| زياد غصن
في وقت تتعمّق فيه معاناة السوريين جرّاء التدهور الحاصل في الأوضاع الاقتصادية وتراجُع قيمة المساعدات الدولية، تتكاثر علامات الاستفهام حول الإنفاق الأممي على مشروعات الاستجابة الإنسانية، ولا سيما في ما يتعلّق بالتكاليف الإدارية واللوجستية للمنظّمات الدولية. وعلى خلفيّة ذلك، تتزايد المطالبات بتخفيض تلك التكاليف لصالح تحسين تمويل القطاعات الأخرى، المرتبطة بالفعل بتوفير الاحتياجات الأساسية للأُسر السورية
ما خرج به مسح الأمن الغذائي الأخير من نتائج، لجهة وجود انحرافات في توزيع المساعدات الإغاثية، لم يكن مفاجئاً في ضوء المشاهدات الشخصية واليومية للعامّة من الناس، لكن لم يتوقّع أحدٌ ربّما أن تكون نسبة تلك الانحرافات كبيرة إلى هذا الحدّ. مثلاً، بحسب تلك النتائج، فإنه من بين الأسر التي تلقّت مساعدات من الأمم المتحدة ومنظّمات دولية، سُجّلت نسبة 9.3% فقط لمَن تعاني منها من انعدام شديد في أمنها الغذائي، في حين يُفترض أن تكون نسبتها هي الأعلى باعتبارها الأكثر حاجة، وإذ ينسحب هذا الخلل على جميع أشكال ومصادر المساعدات: حكومي، غير حكومي، «هلال أحمر»، وغير ذلك، فهو يصبح أكثر فجاجة مع وجود مفارقتَين أساسيتَين: الأولى تتمثّل في المعطيات الإحصائية الرسمية، التي تؤكد أن 4.1% من الأسر الحاصلة على مساعدات أممية عام 2020 كانت آمنة غذائياً، وتالياً فهي لم تكن بحاجة إلى هذه المساعدات أو بالأحرى يفترض ألّا تكون مستهدَفة بها؛ والثانية تكمن في حجم ما يتمّ إنفاقه سنوياً من قِبَل منظّمات الأمم المتحدة على تنفيذ ما بات يُعرف بخطّة الاستجابة الإنسانية من خدمات عامة وتنسيق، ودعم لوجستي، رواتب وتعويضات للعاملين، وغيرها.
البحث في بيانات الأمم المتحدة لعدّة سنوات يوصل إلى معلومات هامّة وأرقام مفاجئة
وتأكيداً لكوْن ذلك الواقع مرتبطاً بالبيروقراطية الأممية، أكثر منه بظروف الحرب وتداعياتها، فإن البيانات الأممية نفسها تشير إلى أن نسبة تغطية قطاع التنسيق والخدمات العامة في خطّة عام 2021، وصلت إلى أكثر من 68% من إجمالي التمويل المطلوب، وإلى 63% في قطاع اللوجستيات، وهما نسبتان أعلى من نِسَب التغطية المتحقِّقة في جميع القطاعات المرتبطة مباشرة بالاحتياجات الإنسانية للسوريين. فمثلاً، نسبة تغطية قطاع التعافي المبكر وسبل العيش لم تتجاوز 8%، والأمن الغذائي والزراعة 29%، والتعليم 22%، والصحة 37%، والإيواء والمساعدات غير الغذائية 17%. وحتى عندما يذهب الاهتمام البحثي النادر في هذا المجال إلى المقارنة بين المساعدات الإغاثية وتلك التنموية، فسيَثبت أن المساعدات، بحسب ورقة بحثية خاصة حصلت عليها «الأخبار»، هي «بمجملها مساعدات تلبّي الجانب المعيشي، ولا تتضمّن برامج ذات أثر تنموي بالمعنى الفعلي، على رغم أن الحكومة عملت على أن تُعنى الخطط اعتباراً من عام 2014 بالأبعاد المتعلّقة بتعزيز التعافي المبكر ودعم سبل العيش، لكن البرامج المُطبَّقة ونسبة تمويل هذا القطاع من إجمالي التمويل المُحقَّق لخطط الاستجابة، يبقى محدوداً مقارنةً مع القطاعات ذات الطبيعة الإغاثية».
يبْقى السؤال الأهمّ: على ماذا تنفَق الأموال التي تخصَّص سنوياً لقطاعات الخدمات العامة واللوجستيات وغيرها؟ إلى جانب رواتب وتعويضات الخبراء والعاملين الأجانب في المشروعات الأممية المنفَّذة في سوريا، والتي تُثار حولها تكهّنات كثيرة إلى درجة الحديث عن أرقام سنوية كبيرة يتقاضاها هؤلاء بحجّة ارتفاع مخاطر العمل وتعويضات الإجازات وتكاليف السفر، فإن البحث في بيانات الأمم المتحدة لعدّة سنوات يوصل إلى معلومات هامّة وأرقام مفاجئة. إذ في الوقت الذي لا تتمكّن فيه أُسر سورية كثيرة محتاجة من الحصول على دعم إغاثي يساعدها على تأمين بعض الاحتياجات الأساسية لأفرادها، تُظهر الحسابات الأوّلية المستندة إلى بيانات المنظّمة الدولية نفسها أن إجمالي ما تمّ إنفاقه على الإقامة والاستفادة من خدمات الفنادق وبعض الشركات السياحية في سوريا خلال السنوات الممتدّة من عام 2015 ولغاية عام 2020، وصل إلى أكثر من 70.7 مليون دولار، أي ما يقرب وسطياً من 11.7 مليون دولار في العام الواحد. وهذا مبلغ يكفي وفق سعر الصرف الرسمي لتأمين سلّة غذائية شهرية بقيمة 150 ألف ليرة لأكثر من 16 ألف أسرة.