| ميسم رزق
عملياً، سمع الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة عاموس هوكشتين، بعد طول انتظار، الجواب اللبناني على اقتراحه الذي قدّمه في شباط الماضي بالخط الحدودي 23 معدّلاً. الجواب «تضمّن ملاحظات عقلانية وتعدّ بمثابة طرح بديل. والآن، نحن من ينتظر الجواب الإسرائيلي لنبني على الشيء مقتضاه» بحسب ما قالت مصادر مطّلعة على لقاءات هوكشتين في بيروت أمس، لافتة إلى أن توافق الرؤساء الثلاثة على الموقف «زاده قوة موقف قائد الجيش العماد جوزف عون بالوقوف وراء قرار السلطة السياسية»، علماً بأن القائد عمّم على كل العسكريين، في الخدمة والمتقاعدين، عدم تناول ملف الترسيم إعلامياً.
ولم يكن عابراً، أمس، تزامن زيارة هوكشتين مع تحليق الطيران المُعادي على علوّ منخفض فوق قرى الجنوب وخرقه جدار الصوت. ومهما تكن دوافع العدو من وراء هذا «الاستعراض»، تبقى رغبة «تل أبيب» في تكريس «الهدنة» على الحدود وتحصينها بالتفاوض هي الطاغية، وخصوصاً أن العدو يحتاج إلى التفرّغ لمواكبة المشروع النفطي – الغازي الذي يُهندسه مع الأوروبيين. وفي هذا السياق، كان لافتاً استفسار هوكشتين عن كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الخميس الماضي ومدى جديّة الحزب واستعداده لتنفيذ تهديداته، وفق ما نقلت مصادر بارزة مطّلعة على أجواء الاجتماعات.
بحسب مصادر رفيعة المستوى، يُمكِن اختصار الموقف اللبناني الذي اتُّفق عليه قبل مجيء هوكشتين على النحو الآتي:
– إقرار لبناني بديمومة الدور الأميركي كوسيط في المفاوضات غير المباشرة.
– عدم تطرّق أي من الرؤساء الثلاثة إلى الخط 29.
– يرى لبنان أن الخط 23 هو الخط الحقوقي مع الحصول على حقل قانا كاملاً. أي أن الخط المرسوم سيكون معكوفاً جنوب الخط 23 ليضمّ كل حقل قانا، ثم يعود ويستقيم مجدداً.
– في حال موافقة «إسرائيل» على ذلك، وبسبب عدم وجود حكومة، يجري توقيع الاتفاق في الناقورة في محادثات غير مباشرة يتولّاها الأميركي برعاية الأمم المتحدة وبحضور الوفدين اللبناني والإسرائيلي اللذَين كانا يتفاوضان سابقاً، أو بعد تأليف وفد جديد.
– حتى توقيع الاتفاق، يتمّ السماح للشركات الأجنبية بأن تُباشر عملها في البلوكات غير المتنازع عليها.
الأكيد أن هوكشتين لم يُظهِر أي مرونة تجاه الطرح، لكنه لم يرفضه أيضاً. وهو أكّد أنه سيزور كيان العدو ليعرض الموقف اللبناني ويرى إن كانَ مقبولاً، وبناءً عليه تتقرّر الخطوات اللاحقة. ورغم ما قاله عن أنه لم يحمِل أيّ طروحات جديدة معه، «قام بعملية جسّ نبض جديدة لإمكان العمل في البلوكات المشتركة»، وهو ما سبقَ أن طرحه في زيارات سابقة عن إمكانية تجاهل الخطوط والذهاب مباشرة إلى تقاسم الثروة، لكنه «سمع بأن الطرح غير مقبول سياسياً».
ما لم يُعرف بعد هو الخطوة التي سيتخذها لبنان في حال عدم استجابة «إسرائيل» لمطلبه. في مقابلة له عبر قناة «lbci» منذ أيام، رأى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن «توقيع الخط 29 يستخدم كورقة ضغط وتفاوض، وتوقيعه يحصل عند الوصول إلى الحافة. عندما نوقّع خط الـ 29 يعني أن هناك مواجهة سياسية إعلامية وقد تكون عسكرية». معنى الكلام هو التراجع عن الخط 29 لتفادي أيّ مواجهة عسكرية لا يحتملها البلد، ولذا فإن الطرح البديل يقول بـ«اجتماع الحكومة وتعديل المرسوم 6433، لكن مع تعديلات. فلبنان لن يُضيف 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية إلى الـ 860، لكنه سيحدّد خطاً جديداً ينطلق من الناقورة، أي الخط 23 ويتوسّع فيضمّ حقل قانا، ثم يمتدّ جنوباً ليضيف مساحة قليلة، لكنها لن تلامس الخط 29. أي أن لبنان سيحدد مساحة جديدة متنازعاً عليها بين الخطين 23 و29 لا تتضمّن حقل «كاريش».
سرعان ما طرح البيان علامات استفهام حول ما إذا كانَ من خارج التوافق مع رئيسَي الجمهورية والحكومة، وما إذا كان هناك مستجدّ سلبي في الزيارة؟
استفسر هوكشتين عن كلام نصر الله ومدى جديّة حزب الله واستعداده لتنفيذ تهديداته
تؤكد مصادر قريبة من عين التينة أن «كلام رئيس المجلس يعني أن ما يقوم به الوسيط حالياً يخالف اتفاق الإطار الذي جرى التوصل إليه مع الأميركيين»، مضيفة إن «بري كان يقصد العودة إلى هذا الاتفاق في حال موافقة الإسرائيليين أو عدم موافقتهم على مطالب لبنان. وإذا تجاوب العدوّ الإسرائيلي، فإن الاتفاق المقبل سيوقّع في الناقورة عبر وفد لبناني جديد يجري تشكيله وبمفاوضات غير مباشرة، وفي حال الرفض يُمكن العودة إلى طاولة الناقورة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية أممية ووساطة أميركية».
في غضون ذلك، استمرّت مزايدات «نواب التغيير» الذين التقوا هوكشتين للتأكيد على حق لبنان في الخط 29 وضرورة الضغط على «إسرائيل» للتراجع عن العمل في هذه المنطقة، علماً بأن جزءاً من الحملة التي انطلقت بعد وصول السفينة اليونانية إلى محاذاة الخط 29، كانت تستهدف توريط حزب الله في حرب ومن ثم إحراجه باتهامه بتوريط لبنان فيها. إلا أن إعطاء هذه الحملة نتائج عكسية ومنحها المقاومة غطاءً للردّ على أي اعتداء، دفعَ ببعض المعارضين إلى مراجعة حساباتهم، كما فعل رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل الذي هاجم «التغييريين» من دون أن يسمّيهم، مشيراً إلى أن «الفوضى امتدّت إلى ملف الترسيم مع تعدّد المفاوضين، ما اضطرّ هوكشتين إلى توزيع زياراته على باقة من المسؤولين غير المعنيّين»، معتبراً أن «المزايدات في الوطنية باتت مرفوضة».