الرئيسية » كلمة حرة » طاحونة عرنوس .. والامن الغذائي ..!؟

طاحونة عرنوس .. والامن الغذائي ..!؟

سلمان عيسى
رحل والدي إلى العالم الآخر قبل أن يستمع إلى تصريح وزير الزراعة بعد جلسة الحكومة الثلاثاء الفائت، الذي جاء فيه ان الفلاح هو نواة الإنتاج ويساهم في تحقيق الأمن الغذائي .. لذلك فإن الحكومة يجب أن تدعم العملية الزراعية لأن الفلاح هو عامل الاستقرار الرئيسي .. خاصة في ظل التغيرات المناخية التي بدأت تظهر بين الحين والآخر وكان آخرها ما حدث في اللاذقية الاسبوع الماضي .. لو أن والدي مازال على قيد الحياة لوقع على الأرض مغشيا عليه .. لا من الحزن ولا الخوف .. ولا من التغيرات المناخية وتصنيع ( العجاج ) بل من الضحك، ومن هول الصدمة خاصة اذا ما قارن الدعم ايام زمان بالدعم الآن … كانت حينها الشاحنات تحمل السماد والبذار خاصة البطاطا إلى الجمعيات الفلاحية في اقاصي الريف .. والدفع على الموسم .. كل الكميات التي تحتاجها من السماد كانت متاحة ومن البذار والمازوت .. في تلك الفترة حقق الفلاح السوري المعجزات وفي وقت قياسي جدا .. عندما كان الدعم دعما، أصبحنا نخزن القمح في العراء .. كيلو البطاطا كان ينتج عشرين ضعفا .. الخضار وبذارها والمبيدات الخاصة بها .. ككل الفلاحين، كان يهم والدي أن يحقق إنتاج يكفيه عوز الايام العجاف ( الشتوية ) الطويلة نسبيا في عهد فلاحي تلك الايام .. كان هذا الأمن يتحقق بمونة البرغل والخضار المجففة .. الباذنجان واللوبياء والفاصولياء و البندورة والبامياء واليقطين .. العدس والحمص .. الشنكليش واللبنة والسمن العربي والجبن .. اكياس من القمح المنتج محليا لطحنها في مطحنة عرنوس في نهاية الخط الجديد التي كانت فتحا جديدا في عالم المطاحن الذي انتقل من طواحين الماء إلى تلك التي تعمل على الكهرباء بمولدات عدنا إلى استخداما بعد حوالي نصف قرن من الاستغناء عنها .. بعد أن بدأت الحكومة تولي اهتماما زائدا بالزراعة، كان الفلاح السوري أول من التقط الإشارة وبدأ بالعمل ليل نهار حتى أنه حمل كل الأعباء على كتفيه ولم يفكر الا بالإنتاج.. الدعم اليوم يسمع عنه الفلاح في نشرات الأخبار وعلى هامش اجتماعات الحكومة .. على المنابر وفي المهرجانات.. بعد انتهاء الأخبار يبحث الفلاح المدعوم عن المازوت .. يجده على الطرقات، والسماد في مستودعات التجار .. يجد البحث عن شرحات البلاستيك للزراعات المحمية التي كان ينتجها القطاع العام .. يجد بديلا عنها المنتجة في شركات خاصة تدعم بالكهرباء والمازوت وتبيع إنتاجها للفلاح بما يعادل الأخضر اللعين .. يبحث عن عبوات الفيلن المنتجة في شركات خاصة ايضا مدعومة بالكهرباء والمازوت .. تتسع لخمسة عشر كيلو و تسعر باليورو.. يتحسر على ايام سحارة الخشب التي كانت تصله من داريا وسقبا وتتسع لخمس وعشرين كيلو وسعرها بالقروش .. كم هو مضحك الحديث عن دعم الزراعة.. وكم هو مضحك ايضا الحديث عند دور الفلاح في تحقيق الأمن الغذائي وعن الدعم الذي يقدم له لتحقيق هذا الامن .. مضحك لأن الجميع يدرك أن هذا الدعم يذهب لغير أصحابه بكل تأكيد .. !؟
(سيرياهوم نيوز6-خاص8-7-2022
x

‎قد يُعجبك أيضاً

يسألونك عن أمريكا؟!

  سمير حماد يسألونك عن أمريكا ؟ أخطبوط المال والأعمال والسياسة والأذرع الممتدة على امتداد الكرة الأرضية, حيثما ارتُكبت جريمة حرب أو تغيير سياسي أوانقلاب ...