| خالد زنكلو
يمارس نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبلا هوادة، حرباً نفسية في اتجاهات عديدة بعد إعلانه في 23 الشهر الماضي عن نيته اقتطاع جزء من الأراضي السورية الحدودية لإقامة ما يسمى «منطقة آمنة» بعمق 30 كيلو متراً.
وبين خبراء في الحرب النفسية أن نظام أردوغان استخدم الحرب النفسية أو السيكولوجية تكتيكياً وبشكل مخطط في تهديداته بالحرب ودعايته لشن عدوان على الأراضي السورية لترهيب وتضليل القوات العسكرية التي سيواجهها جيش احتلاله، وتبديل قيم وسلوكيات الرأي العام لإضعاف روحه المعنوية، مستغلاً فترة الاضطرابات الجيوسياسية التي أشعلتها وغذتها الحرب في أوكرانيا.
ورأى الخبراء في تصريحات لـ«الوطن»، أن أردوغان وجد الفرصة مناسبة للإخلال بموازين القوى وتغيير خريطة السيطرة شمال وشمال شرق سورية لمصلحته، مستفيداً من التناقضات الدولية التي أفرزتها الحرب في أوكرانيا، ولأهداف انتخابية داخل بلاده. ولفتوا إلى أنه استثار ردود فعل نفسية لدى الأطراف المعنية والفاعلة في الأزمة السورية لخلق تأثير في الدوافع والسلوكيات والاتجاهات، بهدف إحداث انشقاقات تخدم أهدافه العدوانية التوسعية.
وعدوا أن تسعير أردوغان أمس بتصريحات هدد فيها أمام برلمانه مجدداً بشن عملية عسكرية لاحتلال منبج وتل رفعت لإقامة «الآمنة»، يندرج في إطار الحرب النفسية لنظامه، بدليل أنه وعد بالعمل «خطوة خطوة في مناطق أخرى»، وأشارت إلى أنه سيرى «من الذي سيدعم هذه العمليات ومن سيحاول معارضتها»، في إشارة إلى روسيا والولايات المتحدة المعارضتين للعملية.
وأشاروا إلى أنه وفي ظل تخلي أردوغان ونظامه عن تقديم تفاصيل، باستثناء تصريح أمس، عن زمان ومكان عدوانه المزعوم داخل الأراضي السورية، فإنه دفع متزعمي ما يسمى «الجيش الوطني» الموالي له لكشف مسار العملية وحدودها وجبهات القتال التي ستشملها واكتمال الجهوزية والاستعداد للمعركة المرتقبة حيناً، ثم تأجيلها إلى أجل غير مسمى لكونها «شكلية» أحياناً أخرى، من أجل قياس أثر تصريحاتهم وردود الأفعال، على الرغم من أن القاصي والداني يعلم ويدرك أنهم ليسوا على دراية بأي خطط عسكرية وأنهم مجرد وسيلة لتحقيق غاياته ووقود حرب لنظامه.
وكشفوا أن نظام أردوغان وجه دعاياته النفسية للتنقل بين جبهات القتال المنتخبة لبدء وتوسيع عدوانه شمال وشمال شرق البلاد، فتارة يجري الحديث عن إلقاء منشورات شمال حلب إيذاناً ببدء العدوان تبين أنها قديمة، وتارة يتم التركيز على استقدام حشود عسكرية ضخمة لجيش احتلاله ومرتزقته في مناطق محددة مثل ريف حلب الشمالي الأوسط وباتجاه مدينة تل رفعت، ومرة أخرى نحو منبج وباتجاه عين العرب شمال شرق حلب، والتي حطم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي فقط الجدار الحدودي الذي أقامه فيها، ثم يوجه الأنظار إلى ريف حلب الغربي الذي يدخل في نطاق منطقة «خفض التصعيد» بإدلب، متناسياً ومتجاهلاً «الفيتو» الروسي والأميركي تجاه عبثه بمناطق نفوذ كل دولة على الخريطة السورية.
وأعرب الخبراء عن قناعتهم بأن أردوغان تجاهل عمداً الرسائل الروسية بحشد قوات وحماية أجواء خطوط التماس مع مناطق هيمنة جيش احتلاله ومرتزقته، وصولاً إلى الشريط الحدودي مع بلاده كاملاً في ريفي محافظتي الرقة والحسكة الشماليين، حيث عين عيسى وتل تمر وأبو راسين والمالكية والدرباسية، وغيرها من المدن والبلدات التي تشكل هدفاً لعدوانه وتقع تحت سيطرة ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية- قسد» الانفصالية والعميلة للاحتلال الأميركي، وذلك على أمل إحداث تغيير في الموقف الروسي وتباين في المصالح مع منافسه الأميركي.
وبينوا أن «قسد» ساهمت ومن غير دراية، في تعزيز أوار ومخرجات الحرب النفسية للنظام التركي من خلال المبالغة وعن عمد، بتضخيم حشوده العسكرية وتحركاته واستهدافه لمناطق نفوذها على طول جبهات القتال كتحضير للبدء بالمعركة، بهدف استدرار عطف واشنطن للتدخل الفوري وإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان، مع أن ما يجري على خطوط التماس ما هو إلا استمرار لعدوان متقطع منذ إعلان أردوغان نيته شن عملية عسكرية داخل الأراضي السورية في تشرين الأول الماضي، وليس وليد وعوده ووعيده بإنشاء «الآمنة» أخيراً.
وخلص الخبراء إلى أنه يمكن القول إن استعدادات النظام التركي الحقيقية للمعركة، لا يزال إلى الآن ضمن آلته الإعلامية والدعائية وفي إطار الحرب النفسية، في انتظار كسب نقاط ومواقف وتغير الضوء الأحمر الأميركي والروسي إلى أخضر يعزز فرضيته باستخدام الآلة العسكرية، إذ لا توجد مؤشرات ميدانية إلى الآن تؤكد وجود عملية عسكرية على أرض الواقع، بل مجرد تحضيرات على المستويات العسكرية والميدانية وحتى السياسية والدبلوماسية.
ومع استمرار روسيا بتوجيه الرسائل التحذيرية للنظام التركي من مغبة الإقدام على شن العدوان، جددت أميركا أمس رسائلها التحذيرية، حيث نقلت قناة «سكاي نيوز عربية» عن مسؤول في «البنتاغون» أن «إدارة بايدن أبلغت تركيا بأن أي توسع عسكري تركي في شمال سورية سيؤدي لتداعيات خطيرة على العلاقات الثنائية ومصالح المواطنين الأكراد».
وأضاف المسؤول: «واشنطن ستواصل دعم قوات سورية الديمقراطية وتقدر دورها في الحرب ضد داعش»، لافتاً إلى أن «البيت الأبيض لا يستبعد فرض الكونغرس عقوبات على تركيا إذا أقدمت على عمل عسكري في شمال سورية».
سيرياهوم نيوز3 – الوطن