تختلف القصص والتفاصيل، فبين من عادت بعد دفع فدية مالية، وأخريات انقطعت أخبارهن كليّاً، تبرز أيضاً حالات بيع أو تزويج قسري أو مقايضة بالمخطوفات، رغم أنّ بعضهن متزوجات أصلاً.
منذ اختفاء جهينة شعبان عبد الكريم وابنتها سيلينا محمود النقري في حي الغوطة بمدينة حمص، تعيش العائلة في دوّامة من القلق والضياع، بلا أيّ خيط واضح يقود إلى مكان وجودهما أو مصيرهما. كلّ ما يملكه أحد أقارب جهينة حتى الآن، وفق ما يقول لـ”النهار”، هو عبارة مقتضبة ينقلها عن أشخاص تواصلوا معهم “هي بخير… وسنحاول إرجاعها إليكم”، من دون أي تفصيل إضافي أو إثبات ملموس.
آخر ما تعرفه العائلة عن تحركات جهينة يعود إلى رسالة إشعار وصلت إلى هاتفها، تُفيد بوجود مبلغ ماليّ يمكنها سحبه من الشركة التي كانت تعمل فيها أو عبر برنامج مساعدات. يقول قريبها “خرجت لسحب المبلغ، لكنها لم تعد إلى المنزل بعدها، ومنذ تلك اللحظة انقطعت أخبارها تماماً”.
تفاقم غموض القضية باتصالات مشبوهة تلقّتها العائلة من جهات متعددة ادّعت امتلاك معلومات عن جهينة وابنتها، لكنها لم تقدّم أيّ دليل يثبت صحة مزاعمها. الأسوأ أن بعض أفراد الأسرة وقعوا ضحية استغلال، إذ يروي قريبها “شقيقي صدّق أحد هؤلاء المدّعين، فحوّل له مبلغاً مالياً مقابل وعود بإعادتها، لكنه اكتشف أنه وقع ضحية احتيال، وهاتف الشخص أصبح خارج الخدمة”.

حتى اللحظة، لا تملك العائلة أيّ رواية مؤكّدة عمّا حدث ولا أي مؤشرات حقيقية تقود إلى مكان جهينة وسيلينا.
74 حالة خطف موثق
74 حالة خطف وُثقت لفتيات ونساء مخطوفات في الساحل السوري، أُفرِج عن 41 منهن حتى الآن، لكن جميعهن يعشن تحت وطأة الخوف من مشاركة رواياتهن خشية الاعتقال مجدداً أو التعرض للتهديد بالقتل، وفق ما تشير إليه الناشطة الحقوقية أنانا بركات. تختلف القصص والتفاصيل، فبين من عادت بعد دفع فدية مالية، وأخريات انقطعت أخبارهن كليّاً، تبرز أيضاً حالات بيع أو تزويج قسري أو مقايضة بالمخطوفات، رغم أنّ بعضهن متزوجات أصلاً.
لا يمكن حصر هذه الظاهرة بسببٍ واحد أو سيناريو بعينه؛ فالمشهد أشد تعقيداً وخطورةً مما قد يتصور البعض. فصائل مسلّحة متعدّدة في سوريا متورّطة في هذه الجرائم، في ظلّ صمت ثقيل يخيّم على عائلات الضحايا المقيّدين بتهديدات مباشرة. وأمام هذا الواقع، تبقى النساء المختطفات هن الضحايا، ومصائرهن حتى الساعة مجهولة ومعلّقة.
لا يزال قريب جهينة شعبان عبد الكريم يتلقى اتصالات متفرّقة من أشخاص يدّعون أن جهينة وابنتها سيلينا معهم، لكن من دون أن يقدّم أي منهم دليلاً واحداً يؤكد روايته. وفيما تتكرر الوعود المضلِّلة، يبقى مصير الأم وابنتها معلقاً بلا خيط موثوق يبدّد ظلال هذا الغياب الثقيل.
وكحال كثير من العائلات التي خُطِفت بناتُها أو نساؤها، سارعت أسرة جهينة إلى إبلاغ الجهات الأمنية باختفائها. لكن المفارقة المؤلمة، وفق ما يقول قريبها، إنهم لم يلمسوا أيّ تحرّك جدّي من شأنه أن يبدّد مخاوفهم أو يقدّم إجابات. يختصر إحباطه بعبارة تردّدت على مسامعهم مراراً “نحنا عم نشتغل على الموضوع”.
في غياب أيّ إطار منسّق أو لجنة تمثّل العائلات المتضرّرة علناً، تبقى كل عائلة تجهد منفردةً للبحث عن خيط، مهما كان رفيعاً، يقود إلى الحقيقة. لا دعم، لا حماية، بل صمت ثقيل يلفّ القصة، وخوف يتعمّق مع التهديدات المبطّنة التي تصلهم “لا تثيروا الموضوع في الإعلام… وإلاّ ستُقتل الفتيات والنساء”.
وسط هذا المشهد، يبدو أن كل عائلة منكوبة بحادثة اختفاء، تُقاتل وحدها بقلقها وجهدها ودموعها بينما الإجابات ما تزال عالقة في مكانٍ ما، بعيداً عن الضوء.
شهد الساحل السوري في آذار/مارس 2025 موجة عنف دامية اجتاحت محافظتي اللاذقية وطرطوس، وامتدت إلى بعض المناطق في ريفي حماة وحمص، حيث اندلعت اشتباكات وأعمال قتل ونهب وتخريب.

لم تقتصر المواجهات على الاشتباكات بين قوات الأمن التابعة لحكومة المرحلة الانتقالية في دمشق وفلول النظام السابق بقيادة بشار الأسد، بل ترافقت مع أعمال انتقامية ذات طابع طائفي استهدفت مدنيين من الطائفة العلوية، مما فاقم حجم المأساة.
في هذا السياق، كشفت لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري منذ أيام عن نتائج تحقيقاتها، مؤكدة توثيق سلسلة من الانتهاكات الخطيرة، على رأسها القتل المتعمد. وقدّر عدد الضحايا بـ1426 شخصاً، أغلبهم من المدنيين.
وأشارت اللجنة إلى أن هذه الانتهاكات اتسمت باتساع نطاقها، وإن كانت غير منظمة، وتمكنت من تحديد هوية 298 شخصاً يُشتبه بضلوعهم في ارتكاب هذه الجرائم، مما يفتح الباب أمام ملاحقات محتملة في المستقبل.

عائلات مهددة و33 حالة لم يعرف عنها شيء
تعرف العائلات التي فقدت بناتها جيدًا أن مجرد التحرّك لكشف الحقيقة قد يعرّض حياتها للخطر. تجد هذه العائلات نفسها عالقة في دوامة معقدة: عاجزة عن إيصال صرختها إلى العلن، ومكبّلة بالخوف من مصير أسوأ قد يطال المخطوفات أو حتى من يحاول البحث عنهن.
وسط هذا التوجّس، تكثر الأقاويل وتتداخل السيناريوات من دون أي دليل ملموس. يشير أكثر من مصدر تحدّثنا إليه إلى تقارير متداولة عن نقل بعض المخطوفات من إدلب إلى العراق أو ليبيا، أو زجهن في خانة ما يُسمّى بـ”جهاد النكاح”. لكن كلّ ذلك يبقى في خانة الفرضيات، وسط غموض يلف كلّ تفصيل في ظاهرة الاختفاء المتصاعدة في الساحل السوري.
لكن الأخطر من تلك الروايات هو ما كشفه بعض الأهالي عن ضغوط تُمارَس لإظهار المخطوفات وكأنهن غادرن منازلهن بإرادتهن، بل ويُدفع ببعضهن أحياناً إلى طلب الطلاق أو تسجيل تصريحات توحي بأنهن هربن خوفاً من عائلاتهن أو بدافع علاقة عاطفية. ظاهرةٌ ملتبسة لا تخفيها العائلات، بل تزيد من ألمها وأسئلتها: محاولة واضحة لتبرئة الجهة الفاعلة وتجميل صورتها وتقديم النساء المخطوفات للرأي العام والمنظمات الدولية على أنهن هربن بمحض إرادتهن ولسن ضحايا.
تشير البيانات الموثقة لحالات الاختطاف إلى أن أعمار الضحايا تتراوح ما بين 15 و64 عاماً، مما يعكس استهدافاً واسع النطاق يشمل فئات عمرية مختلفة من النساء. وتؤكد الناشطة الحقوقية أنانا بركات في حديثها لـ”النهار” أن “عدد المخطوفات حتى الساعة، والتي تم توثيقها وصلت إلى 74 حالة، 41 منها عادت إلى عائلاتها في حين بقي 33 حالة لم يعرف عنها شيء حتى اليوم”.
واللافت أن من بين الضحايا المخطوفات، هناك 12 حالة لقاصرات دون سن الثامنة عشرة، وبعضهن تم تزويجهن بالقوة بعد خطفهن، مما يعتبر انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية والإنسانية في تزويج القاصرات.

ابنتها القاصر زُوّجت قسراً
تجسّد قصة “مهى”، وهو اسم مستعار، ابنة السادسة عشرة، الوجه الأكثر قسوةً لكيفية التعامل مع تزويج القاصرات تحت غطاء الشرع لا القانون.
في إحدى الشهادات الموثقة، خرجت “مهى” من منزل عائلتها في اللاذقية لشراء بطاقة شحن للهاتف، لكنها خُطفت في الطريق وفُقد أثرها كلياً. لاحقاً، بدأت والدتها تتلقّى اتصالات من الخاطفين يطالبون بفدية مالية لإطلاق سراح ابنتها، لكنّ الأمور انقلبت رأساً على عقب بعدما أطلقت الأم نداء استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي طلباً للمساعدة.
سرعان ما جاءها تهديد صريح: احذفي كل شيء، واصمتي عن الكلام إعلامياً، حينها فقط قد نعيد لكِ ابنتك. وهكذا تحوّلت مناشدة الأم إلى سلاح تهديد بيد الجهة الخاطفة يتحكم بمصير ابنتها المعلّق بين الخطف والزواج القسري.
لكنّ الصدمة الكبرى حلّت حين تمكّنت والدة “مهى” من رؤيتها في إحدى مناطق حلب، لتكتشف أنّ ابنتها القاصر قد زُوّجت قسراً وهي لم تكمل السادسة عشرة. كانت هذه الحقيقة قاسية عليها، فقالت للخاطفين “ابنتي قاصر! كيف زوّجتموها وهي بلا هوية ولا أوراق ثبوتية؟ هذا زواج باطل ويخالف كل القوانين الإنسانية والدولية”. فجاءها الردّ المثير للريبة “القانون عندك، بس الدين بيقول غير هيك”.
أصرّت على استعادة ابنتها، لكن الجواب كان حاسماً “هي تزوّجت ولا يمكنكِ إرجاعها”. ولم تمضِ ساعات حتى ظهرت ابنة الـ16 عاماً في فيديو مصوّر تقول فيه إنها “ذهبت بمحض إرادتها إلى حبيبها”.
وحتى لو سلّمنا جدلاً بهذه الرواية، فإن زواج القاصر يبقى خرقاً صارخاً للقوانين السورية والأحوال الشخصية والاتفاقيات الدولية، ولا يصحّ بأيّ حالٍ من الأحوال ما لم يتم بموافقة الوالدين، وهو ما لم يحدث هنا إطلاقاً.
يظهر في قصة “مهى” كما في عشرات القصص المماثلة، حجم التناقضات التي تُغلّف حكايات القاصرات المخطوفات. كيف يمكن أن يُصدَّق أن فتاة هربت “بمحض إرادتها” لتتزوج، فيما كانت الجهة نفسها قد طالبت قبل شهرين فقط بفدية مالية ضخمة، واضطرت العائلة حينها إلى بيع منزلها لتأمين جزء من المبلغ؟
تقول التفاصيل إن العائلة كانت تتفاوض مع الخاطفين بعد أن توصّلت إلى معلومة بوجود ابنتها في حلب. لكن المفاوضات تعثّرت. وحين أطلقت الأم نداء استغاثة عبر مواقع التواصل، تحوّلت قصة الخطف فجأة إلى “هرب” في رواية الجهة الخاطفة.

التوزيع الجغرافي لحالات الخطف
المسألة لا تقتصر على طرف واحد ولا تنحصر في سيناريو وحيد، بل تتداخل فيها مصالح متعددة وشبكات مختلفة وسط صمت مريب. تتساءل الناشطة الحقوقية أنانا بركات “لماذا لم نشهد حتى اليوم أي توقيف جدّي أو تحقيق شفاف في أي من حالات الخطف الـ70؟ كيف يُعقل ألّا يُحاسب أي جانٍ رغم كل هذه القصص؟ ولماذا لا يتحرك الأمن أحياناً إلا بعد إثارة القضية إعلامياً؟”.
للأسف، تواجه عائلات كثيرة ضغوطاً وتهديدات مباشرة تمنعها من البوح بما جرى أو الكشف عن تفاصيل اختطاف بناتها أو زوجاتهنّ. في بعض الحالات، لا يقتصر الأمر على الترهيب اللفظي، بل يصل إلى حدّ القطيعة الكاملة، إذ ينقطع الاتصال بالعائلات فجأة من دون أن تُخلف وراءها أي أثر.
في محاولة لرصد هذه الحالات، وتعقب المسار الذي اعتمدته الجهات الخاطفة عبر مختلف المحافظات، نلاحظ أن التوزيع الجغرافي للحالات المخطوفة شمل مدينة اللاذقية التي تصدرت المشهد بتسجيل 18 حالة اختطاف، تلتها طرطوس وحمص بـ16 حالة لكل منهما، ثم حلب بـ12 حالة، وريف حماة بـ11 حالة، فيما سُجِّلت في دمشق 9 حالات، إضافة إلى حالتين منفصلتين في كلّ من ريف حلب وسليمة.
يكشف هذا التوزيع الجغرافي دلالات لا يمكن تجاهلها، إذ يبرز بوضوح الاستهداف المركّز لمناطق ذات وجود كثيف للطائفة العلوية، التي شكّلت الأغلبية الساحقة من الضحايا، بينما سُجّلت حالات قليلة في أوساط الطائفة المسيحية، وواحدة من الطائفة الدرزية، وأخرى من الطائفة الشيعية.

حالة أخرى: أمل من اللاذقية
نجحت المفاوضات والوسائط في إطلاق سراح الفتاة “أمل” (اسم مستعار) التي خُطفت في اللاذقية، بعد دفع فدية مالية من قبل عائلتها. وتعتبر قصة أمل واحدة من بين 41 حالة خطف كُتب لها أن تعود بخاتمة أقلّ قسوة من المصير المجهول الذي لا تزال عشرات النساء والفتيات عالقات فيه حتى اليوم، محتجزات في أماكن سرّية بلا أي أثر يفضي إليهنّ.
يؤكد أحد المتابعين للقضية أن “هناك حقيقة واحدة معلومة ولا يمكن لأحد التصريح بها، وهي أن أجهزة الأمن في سوريا متورطة بهذه الظاهرة وتستفيد منها. ويعود ذلك إلى أن الشبكة الفاعلة “منهم وفيهم”.
لم تكن محنة “أمل” سهلة. فقد اختُطفت مع طفلها الصغير بينما كان زوجها يقبع في المعتقل بتهمة حيازة سلاح. وأثناء فترة احتجازها، عُرض عليها -وفق ما يكشفه أحد المتابعين لقضيتها- الزواج بشيخ نافذ، لكنها رفضت. لكن هذا الرفض كلّفها ثمناً غالياً، إذ أُجبرت على حلاقة شعرها ورموشها بالكامل كفعل انتقاميّ يهدف إلى إذلالها وكسر إرادتها”.
ومع ذلك، أسفرت الوساطات والمفاوضات المضنية عن إطلاق سراحها وإعادتها إلى منزل عائلتها، لكن بشرط صارم: ألّا تفصح عن أيّ تفاصيل عمّا عاشته لتظلّ قصتها مثل قصص كثيرات غيرها طيّ الكتمان ومرتهنة لسطوة الخوف والتهديد.
في هذا السياق، تشدّد الناشطة الحقوقية أنانا بركات على أنّه “لا يمكن حتى اللحظة تحديد تفسير منطقيّ أو سبب موحّد لعودة بعض المخطوفات دون سواهن”. وتضرب مثالاً بحالتين تكشفان حجم التباين: ففي حالةٍ أولى، أُجبرت العصابة على إطلاق سراح فتاة في اليوم التالي لاختطافها، بعدما نجح أبناء بلدتها في ملاحقة السيارة التي كانت تقلّها ورصد حركة المتورّطين، فما كان من الخاطفين إلا أن رموها في الأحراش لتفادي كشف هويتهم.
أما في الحالة الثانية، فتعود لفتاة من الطائفة العلوية، دفعت عائلتها فدية مالية باهظة وتمكّنت من استعادتها، بعكس عائلات أخرى دفعت مبالغ طائلة لكنها لم تنل سوى المزيد من الغموض والمماطلة.

ترى الناشطة أنّ “الأسباب والدوافع التي تحكم عودة بعض المخطوفات وبقاء أخريات في الأسر متشابكة ومتعدّدة، يلفها الغموض حيناً والوساطات والمفاوضات حيناً آخر”.
في المقابل، يتحدث المصدر عن “شكوك تدور حول إعطاء بعض الفتيات والنساء المختطفات أنواعاً مخدرة تعطيهم شعوراً بالراحة والطمأنينة لإبعاد أيّ شبهات خلال تصويرهن أمام الكاميرا عندما يتحدثن عن رغبتهن في الطلاق “.
وبرغم أن هذه الفرضية لا تزال ضمن دائرة الشكوك حتى تثبتها الأدلة أو تنفيها التحقيقات، فإنها تفتح الباب واسعاً أمام أسئلة مؤلمة، لتبقى كل السيناريوات مطروحة في ملف المخطوفات السوريات.
روايات متناقضة وأسئلة مُعلّقة
مي سلوم أم لثلاثة أطفال، وهي واحدة من النساء اللواتي ظهرن في مقطع مصوّر بتاريخ 24/6/2025 (هي محجبة) تتحدّث فيه أنها “عند صديقتها في حلب بإرادتها ولا تريد العودة إلى الساحل”. في الخلفية، نسمع صوت رجل يسألها إن كانت مختطفة، فتُجيب بـ”لا”، مؤكدةً أنها لا تريد العودة إلى الساحل، في حين نفت العائلة ما جاء في الفيديو على لسان ابنتهم مي التي خُطفت في 21/6/2025، واعتبرت أن ما جاء في الفيديو “أُرغمت على تسجيله ولُقِّنت فيه ما قالته”.

ورأت العائلة أن ما جاء في الفيديو مُلفّق بالكامل، فهي لم تتصل بنا أبداً كما ادّعت، ولا صديقة لها في حلب، ولا خلافات عائلية قد تدفعها للهرب وترك أطفالها الذين تحبهم بجنون.
تعيش عائلة مي حالة قلق وخوف، فلا مطالب بفدية ولا خيط يقود إلى مكانها أو مصيرها. تقول شقيقتها مهد في حديثها لـ”النهار”: “ليتهم طلبوا فدية… على الأقلّ قد يعيدونها!”. تُدرك العائلة أن المسألة أخطر من مجرد اختطاف، وأن ما يجري مفتوحٌ على أسوأ السيناريوات: القتل أو الإخفاء إلى الأبد، وسط صمت مريب.
تعترف بأن قضية شقيقتها “كسرتها”، لذلك تولى شقيقاها المسألة برمتها من البحث والتحري والتواصل مع الجهات الأمنية الرسمية وكل التفاصيل المتعلقة بهذه القضية.

كل ما تطلبه مهد هو “أن يعيدوها إلينا، حتى لو رموها على الطريق بس مهم ناخدها، حتى لو كانت بقاياها بس مهم ناخدها”. تخونها دموع، وتختنق بصوتها، وتطلب أن تُكمل حديثها كتابة لأنها لم تعد قادرة على مواصلة الكلام. تتداخل السيناريوات السيئة التي تسيطر على تفكيرها، تارةً ترتعد من فكرة القتل والإخفاء، وتارةً أخرى تتمسك ببصيص أمل ألا يكون ذلك قد حدث. تقول: “أحاول ألا أستسلم للأفكار السلبية لكننا نعيش في العتمة. لا نعرف عنها شيئاً، ولا نملك سوى الانتظار؛ وأصعب ما فيه أنه مفتوح على كل الاحتمالات”.
وبرغم كل الغموض الذي يلفّ قضية مي سلوم كما باقي النساء والفتيات المخطوفات، تؤكد شقيقتها مهد “أكيد خايفين بس الله رح يحميها”.
وإزاء اختلاف الروايات بين ما ترويه عائلات المخطوفات عن عمليات خطف واغتصاب وتزويج قسري وبين ما يؤكّده أكثر من ناطق رسمي تكمن الثغرة الحقيقية. خرج عضو لجنة السلم الأهلي الشيخ أنس عيروط في تصريح صادم ينفي فيه أيّ حادثة خطف للنساء، ويؤكد في إحدى المقابلات المصورة أنه “والله لا يوجد أي حادثة خطف للنساء في الساحل، والحادثة التي سمعنا بها كانت مزورة ومفتراة”، مشيراً إلى أن ” الوضع في منتهى الأمن والأمان”.
وقد حاولنا مراراً الاتصال بالشيخ أنس عيروط للحصول على تعليقه وتوضيح موقفه حيال ما يجري في الساحل السوري، إلا أن جميع محاولاتنا باءت بالفشل، ولم نتلقَّ أيّ رد منه حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
في المقابل، صدر منذ أيام تقرير للأمم المتحدةأشار فيه الخبراء إلى قلقهم الشديد حيال تقارير تتحدث عن اختطاف 38 امرأة وفتاة من الطائفة العلوية، في عدد من المحافظات السورية، من بينها اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص ودمشق وحلب، وذلك بين آذار/مارس 2025 وحتى اليوم.
وراوحت أعمار الضحايا بين 3 أعوام و40 عاماً، وقد جرى اختطافهن في وضح النهار أثناء توجههن إلى مدارسهن، أو خلال زيارات عائلية، أو حتى من داخل منازلهن. وفي حالات عدّة، تلقّت عائلات الضحايا تهديدات صريحة، وطُلب إليهن عدم متابعة التحقيقات أو الحديث عن الحوادث في العلن.
كذلك، تحدث التقرير عن تورط جهات أمنية أو أفراد مرتبطين بمؤسسات الحكومة الانتقالية في بعض الحالات، مطالبين السلطات بتحمل مسؤولياتها وفق القانون الدولي في حماية النساء والفتيات من العنف، وتأمين العدالة والرعاية النفسية للمُتضررات.
التاريخ يُعيد نفسه بأسماء جديدة
حرصت الناشطة الحقوقية أنانا بركات على توثيق الانتهاكات والاعتداءات التي استهدفت النساء والأطفال منذ عهد النظام السابق، مؤكدة أن دفاعها عن حقوق الإنسان لا يعرف الاصطفافات.
برأيها “حين تُطالب بحق الإنسان، فلا يمكن أن تكون موالياً أو معارضاً لأحد. الغريب أنه عندما بدأت أرفع الصوت ضد الانتهاكات التي تطال النساء والفتيات، اتُّهِمت بأنني ضد النظام، واليوم اتهَم أيضاً بأنني ضد النظام الحالي!”.
لا يخفى على أحد أن عملية “سبي النساء” ليست بجديدة، وقد ظهرت جلياً في مأساة الإيزيديات، ثم امتدت إلى سوريا عام 2013، حين خُطفت 156 امرأة وطفلاً من ريف اللاذقية شمال شرقي البلاد. آنذاك، كانت “جبهة النصرة” واحدة من الفصائل المشاركة والمتورطة في عمليات الخطف، وقد جرى توثيق تلك الحالات ضمن تقرير لـ”منظمة العفو الدولية” وتابعتها ناشطات حقوقيات، ومنها أنانا بركات، حتى تمّ تحريرهن في ما بعد على دفعات.
اليوم، يعيد التاريخ نفسه بوجوه وأسماء جديدة، إذ تتكرّر الانتهاكات نفسها لكن بأدوار ومسميات أخرى، لتتصدّر “هيئة تحرير الشام” واجهة هذه العمليات، إلى جانب فصائل متشددة أخرى، فيما تبقى النساء والفتيات الحلقة الأضعف في دوامة العنف والإتجار والاستغلال.
تواصل الناشطة بركات توثيق حالات الخطف يوماً بيوم. وقد بدأت رحلة الرصد في كانون الأول/يناير 2025 بتسجيل حالتين، لتتسارع وتيرة الانتهاكات في الأشهر التالية. ففي شباط/فبراير، تم توثيق 9 حالات، تلتها 14 في آذار/مارس و14 أخرى في نيسان/أبريل. وواصل الأمر تصاعده مع تسجيل 16 حالة في أيار/مايو، و10 في حزيران/يونيو، ثم 3 في تموز/يوليو.
وبين تلك المخطوفات الضحايا، امرأة تبلغ 65 عاماً، من منطقة جبلة في محافظة اللاذقية. أثناء محاولتها سحب مبلغ من الصراف الآلي، اقتربت منها امرأة وعرضت توصيلها. استجابت الضحية وركبت السيارة، ليتم نقلها إلى الكورنيش الجنوبي، حيث احتُجزت في منزل.
هناك، سمعت أصوات فتيات أخريات محتجزات معها. وتروي المرأة، بحسب سجلات التوثيق التي تعدها الناشطة الحقوقية، أنه في اليوم التالي، جاء المسؤول وسأل عن سبب اختطاف امرأة في هذا العمر، معبراً عن دهشته “إنها كبيرة في السن، لماذا تم خطفها؟”.
اُطلق سراح المرأة التي خُطفت ليوم واحد فقط، وأمرها المسؤول بالمضي قدماً وعدم النظر إلى الوراء، محذراً إياها من أن أي تراجع قد يكلّفها رصاصة. عادت إلى منزلها، وتقول المرأة “كانوا يريدون مقايضتي، لكنني فقيرة ومريضة وكبيرة في السن، فلم يكن لهم أي فائدة مني، لذلك أطلقوا سراحي ورجعت إلى بيتي”.
فصائل عديدة متورطة
تختلف القصص والدوافع التي ترافق كل مخطوفة. ولكن برأي الناشطة بركات “هناك فصائل متورطة في قضية الاختطاف. بعض الحالات متورط فيها فصائل راديكالية بفكرها المتعلق بالسبيّ وبيع النساء، بينما يظهر أن جزءًا من الأمن العام متورط في القضية، إما بالتغطية، وإما بالتقاعس عن متابعة الملفات بجدية”.
وأفاد بعض الأهالي في شهاداتهم بأن “هناك اهتماماً من الأجهزة الأمنية، لكنه لم يثمر عن نتائج ملموسة على الأرض”، في حين وصف آخرون الوضع بأنه “انعدام كامل للاهتمام”. وذكر أحدهم أن “بعض العناصر الأمنية لا يجيدون القراءة والكتابة، ولا يمتلكون التأهيل أو التدريب اللازمين لتحمل هذه المسؤولية”.
أما الأخطر من ذلك، فهو وجود تواطؤ بين بعض عناصر الأمن والخاطفين، عبر التستر على الوقائع وتضليل الحقيقة، مما يعمّق الأزمة ويعقّد جهود البحث.
إلى جانب ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى نقطة جوهرية أخرى لا يمكن الإغفال عنها، وهي الإفراج عن جميع المحتجزين والمعتقلين في السجون مع سقوط نظام الأسد. وكان البعض منهم معتقلاً بقضايا الرأي، وكان لا بدّ من الإفراج عنهم.
لكن في المقابل، ضمّت السجون أيضاً فئة محكومة بتهم جنائية خطيرة، كالسلب والنهب والقتل. وفي ظل الانفلات الأمني الحاصل، فتحت هذه الثغرة الباب أمام احتمالات خطيرة، إذ قد يكون بعض هؤلاء اليوم متورطين في عمليات خطف وابتزاز مقابل فديات مالية، أو في أعمال احتيال منظم.
ويُلاحظ بوضوح أن المناطق التي تحتضن الفتيات والنساء المخطوفات تقع في حمص وإدلب. لذلك تناشد الناشطة الحقوقية كل المنظمات الدولية التحرك الفوري، وممارسة الضغط ورفع الصوت عالياً بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء والفتيات من الطائفة العلوية، والعمل على إنقاذهن وتوثيق كلّ ما يجري في سوريا بدقة وشفافية.
تهديدات بالقتل أو الأذية
في رحلة البحث عن صور وقصص النساء والفتيات المخطوفات، لكل واحدة قصتها وتفاصيلها الخاصة بها، ولكل واحدة مصير معلقٌ بانتظار لحظة الإفراج. لم تُختطف جميعهن من الطرقات وإنما تعرض بعضهن للخطف من داخل منازلهن، كما في قصة نور (اسم مستعار)، البالغة 29 عاماً، والتي خُطفت من منزلها عند الساعة الخامسة فجراً.
نتحفظ عن ذكر الأسماء الحقيقية حفاظاً على سلامة المخطوفات وعائلاتهن، نظراً إلى التهديدات الخطيرة التي تواجههن، منها القتل أو الأذى، في حال الإفصاح للإعلام. الوضع هشّ وخطير للغاية، حيث رفضت العديد من العائلات التحدث خشيةً على حياتها وحياة بناتها.
يروي زوج نور المقعد لـ”النهار” تفاصيل حادثة الخطف التي وقعت في منزل قريبته، حيث لجأ لحماية عائلته، ليجد نفسه محاصراً في دوامة العنف والخطف. ويقول لـ”النهار” إننا “شهدنا حملة واسعة شنها مسلحون في منطقة سلحب في سوريا، حيث ارتُكبت فظائع بشعة شملت القتل والخطف والسلب، وأصبح الوضع الأمني كارثياً بكل المقاييس”.
لم يعد سكان المنطقة قادرين على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وبات التنقل بحرية محفوفاً بالمخاطر. ويؤكد الزوج أن “كل شخص يخرج من منزله يخاطر لأنه لا يعلم إن كان سيعود سالماً. ولم يعد أحد يجرؤ على الخروج بعد الساعة الرابعة عصراً”.
تحوّلت المنطقة، وفق ما يصفها، إلى “بقعة رعب حقيقية”، حتى من بقي داخل بيته لم يعد يشعر بالأمان. اقتحم المسلحون المنازل وسحبوا الناس من عتبات بيوتهم، وارتكبوا مجازر لا يمكن وصفها. يوضح الزوج في حديثه لـ”النهار” بالقول “زوجتي خُطفت أمام عتبة منزلنا… ما أن فتحت الباب حتى سحبوها بقوة، ولم أستطع فعل شيء”.
هذه الزوجة والأم لطفل واحد عمره ثلاث سنوات لم يُعرف عنها شيء قبل أن يتلقى زوجها اتصالات من الجهة التي خطفتها تُطالبه بتطليقها. ظنّ الرجل أنّه بالانتقال إلى منزل قريبته سيتمكّن من حماية عائلته وتأمين تنقّلاته خوفاً من أي استهداف جديد، لكنّه لم يسلم من الكأس نفسها، فامتدّت إليه يد الخطف أيضاً.
يتذكّر الزوج تلك الليلة بتفاصيلها المؤلمة. “كنا أنهينا السحور في رمضان، وكعادتنا كل ليلة، تزورنا ابنة عمتي التي تسكن بجوار بيت قريبتي فجراً. عندما طرق أحدهم الباب، ظننا جميعاً أنّها هي. لكن ما أن فتحت زوجتي الباب حتى صرخت وهي تستنجد بي: “دخيلك لحقني”. زحفتُ إليها بكل ما أوتيت من قوة، فأنا مصاب بشلل في أطرافي السفلية، لكني لم ألحق بها. سمعتُ فقط صوت السيارة تهرب مسرعة، اختفت السيارة ومعها زوجتي إلى مكانٍ مجهول”.
حالة نور ليست الوحيدة في المنطقة، فقد شهدت الأحياء المجاورة على حالات اختطاف عديدة، كان آخرها قبل ليلةٍ واحدة فقط من خطف نور، وفي التوقيت نفسه تقريباً.
تلقى الزوج اتصالات من الجهة المخطوفة، وآخرها كان من زوجته نفسها التي طالبته بـ”الطلاق”. يؤكد الزوج أن “كل الاتصالات كانت تتمحور فقط حول طلب الطلاق، من دون أي حديث عن فدية مالية أو شروط أخرى، بخلاف ما يحصل مع حالات خطفٍ أخرى”.
تقصير أمني ورسمي
يعيش الزوج تحت وطأة ضغطٍ نفسي هائل لإجباره على قبول الطلاق، إذ طُلب منه وفق ما يقول أن “يُنجز الطلاق بأسرع وقت ممكن وإلا ستكون حياته مهددة بالخطر”. وفي آخر اتصالٍ ورد إليه، تحدّثت زوجته معه مباشرةً، وقالت له “ما بعرف أنا وين، ما في وقت بس كرمال ما يعذّبوك أو يؤذوك، كرمالك أنا بطلّق، وهني عم بسجّلوا المكالمة”.
وعن الهدف من طلب الطلاق للمخطوفات المتزوجات، يرى الزوج أنه قد يخفي وراءه غايتين، “الأولى الترويج أمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية لفكرة أن الزوجات يطلبن الطلاق “بإرادتهن” ونفي واقع الاختطاف وتبرئة الجهة المسؤولة. أما الغاية الثانية، فهي “تزويجهن وأخذهن كسبايا”.
وأمام هذا الغموض والضغوط المتزايدة التي تحيط بملف النساء والفتيات المخطوفات، يشدّد كل من تحدّثنا إليهم على حقيقة مؤلمة هي “تقصير الجهات الأمنية والرسمية في متابعة البلاغات المتعلقة بحالات الخطف، وعدم التعامل معها بالجدية والسرعة المطلوبتين”، وفق ما أكدوه لـ”النهار”.

وقد ترافقت عمليات الخطف مع سلوكيات مريبة اعتمدها الخاطفون، من بينها شبهات باستخدام مواد مخدّرة تُعطى بعض الفتيات لضمان ظهورهن بمزاج جيّد أمام الكاميرا خلال تسجيل مقاطع الفيديو الموجّهة إلى عائلاتهن أو للرأي العام.
لكن ما يزيد الريبة أكثر أن إحدى المختطفات أفادت بتعرّضها لسحب دم وخضوعها لفحوصات طبّية رغم عدم معاناتها من أيّ عارض صحّي، م فتح باب التساؤلات حول فرضية أخطر تتجاوز الخطف مقابل الفدية، لتصل إلى شبهة الإتجار بالأعضاء البشرية.
في واحدة من الحالات الموثّقة، أُطلق سراح إحدى الفتيات المخطوفات، لكن لم تكد قصتها ترى النور عبر تحقيق نشرته وسيلة إعلامية، حتى أُعيد خطفها مجدداً لتُواجه الضرب المبرح والتهديد الصريح، إذ قيل لها بوضوح “إذا ظهر اسمك مجدداً في الإعلام، فستكونين أنتِ وعائلتكِ بخطر”.
وفي حالة أخرى، تقبع إحدى المخطوفات حالياً في المستشفى بعد تدهور حالتها الصحية بشكل حادّ، إذ تبيّن أنها تعرّضت لاعتداء جسدي عنيف نجم منه فقدان للذاكرة. ونتيجة سوء حالتها، رفضت عائلتها الإدلاء بأيّ تصريح أو كشف تفاصيل ما جرى خوفاً من العواقب.
وتوثّق الوقائع أيضاً حالتَي خطف لفتاتين عادتا إلى عائلتيهما بعد دفع فدية مالية. لكن الأهل اختاروا الصمت المطلق، رافضين توجيه الاتهام لأيّ جهة. واكتفى أحد ذوي الفتاتين بالقول “وضع ابنتي النفسي سيئ جداً، ولا نريد الانجرار إلى أيّ سجال أو مواجهة، ونرجو ألّا تتواصلوا معنا مجدداً”.
كذلك عادت إحدى النساء المخطوفات، وهي متزوجة، لتطلب الطلاق على الفور وهي في حالة نفسية متدهورة، في حين أُطلق سراح امرأة أخرى بعدما أدلت بمعلومات حساسة عن مخطوفات أخريات. لكن ما لبثت أن اختفت مجدداً وانقطع أثرها كلياً، وسط روايات متضاربة عن اعتقالها أو إعادة اختطافها.
في حين روت مخطوفة عائدة أنها “كادت تُزوّج لرجل أجنبي”، إذ أخبرتها الجهة الخاطفة بأنه يحقّ لهم تزويجها بعد مرور ثلاثة أشهر لكونها متزوجة أصلاً. وحين أطلقت عائلتها نداءً للرأي العام موضحةً بأنها مطلقة ولديها طفل، تلقّت الفتاة تهديداً صريحاً من أحد الخاطفين قائلاً لها: “كذبتِ علينا! كان عليكِ أن تقبلي يا غبية، لأنك كنت ستخرجين من سوريا”.
وثمة حالات أخرى لمخطوفات متزوجات تمّ تزويجهن قسراً، إذ تؤكد شهادات أن إحداهن “تم التكبير على رأسها” لتُعتبر شرعاً زوجة للخاطف، ولتصبح ملكاً له، فيما تُجبر أخريات على ممارسة ضغوط نفسية على أزواجهن لدفعهم إلى تطليقهن، في محاولة لإضفاء غطاء شرعي زائف على هذه الانتهاكات الصارخة بحق النساء.
تفاصيل اللحظات الأخيرة
في اتصال سريع ومقتضب، يتحدث والد المخطوفة فاتن، ابنة الـ28 عاماً (متزوّجة وأم لطفل يبلغ 5 أعوام) تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل اختطافها. ويقول لـ”النهار” إنها “كانت الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر يوم 13 نيسان 2025، عندما استقلت ابنتي سيارة أجرة من مدينة صافيتا السورية. كانت تتواصل مع زوجها عبر الهاتف، ثم انقطع الاتصال فجأة”.
ومنذ ذلك اليوم، تعيش العائلة في ظلام الانتظار بلا أي خيط يقود إلى مصير فاتن أو مكانها، إذ لم يتواصل معهم أحد ولم تصلهم أي معلومة حتى اللحظة. ويؤكد والدها أنه “أبلغنا السلطات وقمنا بكل الإجراءات القانونية اللازمة، لكننا لم نتلقَّ أي معلومة حتى الآن”. ولا يُخفي أنه يشعر بالقلق على ابنته، “فنحن لا نعرف عنها شيئاً”.
تطول قائمة المخطوفات وقصصهن التي لم تُروَ بعد. وهذه بعض القصص التي نجحنا في توثيقها، بينما تبقى قصص كثيرة أخرى مجهولة المصير. فهل من يرفع الصوت ويطالب علناً بإعادة المخطوفات وعدم تهديد عائلاتهن بالقتل والملاحقة؟
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية