يتواصل الشدّ والجذب على الساحة التونسية في ما بين الرئيس قيس سعيد ومُعارضيه، وسط غياب أيّ بوادر إلى تسوية يمكن أن تُخفّف الاحتقان السياسي، وتتيح التفرّغ لمعالجة الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية. وفيما يواصل سعيد تمسّكه بنهجه الأحادي، رافضاً الإصغاء حتّى إلى منظّمات المجتمع المدني، يتحضّر «اتحاد الشغل» لخوض معركته الأكبر منذ 25 تموز، في ما قد تكون له تأثيرات حاسمة على المشهد
تونس | لا يفوّت الرئيس التونسي، قيس سعيد، أيّ فرصة ليجدّد تمسّكه بحصريّة الرؤية والقرار، وفق ما أظهره آخر تجلّيات ذلك ليل الثلاثاء – الأربعاء، حيث خرج سعيد مزمجراً في وجه وزير خارجيته، احتجاجاً على رأي «لجنة البندقية» – المكوّنة من قامات القانون العام والدستوري في أوروبا – بالمراسيم الرئاسية الأخيرة، مفوّتاً فرصة خوض نقاش جدّي حول دور الكيانات المماثلة لتلك اللجنة، وجدوى انتماء البلاد إليها. وكانت مفوضية الاتحاد الأوروبي في تونس طلبت، بداية شهر أيار الماضي، من «البندقية»، إبداء الرأي في قرارات سعيد، ضاربةً بهذا عرض الحائط بالأعراف الدبلوماسية، على رغم ما دأب عليه التونسيون، سواءً سلطة أو معارضة، من اللجوء إلى اللجنة المذكورة لطلب رأيها في مسائل خلافية. وعلى إثر الطلب المُشار إليه، بدأت «البندقية»، التي تُعدّ فتاواها غير ملزمة ولكن ذات أهمية بالنسبة إلى مسائل الاقتراض والمساعدات المالية، الاستماع إلى الأحزاب المعارضة لسعيد، إضافة إلى مُمثّلي المجتمع المدني وشخصيات مستقلّة، فضلاً عن وزارة الخارجية التي مُنحت ثلاثة أيام فقط للردّ على الأسئلة المُوجّهة إليها. وفي نهاية هذه العملية، أصدرت اللجنة رأيها بخصوص الهيئة الانتخابية التي أنشأها سعيد حديثاً، داعيةً إلى حلّها، ومعتبرةً أن الاستفتاء المنتَظر لن يكون نزيهاً إذا أُجري في حيّز لا يتجاوز الشهرين.
ثارت ثائرة سعيد إثر ذلك، ليَخرج في إطلالة إعلامية جانَب فيها بروتوكولات الرئاسة، متسائلاً باستهزاء: «مَن هي لجنة البندقية؟»، ومُلوّحاً بإنهاء عضوية بلاده فيها «إن لَزِم الأمر». وسبق لسعيد أن اتّخذ الموقف نفسه حيال «وكالة التصنيف الائتماني» (موديز) عندما خفّضت التصنيف السيادي لتونس إلى «جيم» مع آفاق سلبية. كما سبق له أن انتقد سفراء «مجموعة السبع»، وردّ على انتقاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأوضاع في البلاد، بأن تونس «لم تَعُد إيالة عثمانية». أمّا المناسبة الوحيدة التي أحجم فيها عن التعليق، فكانت عقب تصريحات للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، حيث حُلّ «سوء الفهم» دبلوماسياً، وانتهى بتوضيح من وزير الخارجية الجزائري، رمطان العمامرة، بأن تبون لم يتدخّل في الشأن التونسي، ولم يقصد القول إن «سعيد حاد عن الديموقراطية».
حدّد «الاتحاد العام التونسي للشغل» 16 حزيران موعداً للإضراب العام
في المقابل، تُواصل حركة «النهضة» سعيها لاقتسام الفضاء العام مع سعيد، مُعوِّلة على «جبهة الخلاص الوطني» التي أُعلن تشكيلها رسمياً قبل أيام، علماً أن الأخيرة تُعدّ بمثابة إعادة إنتاج لمبادرة «مواطنون ضدّ الانقلاب» التي أخفقت في تحشيد الشارع لصالحها. تبرّع أحمد نجيب الشابي، الباحث عن الزعامة، للتربُّع على عرش الجبهة، معتبراً، خلال مؤتمر إعلان التأسيس، أن «سعيد أخطر ما مرّ على البلاد من دون منازع»، وأن «على الجميع معارضته والعمل على إزاحته». بدا الشابي، بذلك، ملَكياً أكثر من الملك نفسه، إذ إنه حتى زعيم «النهضة»، راشد الغنوشي، قال في حوار صحافي إن حركته لا تنكر مسؤوليّتها عن تردّي الوضع في البلاد، و«إن كانت لا تتحمّل وزره وحدها»، مبدياً استعداده للتفاوض حول مغادرة «النهضة» المشهد السياسي، «إن كان ذلك سيمثّل جزءاً من الحلّ». ولكنّ الشابي رأى أن ما مرّت به تونس، خلال عشرية كاملة، «كان ديموقراطية حقيقية»، مناقِضاً بهذا نفسه، وهو الذي انخرط في صفوف المعارضة قبيل انتفاضة 2011.
في خضمّ ذلك، تَبرز دعوة «الاتحاد العام التونسي للشغل» إلى إضراب عام في 16 حزيران الحالي، سيشكّل إذا ما نُفّذ حدثاً نقابياً وسياسياً فارقاً، قد يكون له تأثيره على المسار الذي يسلكه سعيد، كونه التحدّي الأكثر خطورة الذي يواجهه الرئيس منذ 25 تموز الماضي. وإن كانت مطالب الإضراب منحصرة بمنع خصخصة المؤسّسات الاقتصادية الحكومية، والتي يطلب «صندوق النقد الدولي» الموافقة عليها كجزء من الإصلاح مقابل التمويل، إضافة إلى التحكّم بالتضخّم المتسارع في البلاد، فإن المراقبين يقرأون مطلباً آخر في ما بين سطور الخطوة، عنوانه تذكير سعيد بأن خصومته مع «الاتحاد» لن تؤدي إلّا إلى اهتزاز حكمه.