خصّصت وسائل الإعلام الروسية حيزاً كبيراً من صفحاتها وفترات بثها للحديث عن القمة السورية الروسية التي جمعت الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين في موسكو، على حين أثارت التسعون دقيقة، زمن الاجتماع المغلق بين الرئيسين وما غاب من تفاصيل عن التقارير الإعلامية، اهتمام الأوساط الإعلامية والسياسية في تركيا، وجعلتها تغوص بين تخمين وتحليل لما تم الاتفاق عليه أو مناقشته خلال الزيارة في محاولة لفهم الرسائل الموجهة إلى أنقرة.
واستضافت موسكو القمة السورية الروسية مساء الإثنين الماضي، وتركزت المباحثات خلالها على التعاون المشترك بين البلدين في عملية مكافحة الإرهاب واستكمال تحرير الأراضي السورية التي ما زالت تخضع لسيطرة الإرهابيين، إضافة إلى ملفات التعاون الثنائي القائم بين البلدين والإجراءات المتخذة لتوسيعه وتطويره تحقيقاً للمصالح المشتركة.
وإضافة إلى القمة الموسعة عقد الرئيسان الأسد وبوتين جلسة مباحثات مُغلقة استمرت 90 دقيقة، وبعدها انضم إلى تلك الجلسة وزيرا الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، والدفاع الروسي سيرغي شويغو لمدة 45 دقيقة إضافية، حيث أصبح زمن الاجتماع بين الرئيسين نحو الساعتين وربع الساعة، وذلك حسب ما تحدثت لـ«الوطن» مصادر مطلعة من موسكو.
وأوضحت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية «ريا فان»، أن قمة الرئيسين الأسد وبوتين كانت مهمة على صعيد المسائل التي تم بحثها ولاسيما القضايا الدولية والاقتصادية وما يتعلق بالتعاون بين الجانبين، وذلك وفق ما ذكرت وكالة «سانا».
وبيّن الباحث السياسي والمؤرخ فلاديمير موجيغوف، أن لقاء الرئيسين تناول أيضا القضايا الجيوسياسية وخاصة الأطماع التركية «إذ إن غطرسة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان لا تعرف حدوداً مع أحلامه باستعادة الإمبراطورية العثمانية وهو يعتبر أراضي دول معينة أراضي تركية ويمارس سياسة تتماشى مع ذلك»، بحسب «سانا».
بدوره أعلن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيميون باغداساروف لوكالة «فان» الروسية، أن الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري كانت مطروحة على جدول أعمال القمة.
موقع «ياندكس رو» الروسي، أوضح أن هناك أطرافاً تعمل على عرقلة عملية الحل السياسي للأزمة في سورية من خلال محاولة إفشال مخرجات اجتماعات الحوار السوري السوري في سوتشي وأستانا وجنيف.
من جانبها، قناة التلفزة الروسية «رين ت ف» وصفت لقاء القمة بين الرئيسين الأسد وبوتين بالمهم «سياسياً» مشيرة إلى أنه تم الحديث عن الوضع في سورية وما ينبغي القيام به مستقبلاً.
ولفتت إلى أن الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري غير إنسانية وغير أخلاقية وغير قانونية ويضاف إليها الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية على الأراضي السورية.
على خطٍّ موازٍ، نقلت مصادر إعلامية داعمة لـ«المعارضات» أمس عن مصادر تركية مطلعة: أن أنقرة تتابع التطورات وتحاول فهم النتائج منها، في وقت يجري فيه وفدان عسكريان، تركي وروسي لقاءات في المنطقة الحدودية، بظل مطالب روسية لانسحاب الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية وقوات الاحتلال التركي من بعض المناطق بمحيط إدلب.
وذكرت المصادر المطلعة، أن أنقرة تعتقد أن زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو لا ترتبط فقط بالتطورات الميدانية، بل لها ارتباطات بالحراك الدبلوماسي بين الدول المعنية.
من جهته تناول الكاتب في صحيفة «خبر تورك»، محرم صري كايا، الموضوع من زاوية رسالة بوتين عن القوات الأجنبية وإن كانت أنقرة مقصودة منها، مشيراً إلى أن التصعيد الذي تضاعف في المنطقة كان واضحاً منه التصعيد المستقبلي في إدلب، لافتاً إلى أن لقاءات الرئيس بوتين السابقة مع الرئيس الأسد تبعتها عمليات تحرير مناطق يسيطر عليها الإرهابيون، معتبراً أن كلام الرئيس بوتين عن القوات الأجنبية كان لافتاً.
وخلال القمة كان الرئيس بوتين أكد للرئيس الأسد أن المشكلة تتمثل في أن قوات مسلحة أجنبية توجد على الأراضي السورية من دون موافقة الأمم المتحدة ومن دون إذن منكم وهذا يتناقض بوضوح مع القانون الدولي ولا يسمح لكم ببذل أقصى الجهود للسير على طريق إعادة إعمار البلاد بالوتائر التي كانت ممكنة في حال سيطرة الحكومة الشرعية على جميع الأراضي.
ومنذ بدء الأحداث في سورية في آذار 2011 عمل نظام أردوغان من بلاده ممراً للإرهابيين الأجانب من كل أصقاع العالم إلى سورية، وقدم لهم الدعم، وقام باحتلال العديد من المدن والقرى والبلدات في شمال سورية.
وفي السياق تطرق الكاتب في صحيفة «حرييت» سدات أرغون للزيارة وللرسائل الروسية، مدعياً أن النظام التركي يسعى لصد أي عمل عسكري على منطقة إدلب، وزاعماً أن أي عمل في المنطقة سيؤدي لموجة نزوح كارثية بالمنطقة.
ولفت أرغون إلى أن نهاية الشهر الحالي ستشهد قمة ثلاثية تضم الرئيس بوتين ورئيس إيران إبراهيم رئيسي، وأردوغان، ضمن مسار أستانا، مدعياً أن التصعيد في إدلب يزداد قبيل القمة، من أجل تقوية روسيا لموقفها أمام المفاوضات الجارية مع أنقرة وزيادة أوراق الضغط لتكون الزيارة والتصعيد ضمن هذا الإطار.
من جهته، علّق الكاتب كورشاد زورلو على قمة الرئيسين الأسد وبوتين، قائلاً: «ينتظر في الأيام القادمة عقد لقاء في جنيف بين خبراء روس وأميركيين حول سورية، وربما هذا الاجتماع سيؤدي إلى تأثيرات على التوازنات التي أقامتها تركيا في هذه المنطقة ولهذا يمكن اعتبار أن التصعيد يزداد فيها».
ولفت زورلو إلى مديح الرئيس بوتين للرئيس الأسد وتوجيه رسائله للعالم، وقال: «من الواضح مما حصل أن الأوضاع تسخن بمحيط إدلب، وهنا تحضر أهمية عودة الثقة والأمان في العلاقات التركية الروسية، وخاصة في مرحلة تطبيع تركيا لعلاقاتها الخارجية ولهذا فإن شكل العلاقة مع أميركا سيحدد العلاقة مع روسيا».
وكانت مصادر مطلعة في موسكو، أوضحت لـ«الوطن» أن انضمام وزير الدفاع الروسي إلى المحادثات يعكس تمسك القيادة الروسية إلى جانب دمشق في مسألة استكمال تحرير الأراضي، حيث تعتبر القيادة الروسية أن استكمال تحرير الأراضي قضية لا يمكن التراجع عنها.
وأشارت المصادر إلى أن انضمام وزير الدفاع الروسي إلى الاجتماع المُغلق يعني أن الأولوية بالنسبة لموسكو هي للتحرير ولاسيما أن الرئيس الأسد في المقابل هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة.
وجاءت القمة بين الرئيسين الأسد وبوتين بالتزامن مع إعادة الجيش العربي السوري الأمن والاستقرار إلى حي «درعا البلد» وللعديد من البلدات والقرى في محافظة درعا ومواصلته العمل على ذلك.
كما جاءت القمة بالتزامن مع تكثيف وتوسيع سلاح الجو الروسي مؤخراً دائرة استهدافه التي رسمها للنيل من التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة الموالية للنظام التركي في منطقة «خفض التصعيد» بإدلب والأرياف المجاورة لها، في رسائل استياء واضحة تستهجن وتستنكر تصرفات النظام التركي الذي باتت تستهويه سياسة تجاهل التفاهمات مع الجانب الروسي فيما يتعلق بإدلب التي يسيطر على جزء كبير منها تنظيم «جبهة النصرة» المدرج على اللوائح الدولية للإرهاب.
(سيرياهوم نيوز-صحف روسية-الوطن)