حسين صقر:
يدفعانك كي تشتري منهما، وعلى لسانيهما كلمة” ياجبار”، ثم يطلق كل منهما اسم السلعة التي يبيعها، فأحدهما يبيع عرانيس الذرة المسلوقة في طنجرة صغيرة، والآخر حبات الترمس المعدّة أيضاً في المنزل.
أولاد حارتنا، ليس عنوان رواية لنجيب محفوظ، بل هما شابان صغيران أرادا ملء وقتيهما في الصيف وبعد الانتهاء من الفصل الدراسي، وذلك بهدف جمع مصروفهما أو ثمن أرغفة الخبز التي يحتاجانها، ويساعدان عائلتيهما من وراء هذا العمل البسيط، ورأسماله فقط المادة المباعة وإناء وطاولة صغيرة لوضع مايبيعانه عليها.
أنا شخصياُ لست مع عمالة الطفل، ولاسيما الأعمال المجهدة، حيث يجب على الأهل توفير الحياة المعيشية اللائقة بطفولته، لكن بالمقارنة بأطفال يجوبون الشوارع حفاة عراة على اللعب والتشرد في الطرقات مسبببن الإزعاج والفوضى لسكان الحي، أرى بأن هذين الطفلين هما الصح، وماتبقى على خطأ، ولاسيما أن أقراناً لهم يقضون أوقاتهم على الدراجات ووراء الكرة وفي الساحات الترابية وعلى أبواب الحانات، لايستطيعون شراء ما يشتهون، بل يتحسرون على ما لايقدرون على تأمينه، ولكن هذين الطفلين يبيعان ما يشتهيه الناس والمارة.
منظر الطفلين ذكرني بكثير من الأطفال في قريتي، والذين ينصرفون لبعض الأعمال الزراعية في العطلة الصيفية، وخاصة أثناء جني الثمار، كجمع حبات المشمش عن الأرض، أو قطف الكرز والتفاح والتوت الشامي، وغيرها من الأعمال الخفيفة، وذلك بهدف ادخارهم ثمن دفاترهم وبعض مستلزماتهم للمدرسة، وخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، بعد أن بات الأهل عاجزين عن تأمين تلك المتطلبات نتيجة الغلاء الفاحش، وعدم قدرة الأب على تأمين حياة رغيدة لأطفاله، وخاصة من يقتصر منهم على دخل واحد وليس لديه أي مصادر معيشية أخرى.
العمل ليس عيباً، ويزول تعبه بعد غسل الجسد والاستحمام، إنما العيب أن نترك أطفالنا عرضة للتشرد في الطرقات واللعب غير المنظم، والعودة مساء إما مكسور اليد أو الساق أو مفغور الرأس أو مفقوء العين.
الأطفال الذين لايقوى أهاليهم على وضعهم في مراكز تدريب وتنمية الهوايات، لماذا لا ينخرطون في أعمال مفيدة وتحت رقابة الأهل وعيونهم، يفيد هذا الطفل ويستفيد ويتعلم معنى الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية، وتترسخ ثقته بنفسه ويصبح إنساناً فاعلاُ بدلاً من أن يكون عالة على أهله وعلى غيره.
أعود وأكرر لا أشجع على عمالة الأطفال، لكن إذا كان لابد من هذا الخيار، بين أن يبقى الطفل هائماً على وجهه في الطرقات والأماكن العامة، ومع رفاق السوء الذين قد يعلمونه التدخين والتسول والسرقة وغير ذلك من العادات والممارسات السيئة، من الأفضل أن يبقى تحت نظر والديه، حيث والدته من وضع له الإناء على النار، وهي من جهزت له مستلزمات العمل، وبقي حتى باع كل مالديه، وعاد إلى المنزل ومعه بعض النقود التي يعين بها أسرته، في وقت لاحظت فيه أن كثيراً من المارة قد اشتروا من الطفلين تشجيعاً لهما على ذلك، وجبراً لخاطريهما، ولقاء وقوفهما في ظل الشجرة التي هربا إليها تحاشياً لأشعة شمس تموز.
راقبتهما مراراً أثناء العودة من عملي ولاحظت أنهما ينوعان في عمليات البيع، فمرة يبيعان الكيك المعد في المنزل، ومرة الوربات الجاهزة، وذلك بعد تغليفها وحمايتها من الغبار وحفاظاً على النظافة والصحة العامة، وكنت أشاهدهما أيضاً وهما يتناولان فطورهما أو غداءهما على الكرسي الذي يجلس كل منهما عليه خلف طاولته.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة