| يحيى دبوق
ليس مآل الأمور في إسرائيل محسوماً، وإن كان سيناريو حلّ «الكنيست» والتَوجّه إلى انتخابات مبكرة خامسة في خلال ثلاث سنوات، هو الأرجح، في حال لم يستطع بنيامين نتنياهو، خلال الأيام القليلة المقبلة، تشكيل أغلبية جديدة داخل البرلمان، وامتطائها للعودة إلى رئاسة الحكومة. وفي حال تحقُّق السيناريو الأوّل، فمن الممكن توقُّع فصل جديد من الأزمة السياسية التي لا تفتأ تعيد توليد نفسها، وسط أرجحية ثابتة لنتنياهو، الذي يتّجه إلى كسْب نقاط إضافية عبر شطب الدعاوى القضائية المَوجّهة إليه. أمّا على مقلب أعداء تل أبيب، فلا يبدو – على رغم أنه ستكون للحكومة الانتقالية صلاحية التقرير في الشؤون الأمنية – أن تغييرات كبيرة ستطرأ قبل أن يتبلور المسار السياسي الإسرائيلي بشكل حاسم، بالنظر إلى أن المؤسّسة الأمنية ستبقى هي صاحبة الكلمة الفصل في ما يخصّ التعامل مع جبهات المواجهة
يُفترض بالائتلاف الحكومي في إسرائيل أن يبدأ، اليوم، أولى خطواته لحلّ «الكنيست» والتَّوجّه إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، ستكون الخامسة على التوالي في الكيان. إن حصل ذلك، سيتولّى وزير الخارجية، يائير لابيد، رئاسة الحكومة الانتقالية، ليحلّ مكان نفتالي بينت، في انتظار الانتخابات وتشكيل حكومة وفقاً لنتائجها، وهو ما سيستغرق أشهراً. إلّا أن اتفاق قادة الائتلاف على خطوة «الحلّ»، لا يعني أن هذه الخطوة واقعة حتماً – على رغم أرجحيتها المعتبَرة -؛ إذ ثمّة سيناريوات أخرى ممكنة، من بينها عودة رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، إلى رئاسة الحكومة عبر تشكيل أغلبية جديدة في «الكنيست» – في حال نجح في جذب مكوِّن أو اثنين من مكوّنات الحكومة الحالية -، ما يحول دون فرْط البرلمان. ومن بين العوامل التي تضعّف من حتميّة «الحلّ»، هو أن تصويت جميع المؤتلفين لمصلحة هذا الخيار غير محسوم، خصوصاً أن بعضهم يُقدَّر لهم أن لا ينجحوا في المحافظة على مقاعدهم إن تَقرَّر التوجُّه إلى انتخابات مبكرة. كما أن مسار «الحلّ» قد يطول نسبياً، إذ إن إقراره يحتاج إلى قراءات ثلاث، قد تعترضها «مطبّات» غير سهلة.
عملياً، حكومة بينت باتت في حُكم الميتة – من دون أن يُعلَن ذلك رسمياً – منذ بدأت الانشقاقات داخلها، وهي المستندة في الأساس إلى رابط هجين يجمع مكوّنات متنافرة سياسياً، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما، والمرتكزة على أغلبية هشّة فقدتها منذ أسابيع، إلى حدّ لم تَعُد معه قادرة على تمرير أيّ قانون في «الكنيست». لكن ما الذي يدفع المؤتلفين إلى الإعلان عن حلّ «الكنيست»، وليس الاكتفاء بإطاحة الحكومة نفسها؟ الجواب هو بنيامين نتنياهو؛ إذ إن خياراً كهذا كان سيعني تمهيد الطريق أمام نتنياهو لإعادة تشكيل أغلبية برئاسته، يقلب من خلالها المشهد السياسي. وإذ باتت «الشخصانية» هي التي تَحكم أفعال السياسيين في إسرائيل في هذه الحقبة، فإن الموقف من نتنياهو هو الذي يقرّر تَوجّهاتهم.
أخطأ التقديرَ من اعتقد أن إسقاط نتنياهو مِن على كرسيّ رئاسة الحكومة، سيسرّع في سقوطه السياسي
من ناحية بينت، يبدو أن الرجل وصل إلى أقصى ما كان يطمح إليه، وبات هدفه اعتزال الساحة السياسية قبل أن تطرده هي، خصوصاً بعدما أصبح رئيساً لحزب تَفرّقت مكوّناته، وكان مُخيَّراً بين الإسقاط أو التنحّي، فاختار الثاني على الأوّل، علماً أنه سيحافظ على مكانة اعتبارية خلال الفترة الانتقالية، بصفته نائباً لرئيس الحكومة. أمّا رئيس الحكومة الجديد، يائير لابيد، فسيتربّع على الكرسيّ لثلاثة أو أربعة أشهر إلى حين إجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة، ما لم تتكرّر النتائج التي تفرض مرّة سادسة التَّوجُّه إلى انتخابات مبكرة، وتلك فرضية قائمة، بل من أقوى الفرضيات وفقاً للمعطيات الحالية. ويُشار في هذا السياق إلى أن أفضل استطلاعات الرأي لا تعطي ائتلافاً برئاسة نتنياهو أكثر من 59 مقعداً، أي الأغلبية عدا مقعدين.
في النتائج المُتحقّقة إلى الآن، يشار إلى الآتي:
– نجح الائتلاف الحالي، والذي كان خارج أيّ تقديرات واقعية، في أن يتشكّل أوّلاً، وفي أن يستمرّ لفترة طويلة نسبياً ثانياً، على رغم تناقضاته وتجاذبات مكوّناته في كلّ صغيرة وكبيرة. وقد كان جامع هؤلاء الوحيد هو فقط خصومة نتنياهو، الذي بقي الرقم الأصعب في إسرائيل، وإن في صفّ المعارضة.
– يبدو واضحاً أن التوجّهات العامّة التي كانت تَحكم السياسة في إسرائيل، تَقلّصت إلى حدّ كبير، لتحلّ مكانها المصالح الشخصية أوّلاً، وإلى الحدّ الذي يكفل جمع أقصى اليمين (يمينا)، مع أقصى اليسار (ميرتس)، وما بينهما الوسط، وجزء من فلسطينيي الداخل.
– صدّرت هذه الحكومة مكوّناً سياسياً من فلسطينيّي عام 1948 (القائمة الموحّدة برئاسة منصور عباس)، مستعدّاً للدخول في أيّ ائتلاف يتكوّن في إسرائيل، ولو كان برئاسة الأكثر تطرّفاً وعنصرية في الكيان. وهو تماهٍ من شأنه تسهيل تشكيل الحكومات اليمينية مهما كانت درجة تطرّفها، عبر الائتلاف مع مكوّن فلسطيني ذابت «فلسطينيّته».
على المقلب المضادّ، في الداخل الفلسطيني وخارجه، يمكن الحديث عن ما يلي:
– في حال حلّ «الكنيست» فعلاً، والتوجّه إلى انتخابات مبكرة، ستكون الحكومة الانتقالية ذات صلاحيات كاملة في ما يتعلّق بالقرارات الأمنية أو السياسية ذات الطابع والتأثير الأمني.
– لابيد سيكون، كما بينت، محافظاً على السياسات نفسها المُتّبعة في الأعوام الأخيرة، أي أنه «سيبصم» على تَوجّهات المؤسّسة الأمنية وقراراتها، وسيبتعد عملياً عمّا يتعارض معها، وإن صدر عنه ما يوحي بخلاف ذلك.
– سترتفع حدّة المزايدات في إسرائيل، خاصة إن نجح الائتلاف الحالي في حلّ «الكنيست»، وستكون نبرة التهديد عالية جدّاً تجاه ساحات المواجهة، القريبة منها والبعيدة. إلّا أن ما يعترض تنفيذ تلك التهديدات اليوم، أنه لم تَعُد أيّ جبهة من جبهات المواجهة مجرّدة من القدرة على الردّ المُوجع على استهدافها. وفي انتظار تبلور المسار السياسي المقبل في الكيان، لن تتلمّس هذه الجبهات تغييرات ملموسة؛ إذ إن صاحب القرار الفعلي في مرحلة لابيد الانتقالية سيظلّ المؤسّسة الأمنية، كما كانت في مرحلة بينت الأصيلة.