «الزواج يُعدّ باطلاً شكلاً»، لأن الزوجين كانا داخل الأراضي اللبنانية عند عقد القران، وبالتالي يُفترض تطبيق القانون اللبناني (بصفته قانون مكان العقد). وخلصت الدولة إلى أن الدعوى تُردّ لأن النظام القانوني اللبناني لا يعترف بالتعاقد الإلكتروني كوسيلة لإبرام العقود وتنفيذها، ومنها عقد الزواج.
رغم الطابع الإيجابي للقرار فإنه لا يشكّل سابقة ملزمة
أو مؤشراً على توجّه موحد لدى القضاء
وفي سابقة في تاريخ القضاء المدني اللبناني، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت، الناظرة في قضايا الأحوال الشخصية، فاطمة ماجد، حكماً في 22 أيار الماضي ينتصر للزواج المدني، إذ قضى الحكم بـ«تصحيح الوضع العائلي للمدّعي ليُصبح متأهلاً اعتباراً من 3 آذار 2022، ونقل قيد زوجته من خانة والدها إلى خانته». واستندت ماجد إلى القرار الرقم 60 الصادر عام 1936، الذي يعترف بصحة عقود الزواج المعقودة خارج لبنان، شرط أن تتم وفقاً للأصول الشكلية القانونية المعتمدة في البلد الذي جرى فيه العقد.
وفي حيثيات الحكم، أوضحت أن هذا القرار وُضع في زمن لم تكن فيه الوسائل التكنولوجية الحالية معروفة أو متاحة، وكان يُفترض أن ينعقد الزواج في الخارج بحضور جسدي للطرفين. لكن بما أن قانون ولاية يوتاه يُجيز إبرام الزواج بين طرفين غير موجودين فعلياً في الولاية، عبر تقنية الفيديو التي تتيح التثبت من الهوية والرضى، فإن ذلك يُعد متوافقاً مع الأصول القانونية. وأضافت أن المادة 185 من قانون الموجبات والعقود اللبناني تُجيز إنشاء عقد عبر «المخاطبة الهاتفية».
وعليه، فإن الزوجين «أبرما عقد زواج مدنياً في الخارج، ووجودهما في لبنان أثناء انعقاد العقد لا يُلغي أن ولاية يوتاه هي مكان انعقاده قانوناً». أما في ما يتعلق بصحة التوقيع الإلكتروني، فإن «النظام المعتمد في ولاية يوتاه لا يشترط توقيعاً مادياً، بل يكتفي بالتوقيع الرقمي، ولا يجوز فرض معايير شكلية لبنانية أكثر تشدداً على معاملة قانونية تمّت خارج البلاد وتخضع لقانون أجنبي. كما إن القانون الرقم 81 الصادر عام 2018 بشأن المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، يقرّ بصحة التوقيع الإلكتروني».
ورغم الطابع الإيجابي للقرار في ما يتعلق بالزواج المدني، لا سيما المعقود «من بُعد»، إلا أنه يظلّ انعكاساً لقناعتها الشخصية، ولا يشكّل سابقة قضائية ملزمة أو مؤشراً على توجّه موحد لدى القضاء. إذ تختلف الآراء بين القضاة، ويبقى الأمر، في نهاية المطاف، رهن «حظ» الزوجين ومن يتولى النظر في قضيتهما. أضف إلى ذلك أن قرار ماجد لا يزال غير نهائي وقابلاً للاستئناف من قِبل الدولة.
وهذا يعني أن اللجوء إلى الزواج المدني الإلكتروني كوسيلة للالتفاف على تناقض الدولة في مقاربة هذا الملف يبقى محفوفاً بالمخاطر. وتزداد المخاوف حين يُطرح التساؤل حول مدى صحة عقود الزواج المعقودة وفقاً لقوانين أجنبية، والتعقيدات القانونية التي قد تنشأ في حال وقوع نزاع بين الزوجين. ففي ظل هذا الغموض، يُطرح سؤال أساسي: أيّ قانون يجب أن يُطبّق عند البت في القضايا الزوجية: القانون اللبناني، أم القانون الأجنبي الذي استند إليه الطرفان عند عقد الزواج؟ وهل تتماشى تلك القوانين الأجنبية بالضرورة مع الواقع الاجتماعي والثقافي في لبنان؟
ويشير المصدر القضائي نفسه إلى أن «القضاة درجوا على تطبيق القانون الأجنبي في كل ما يتعلق بزواج معقود خارج البلاد، سواء في مسائل الطلاق أو الحضانة أو غيرها»، مؤكداً أنه «ما دامت القوانين الأجنبية لا تتعارض مع النظام العام اللبناني، فلا تواجه المحاكم أي إشكال في اعتمادها». فمثلاً، لا يُعدّ عقد الزواج المدني بحد ذاته مخالفاً للنظام العام، لكن المشكلة تكمن في غياب قانون محلّي ينظّمه، ما يتركه في منطقة رمادية قانونياً.
أما زواج المثليين، المقبول في بعض الدول، فهو مرفوض تماماً في لبنان لأنه يُعدّ مخالفاً للنظام العام. وفي ظل هذا الواقع، سواء «نجت» بعض الزيجات المدنية المعقودة «من بعد» من التعقيدات الإدارية وسُجّلت، أم اصطدمت برفض الدولة، فإن الحل الجذري لا يكمن في الالتفاف القانوني، بل في إقرار تشريع محلي واضح ينظّم الزواج المدني على الأراضي اللبنانية، ويخفّف عن المواطنين عبء السفر وتكاليفه، ويكرّس حريتهم في اختيار شكل الزواج الذي يريدونه.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-الأخبار