علي عبود
لا يوجد خلاف بين الاقتصاديين على تعريف “تعويم العملة” أو “سعر الصرف العائم”، فهو إما أن يكون تعويماً خالصاً يُترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر، أو تعويم مُوجه يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه الأسعار في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض والطلب على العملات الأجنبية.
باختصار فإن تعويم العملة يعني تحريرها من قبضة الدولة، وبالتالي فالسؤال المهم: متى ينجح تعويم العملة ومتى يفشل..؟
أما السؤال الأكثر أهمية فهو: ما مصلحة سورية بتحرير عملتها الوطنية؟
وماذا بعد التعويم؟
سبق وأن طالبنا دعاة الخصخصة في سورية بالإجابة على سؤال واحد فقط: ماذا بعد الخصخصة؟
ولا نعني الخصخصة بمفهومها التقليدي أي بيع شركات القطاع العام للقطاع الخاص، وإنما بمفهومها الواسع، فهناك عشرات الأنواع من الخصخصة، التشاركية قطعا واحدة منها.
وبالتالي فإننا أيضاً نريد إجابة واحدة من دعاة التعويم أو تحرير العملة: ماذا بعد التعويم؟
وبما أن تجارب الدول غير الرأسمالية الغربية في الخصخصة قادتها إلى أحضان صندوق النقد الدولي، أي إلى الحضن الأمريكي، وأغرقتها في الديون، والأمثلة القريبة منا هي لبنان ومصر وتركيا، فإننا نطرح السؤال المهم جداً: هل من تجربة ناجحة لتعويم العملة حتى في الدول الرأسمالية الغربية؟
وتعد تجربة تعويم العملة التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية في أوائل فترة الثمانينات من القرن الماضي، من خلال اتجاهها نحو تطبيق نهج الفوائد المرتفعة باعتبارها وسيلة لممارسة عملية التعويم وتنفيذها، من أهم وأشهر تجارب نظام تعويم العملة على مستوى العالم، إذ كان لهذا النهج النقدي المتبع دور في بلوغ الأهداف المنشودة آنذاك، وعلى رأسها جذب رؤوس الأموال للتمويل لسد عجز الميزانية والنفقات المخصصة لحرب فيتنام ومشروع حرب النجوم.
غير أن اتباع نهج تعويم العملة أدى أيضاً إلى رفع تكاليف الاستثمار بسبب ارتفاع سعر الفائدة، مما نتج عنه تضرر المصدرين الأميركيين نظراً لارتفاع أسعار سلعهم بالعملات الأجنبية، وبالتالي حدث انحسار اقتصادي، إلى أن لجأت الإدارة الأميركية إلى تطبيق سياسة عكسية.
انعدام الرقابة تسبّب الكوارث
وتعود نظرية تعويم العملة لاقتصاديين استندوا في مطالبتهم بتطبيقها على السوق الليبرالية وفي مقدمتهم ميلتون فريدمان، ورأوا أن تحرير جميع الأسعار (سلع وخدمات وفائدة وأجور ونقد) وترك تحديدها للأسواق من دون أي تدخل أو توجيه من الدولة يضمن دائما الوصول إلى حالة التوازن..فهل هذا صحيح..؟
الواقع الاقتصادي أثبت العكس، فغياب الرقابة عن الأسواق يقود دائماً إلى الكوارث حتى في أعتى الدول الرأسمالية، وأزمة الرهن العقاري في أمريكا هي نموذج حي، لم يتم تدارك أثارها إلا بتدخل الدولة..!
وبرأي أنصار تعويم العملة أن أي عجز تجاري سيؤدي إلى طلب مكثف على العملات الأجنبية مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي إلى تعزيز القدرة التنافسية للبلد المعني، وهذا كفيل حسب قولهم بزيادة الصادرات والحد من الواردات فيعتدل بذلك عجز الميزان التجاري ويعود إلى حالة التوازن، والمنطق نفسه يعمل في اتجاه معاكس في حال وجود فائض تجاري.
لاحظوا أننا أمام تنظير أكاديمي فلا توجد دولة حتى في الغرب الرأسمالي ينطبق عليها هذا التنظير..!
(سيرياهوم نيوز1-البعث21-7-2022)