| ناصر النجار
أخيراً تنفست كرة القدم الصعداء فخرج إلينا اتحاد كروي أغلبه قديم وأقله حديث.
والقدماء الذين يشكلون الثلثين من العدد يمتلكون من الخبرة الكثير، وبعضهم عليه إشارات استفهام عديدة لكنها رغبة المؤتمر الانتخابي الذي أعادهم إلى مواقع المسؤولية مرة أخرى، وبذلك تعتبر هذه الدورة الجديدة فرصة لكل هؤلاء لكي يثبتوا أنهم جديرون بالمسؤولية، وأن الماضي وما فيه من خروق و(تخبيص) وفوائد ولى إلى غير رجعة.
ولاشك أن تقاسم المناصب (أقصد اللجان) كان له دور كبير في تحديد شكل الاتحاد القادم ولونه، ونحن لا ندخل في النيات، بل إن المقدمات باتت تشير إلى السكة التي يريد سلوكها بعض الأعضاء.
ونحن ننتظر تشكيل اللجان لتتوضح الصورة بالمطلق، وسننتظر عمل اللجان لنتأكد أن اللجان صار لها دور فاعل، أم إنها ستبقى (بريستيج) وحبراً على ورق.
ولأن أغلب أعضاء الاتحاد تيسرت لهم في السنوات السابقة رحلات جالوا فيها العالم بقاراته الخمس واطلعوا فيها على الاتحادات الكروية، ولأن العالم صار قرية صغيرة، وبإمكان أي شخص الدخول إلى عمق الاتحاد الإنكليزي أو الفرنسي أو الإماراتي أو المصري فيتعرف كيف يقودون كرة القدم بات لزاماً علينا أن نطبق ما شاهدناه وعلمنا به على أرض الواقع، فبدلاً من أن نبحث عن مدرب أجنبي من مدرسة معينة مثلما رشّح أعضاء الاتحاد في حملتهم الانتخابية وما جاء بعدها من تصريحات هنا وهناك، علينا أن نبحث عن آلية عمل مناسبة نعرف من خلالها كيف تُدار كرة القدم.
اتحاد كرة القدم ليس عبارة عن مبنى ومكاتب واجتماعات علنية وأخرى سرية وموظف يرسل البلاغات المحلية وآخر يراسل الاتحادات الخارجية، هذا العمل كلنا يتقنه، ولا يحتاج إلى الكفاءة والخبرة والمهنية في العمل.
الخطوة الأولى
نحن نعتقد أن رئيس الاتحاد الحالي لا تنقصه الخبرة أو النزاهة، إنما يحتاج إلى بطانة صالحة حوله أولاً، وإلى آلية عمل تماثل آلية عمل الاتحادات القريبة منا ثقافياً ولا بأس بالاطلاع على عمل الاتحادات المتقدمة كروياً.
لذلك فإن الخطوة الأولى هي إعادة ترتيب البيت الداخلي بما يسهم بتطوير العمل الإداري والتنظيمي وهذا سيكون مدخلاً لتطوير العمل الفني.
وعلى سبيل المثال فإن المطلب الرئيس لكل الكرويين (أندية وجماهير) هو روزنامة المسابقات، وإذا تُرك الأمر إلى لجنة المسابقات فإن الأمور لن تتحسن ولن نصل إلى روزنامة مسابقات محترمة.
الحلول أن يكون هناك لجنة مسؤولة عن الدوري الممتاز، ولجنة أخرى عن دوري الدرجة الأولى، وغيرها عن باقي الدرجات والفئات، وهذه اللجان مستقلة بعملها وتصب كلها بما يسمى لجنة المسابقات المفترض أن يكون رئيسها مشرفاً على العمل فقط ولا يتدخل به إلا في حال الضرورة.
الدوري بكل درجاته وفئاته كلاسيكياً وهو روتيني الشكل والمضمون، وغير قابل للتطوير بشكله الحالي، والحلول لا تقتصر على تقليص عدد الدوري أو «بحبوحة» العدد، الحلول كيف يمكن تطوير الدوري وجعله أكثر فاعلية.
وهذا الأمر مرهون بما يصدر من آليات جديدة، قد تكون عبارة عن حوافز مالية، أو على شكل (بلاي أوف) كما اقترح رئيس اتحاد الكرة.
وهناك الكثير من القرارات التي نتمنى صدورها، ومنها عدم جواز التعاقدات مع لاعبين من خارج أبناء النادي لأكثر من خمسة لاعبين وذلك لحث الأندية على العناية بلاعبيها، وكذلك عدم جواز أن يضم كشف الفريقين أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا سن الثلاثين، في سبيل ضخ دماء جديدة بالدوري، وخصوصاً أن الدوري شاخ بلاعبيه ومستواه، ولا أدل على ذلك أن هداف الدوري عمره 36 سنة والوصيف 40 سنة، وهذا أمر معيب يدل على أن كرتنا دخلت عمق النفق الأسود وهرمت باللاعبين المميزين.
التلاعب بمباريات الدوري هو نتيجة طبيعية لشكل الدوري، والفرق عندنا بين مركز الوصيف والمركز الأخير قبل الهبوط هو بميزان واحد، فلا فرق هذا الموسم (مثلاً) بين الوثبة وحطين، ولا أحد يذكر إلا البطل أو الهابطين، لذلك رأينا النتائج غريبة عجيبة ولو أقيمت بعض المباريات في الحالة الطبيعية لما انتهت بنتائج مماثلة عما انتهت عليه في الأسابيع السبعة الأخيرة، حتى الذين عرفوا أنهم هابطون لم يعد تهمهم النتائج ولعبوا بلا جدية، ومثل ذلك البطل عندما يضمن بطولته قبل أسابيع فلا يلعب بالجدية التي يلعبها عندما يكون ضمن دائرة المنافسة، وبذلك يفقد الدوري قدسيته وأخلاقه والغاية السامية التي من أجلها أقيم، وكل ذلك لا يندرج تحت بند التواطؤ وعدم النزاهة، لأن كل شيء يسير بلا دليل، ولأن القوانين لا تفرض على الفرق أداء مبارياتها بجدية وعدم التراخي ولا يمكن لأحد محاسبة فريق يجامل غيره من الفرق!
هذا الأمر مهم جداً ولابد من البحث عن الحلول الكفيلة التي تجعل الفرق تلعب كل مبارياتها بكامل الجدية والجاهزية من المباراة الأولى وحتى الأخيرة.
الدوري الرديف
اتحاد كرة القدم يبحث عن الدوري الرديف، وأعتقد أنه باقتراحه إقامة دوري تحت 23 سنة يكون قد ضلّ الطريق.
هذا الاقتراح سيقضي على دوري الرجال والشباب معاً، وسيرهق الأندية بنفقات لا طائل منها، وسيفرغ السوق من اللاعبين.
أولاً: عندما نعتمد هذه الفئة فإن فرق الرجال ستنتقي أفضل اللاعبين الرجال وستبحث عن لاعبين هنا وهناك ولو من أندية الدرجتين الأولى والثانية لتستكمل كشوفها في فريق الرديف.
ثانياً: كانت الأندية تدفع لخمسة وعشرين لاعباً وكوادرهم، وأصبحت مضطرة للدفع إلى فريقين.
ثالثاً: سيتم تدمير فئة الشباب لأن الأندية ستستعين بالعديد من اللاعبين الشباب لسد أي نقص بالفريق.
رابعاً: ستخسر أندية الدرجة الأولى الكثير من لاعبيها، وسنجدها تلجأ إلى دوري الأحياء الشعبية لاستكمال كشوفها.
المقترح البديل أن يكون دوري الرديف هو دوري الدرجة الأولى ولو أحسنا التعامل مع دوري الدرجة الأولى لصنعنا رديفاً ممتازاً لكرتنا بأقل التكاليف.
إذا كان العمل في الدوري الممتاز يحتاج إلى جهد، فإن العمل في دوري الدرجة الأولى يحتاج إلى جهد أكبر.
في أول الأحوال فإن القاعدة الهرمية كما يتبناها عضو الاتحاد رئيس لجنة المسباقات طلال بركات ناجحة في الدوريات الأوروبية، فهي غير صالحة في دورينا، والسبب أن كل الفرق في إنكلترا (مثلاً) حتى الدرجة الخامسة، تملك ملعباً ومقومات كرة القدم، أما عندنا فإن الكثير من فرق الدرجة الأولى لا تملك فريقاً للشباب، وإن شارك بفريق فهو من هنا وهناك ومن هذه المدرسة ومن ذلك الحي، وهي حقيقة دافعة لا غبار عليها ويعرفها الجميع.
وحدث هذا الموسم بالشواهد أن فريقاً من الدرجة الأولى استعار فريقاً من دوري الأحياء الشعبية ومثله بالدوري!!
هذا الكلام يؤكد بالضرورة أن دوري الدرجة الأولى عندنا غير صالح ولا فائدة منه على الإطلاق.
ومع ذلك هو مؤهل ليكون الدوري الرديف إن اتبعنا الخطوات والمقترحات التالية:
أولاً: ألا يكون عدد أندية الدرجة الأولى أكثر من 12 نادياً كما الدرجة الممتازة، وأن تلعب دورياً كاملاً (ذهاباً وإياباً).
ثانياً: أن يعتمد على اللاعبين الشباب بدرجة أكبر وألا يكون بصفوفه أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا الثلاثين من العمر.
يمكن هنا للاعبين الذين تجاوزوا الثلاثين ولم يجدوا مكاناً في الدرجتين الممتازة والأولى أن يلعبوا ببقية الدرجات لإشباع هوايتهم، والحسابات تقول: إذا ضم كل فريق من الدرجتين الممتازة والأولى ثلاثة لاعبين فوق الثلاثين عاماً فسيصبح مجموع اللاعبين 72 لاعباً ولا أظن أن كرتنا لديها أكثر من هذا العدد من اللاعبين مؤهلين ليلعبوا بالدوري.
والمشكلة هنا (كما يدعون) متعلقة بالأمر المادي والكلفة، وبالمختصر إذا كان أي ناد لا يملك نفقات دوري الدرجة الأولى، فلينسحب ليلعب على مستوى المحافظة، فالمصلحة العامة أكبر من مصلحة وجود 24 فريقاً أغلبها لا يملك مقومات كرة القدم، فكيف ستتطور كرة القدم؟
من جهة أخرى: كيف لفرق مثل الحرية والمحافظة والعربي والجهاد وغيرها قادرة على دفع نفقات دوري شباب الممتاز، ولا تستطيع دفع نفقات دوري كامل للرجال.
شكل دوري الدرجة الأولى الحالي عقيم ولا يطور كرة القدم، وهو أحد أبواب الهدر المالي، لأنه لا يعود بالفائدة على أحد، ولنا أن نتصور أن نادياً مثل معضمية الشام وعرطوز وقمحانة والنيرب والضمير والنبك وقارة إلى آخر هذه السلسلة تلعب في الموسم الواحد عشر مباريات على شهرين، ثم تدخل في سبات مدته عشرة أشهر، فبأي منطق نقيّم هذا الدوري وأي فائدة ستجنيها هذه الفرق من هذا الدوري؟
لذلك بالمختصر المفيد إن أردنا تطوير كرة القدم علينا البناء وفق أسس سليمة وقاعدة صحيحة، فكلما كان العمل مبرمجاً ومدروساً كلما كانت النتائج جيدة، وكلما كان العمل فوضوياً وعشوائياً كان السقوط إلى الهاوية أسرع.
كرتنا بشكلها العام محترفة، والاحتراف لا يعني أن يكون المال ثوبها، والمفترض أن تكون محترفة بكل الدرجات بأنظمتها وقوانينها وشكلها وجديتها وهو أدنى المطلوب.
أجهزة وتجهيزات
يخطئ من يظن أن التحكيم تنقصه السماعات ليتطور، فالقضية أكبر من سماعات وأجهزة وتجهيزات، القضية أن فاقد الشيء لا يعطيه، وكل الذين تولوا المسألة التحكيمية لم يقدموا لها الفائدة المرجوة، والتحكيم في كرة القدم عندنا هو جهد شخصي بحت، فالحكم الناجح هو المجتهد وبالأصل يكون موهبة ويعمل على تطوير ذاته بذاته.
لكي تستقيم أمور التحكيم لابد من الاستعانة بخبراء تحكيم من الخارج كحالة المتنخبات الوطنية عندما نستقدم كوادر أجنبية لتقود المنتخب الأول أو الأولمبي وغيرهما، ولن يتكلف اتحاد كرة القدم على هذا الإجراء الكثير، الاهتمام بالتحكيم غاية في الأهمية لأن نجاح المسابقات الرسمية مرهون بنجاح التحكيم، وهذا يتطلب جهداً كبيراً ومكثفاً يبدأ من الآن لعلنا نرى حكاماً مشهوداً لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة ولو بعد سنوات.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن