| مريم عبد الله
تتسارع خطى «السعودية الجديدة» نحو التطبيع العلني مع تل أبيب. بعد صناعة ثقافة الترفيه، والقضاء على الفكر التكفيري المتشدّد، وتغييب المعارضة في السجون وإبعادها عن المشهد، جاء دور محاولة محو مفهوم «تحرير فلسطين» من الخطاب الرسمي والشعبي، بحجة أنه غير واقعي! هذه المرة، فُتح الفضاء العام أمام طبقة كُتاب، وصحافيين ومدوّنين سعوديين يتفاخرون بصهيونيتهم، إلى درجة دعوة أطلقها محمد آل الشيخ، الكاتب في جريدة «الجزيرة»، للبصق في وجه كل من يدعو إلى الجهاد لتحرير فلسطين. هكذا، استولى على المشهد سير الرحلات المكوكية لمراسلين أمنيين ورجال أعمال ورجال دين و«أصدقاء» صهاينة إلى السعودية. هذا السيناريو كشف القرار السعودي بالتقرب إلى «الصديق» الإسرائيلي ضد «العدو الفارسي» المشترك برعاية أميركية.
بعد زيارة الكاتب الإسرائيلي أفي جوريش للسعودية ودخوله المدينة المنوّرة الشهر الماضي ضمن وفد أميركي إسرائيلي، بدعوى «تعزيز التفاهم والاحترام والتسامح المتبادل»، هي التي كانت محرّمة على غير المسلمين لمدة 1400 سنة، صرّح لصحيفة «جيروزاليم بوست»: «ذهبت إلى المدينة بصفتي يهودياً، وينبغي لبايدن أن يذهب أيضاً». ثم جاء دور المراسل العسكري لـ «القناة «13» الإسرائيلية، ألون بن دافيد، الذي جال في أكبر الأسواق الشعبية وسط الرياض، ودخل «جامع الملك خالد بن عبد العزيز»، ليصوّر للمشاهد الإسرائيلي «رؤيته للسلام والتطبيع» القادم مع نظام المملكة. هكذا، رأيناه يتحدث بالعبرية وببعض الكلمات العربية والإنكليزية مع باعة أغلبهم غير سعوديين. يلقي السلام ويسأل عن الأسعار، يضحك ويمازح بائعاً آسيوياً، وهو يلبس عباءة سعودية. في أحد المشاهد، صوّر محادثته مع بائع خُضر يمني، أخبره بأنّه من «إسرائيل»، فما كان من اليمني المسكين الذي يطحن نظام المملكة بلاده منذ ما يقارب ثماني سنوات، سوى هزّ رأسه مبتسماً بصمت. يقول بن دافيد، إن بعض المواطنين دعوه لشرب القهوة، وهو ما لا نراه في التقرير المصوّر الذي لخّص جولته في 10 دقائق بعد دخوله الأراضي السعودية عن طريق البحرين. يعترف في مشهد آخر أنّ بعضهم تجاهله حالما أفصح عن جنسيته. لذلك، رأيناه يقف حذراً في شوارع خالية من المارّة، يتحدث العبرية بصوت خفيض، يتحشّر بباعة أجانب ربما يجهلون الصراع العربي الإسرائيلي، وكره الشعوب العربية لكيان يحتل ويقتل شعباً شقيقاً منذ ما يقارب سبعين عاماً. بحسب الصحافي الصهيوني، فإنّ التطبيع مع شعب المملكة ربما يستغرق بعض الوقت، ناصحاً الإسرائيليين بعدم توقّع علاقة مع السعودية تشبه تلك الصلات الجيدة التي يعيشونها هذه الأيام مع الإمارات والبحرين!
يدّعي الكاتب الأمني أنّه خلال زيارته مطعماً في الرياض، رحّب به مواطن سعودي. ويقول إنّه ضحك حين عرف أنّ ليمور من «إسرائيل»، قائلاً له: «أهلاً بكم، نرحّب بالجميع هنا بسعادة، من جميع الأديان». يعترف ليمور في التقرير أنّه جرّب كلمة «إسرائيل» على سائقي الأجرة والباعة في الأسواق، لينقل انطباعهم الذي رَاوح بين الخوف وعدم التصديق، منهياً جولته بالقول إنّه لم يشعر بأنه غير مرحّب به في المملكة. ربما لم يخبره أحد أنّ معظم العاملين في هذه القطاعات هم من الأجانب والآسيويين الفقراء. وإذا لم يقدر هؤلاء على التصريح بما في دواخلهم تجاهه خوفاً على لقمة عيشهم، فهم للحقيقة قد لا يعرفون أين تقع دولة الاحتلال على الخارطة، ولا يعنيهم ذلك.
دخل الكاتب أفي جوريش المدينة المنوّرة ضمن وفد أميركي إسرائيلي
يكشف ليمور في تقريره، عن زيارات متكررة قام بها عدد غير قليل من الإسرائيليين إلى المملكة. رحلات برعاية الموساد شملت عسكريين ورجال أعمال من حملة الجوازات الأجنبية، مع طائرات خاصة تحملهم من دون الإفصاح عن خط الرحلة أو مساراتها. وتوقع ليمور البدء برحلات سياحية بين البلدين قريباً، بخاصة مع قرب السماح لشركات الطيران الإسرائيلية بعبور أجواء المملكة وبرحلات حجّ مباشرة للحجاج إلى مكة.