إذا سارَت الأمور كما يجري التحضير لها بين الكتل السياسية، فإن خميس الاستشارات النيابية المُلزمة سيشهَد «على الأرجح» تكليفاً لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي لا يزال يتقدّم على بقية المرشّحين (المُعلنين وغير المُعلنين) ببضعة أصوات. مع ذلِك، يبقى الملف الحكومي مفتوحاً على تطورات جديدة ومحتملة، بسبب «الصراع الصامت» بين الرياض وباريس، وهو ما عكسه التشويش السعودي على ميقاتي، مرشح باريس، عبر استباق السفير السعودي في بيروت وليد البخاري الاستشارات الرسمية بأخرى جانبية مع عدد من النواب، وممارسته ضغوطاً على قوى سياسية، أدّت إلى مواقف ظهّرت حجم التدخل السعودي، كما في بيان كتلة «اللقاء الديموقراطي» (اجتمعت أمس بحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط) الذي سمّت فيه «السفير نواف سلام لتشكيل الحكومة»، علماً بأن إشارة الكتلة إلى أنها لن تشارك في الحكومة شكّل دلالة على أن الجميع باتَ يُدرك صعوبة تأليف الحكومة، أياً يكن اسم الرئيس المكلف. مصادر سياسية مطّلعة عبّرت عن اعتقادها بأن «لا كلمة نهائية للسعوديين في اسم السفير سلام حتى الآن، وكل ما يجري في إطار الجوجلة لمعرفة حجم المؤيدين والمعارضين له». ولذلك «أرجأ حزب القوات موقفه حتى وصول كلمة السر في اللحظة الأخيرة»، علماً بأن أوساط معراب تحدّثت عن «انقسام بشأن التسمية. ففيما تفضل النائبة ستريدا جعجع تسمية ميقاتي، يميل النائب جورج عدوان إلى عدم التسمية، فيما الجو الغالب هو عدم دعم السفير سلام». وقالت المصادر نفسها إن «باطِن الحركة السعودية يرتبِط بالموقف السعودي من العلاقة بين الفرنسيين وحزب الله، وأن الرياض ترى أن هناك توافقاً بينهما على الملف الحكومي نجمت عنه تسمية ميقاتي»، مشيرة إلى أن «ما يحاول أن يفعله البخاري هو تسجيل رسالة اعتراض من لبنان على الانفتاح الفرنسي تجاه الحزب». وتضيف المصادر إن «إصرار نواب سنّة (١٦ نائباً) على تسمية ميقاتي يؤكد أن الرياض لم تخُض معركة جدية حتى الآن ضد رئيس الحكومة».
وفي السياق، أشارت مصادر معنية بالاتصالات الى أن الفرز الذي أحدثته أزمة التكليف أظهر أكثر من محور. الأول مع تسمية ميقاتي ويضم حزب الله وحركة أمل وبعض النواب، ومحور التيار الوطني الحر الذي لم يحسم قراره بعد، في ظل تداول معلومات عن إمكانية ترشيحه سلام، ومحور «الاشتراكي» و«الكتائب» ونواب «التغيير» الذين يدعمون تسمية السفير السابق، علماً بأن «التغييريين» لم يتفقوا بعد على التسمية بسبب الخلافات في ما بينهم مع تفضيلهم سلام على أي اسم آخر. وفي هذا الإطار، تقول مصادرهم إن «الاجتماعات شبه اليومية لم تذلّل الخلافات بينهم، وإن كل المعطيات تشير حتى الساعة إلى صعوبة الخروج بموقفٍ موحّد – كما كانت الرغبة – قبل الاستشارات النيابية الخميس المقبل». وبحسب المعلومات، فقد تبادل النواب الـ 13 طرح أسماء مرشحيهم لرئاسة الحكومة في المرحلة المقبلة، ومع أن معظمها بعيدة عن «التغيير» إلا في الشكل والاسم. بقي طرح النائبة بولا يعقوبيان الأكثر نفوراً بعرضها اسم صالح المشنوق نجل الوزير السابق نهاد المشنوق، ما رأى فيه زملاء لها «مراهقة سياسية واستخفافاً بعقول من صوّتوا في صناديق الاقتراع تحت شعار التغيير». في بورصة الأسماء بين «التغييريين»، تقدّمت حظوظ سلام مع تبنّي النواب: وضاح الصادق ومارك ضو ونجاة صليبا ورامي فنج وياسين ياسين اسمه، وعدم معارضة ملحم خلف وسينتيا زرازير وبولا يعقوبيان بعد سقوط طرحها. في المقابل، لم يحسم كل من النواب: ميشال الدويهي وحليمة القعقور وإبراهيم منيمنة وفراس حمدان وإلياس جرادة خيارهم.
نواب «التغيير» منقسمون وسلام يعدهم بوزراء تكنوقراط لا تسمّيهم الأحزاب
وهؤلاء ترجّح المصادر أنّ «من الصعب في المستقبل القريب الاستمرار في تكتلٍ يجمعهم والفريق الأوّل، بسبب اختلاف بين الفريقين على الخيارات الاقتصادية، وبالدرجة الثانية على التوجهات السياسية وارتباطات البعض مع القوى السياسية التقليدية المسماة سيادية». وتؤكد المصادر أن سلام اجتمع بالنواب الـ 13 مرتين وخاض معهم 7 ساعات من النقاش حول شكل الحكومة والمشروع وإمكانية التأليف، ووعدهم بحكومة تكنوقراط تتألف من مستقلّين لا تسمّيهم الأحزاب. يصف متابعون أن سلام تعاطى مع النواب الـ 13 كأنّه «عرّابهم»، مع الإشارة إلى مساعٍ بذلها لجمعهم في تكتلٍ واحد باءت بالفشل حتى الساعة. ولفتت الى أن مؤيديه من بينهم يرون فيه «رافعة للحالة التحرّرية الكبيرة». وأشارت المصادر الى «مساعٍ بذلها أحد نواب التغيير مع النائب تيمور جنبلاط بهدف إعلان الحزب التقدمي تأييده لسلام في وقتٍ مبكر أمس قبل اجتماع النواب الـ 13 مساءً بهدف الضغط عليهم للخروج بموقف موحّد يتبنّى التسمية نفسها». كما تضع المصادر «إعلان الصادق وصليبا وضوّ تأييدهم لسلام من خارج أي توافق بين النواب في إطار الضغط على الآخرين الذين لم يحسموا خيارهم حتى اليوم وما زالوا يناقشون المعايير والبرنامج».