| حسن حردان
بعد مرور ستة أشهر على الحرب الروسية الأطلسية الدائرة في أوكرانيا، يطرح السؤال الهامّ وهو، هل نجحت الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية في تدمير اقتصاد روسيا عبر العقوبات الاقتصادية والعمل على استنزافها في أوكرانيا من خلال تزويد كييف بالسلاح المتطوّر وبنك المعلومات والمال؟
أم الذي حصل حتى الآن هو العكس تماماً حيث تشير المعطيات إلى أنّ الاقتصاد الأميركي والغربي عموماً هو الذي يئنّ ويعاني من نتائج الحرب والعقوبات، وانّ الرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان في الأسابيع الأولى من الحرب يطلق التصريحات التصعيدية والعنترية ضدّ روسيا ورئيسها مبشراً العالم بقرب سقوطه، أصبح اليوم يلوذ بالصمت إزاء ما يحصل حتى انه لم يعد يتحدث عن روسيا ورئيسها الذي لم يتأثر بالحرب بل انه جعل من الحرب فرصة لتقوية موقف روسيا والتبشير والعمل على تسريع ولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، أما الرئيس بايدن فإنّ كلّ همّه بات كيف يخرج من الأزمات التي غرق فيها في الداخل الأميركي نتيجة تداعيات الحرب التي أصبحت تستنزف اقتصاد الولايات المتحدة وتضعف من القدرة الشرائية للشعب الأميركي…
فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من أن تشتعل في روسيا وتؤلّب الشعب ضدّ الرئيس بوتين، نجد انّ هذه الأزمات اشتعلت في أميركا بل انّ الحرب كشفت إفلاس أميركا المالي.. على الرغم من المظاهر الخادعة للعالم.. وما نقوله ليس تحليلات بل وقائع ومعلومات، ففي مقابل ازدياد التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع معدلات النمو، فإنّ الولايات المتحدة تستدين لدعم أوكرانيا في الحرب ضدّ روسيا، وممن تستدين، من الصين الدولة الكبرى المنافسة اقتصادياً لأميركا التي ترى فيها العدو الأخطر الذي يهدّد الهيمنة الأميركية إلى جانب روسيا..
بهذه البساطة يمكن وصف واقع الإمبراطورية الأميركية التي تعاني من أمراض الشيخوخة، حيث كشف عضو مجلس الشيوخ الأميركي راندال بول من الحزب الجمهوري، في خطاب له في الكونغرس، كشف عن حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا وتداعياتها السلبية الخطيرة جداً على اقتصاد أميركا الذي يعاني من تراجع معدلات النمو ومرشح للدخول في حالة من الركود.. ويمكن تلخيص كلام بول بأربع نقاط أساسية تظهر مكامن الأزمة الأميركية ومخاطرها:
النقطة الأولى، «لا يمكن إنقاذ أوكرانيا بتدمير الاقتصاد الأميركي».
النقطة الثانية، «وصل التضخم المالي في الولايات المتحدة الأميركية في شهر آذار الماضي إلى أعلى مستوى خلال أربعين عاماً.. البنزين لوحده ارتفع بمقدار 48 بالمائة.. أسعار الطاقة ارتفعت بدورها بنسبة 38 بالمائة بالمقارنة مع الفترة الحالية من السنة الماضية.. ارتفعت أسعار الغذاء قرابة 9 بالمائة، أسعار السيارات المستعملة ارتفعت وهي أعلى بنسبة 35 بالمائة مقارنة مع السنة الماضية، فيما ارتفعت أسعار السيارات الجديدة بنسبة 12 بالمائة أو أكثر».
النقطة الثالثة، «مساعداتنا العسكرية لأوكرانيا ليست بالجديدة.. وان مرّ هذا القانون (المساعدة المقترح) ستكون الولايات المتحدة قد منحت قرابة 60 مليار دولار كإنفاق كلي من أجل أوكرانيا.. انْ تمّ إقرار هذه المنحة لأوكرانيا سيساوي، مجمل ما منحناه لأوكرانيا، الإنفاق العسكري الروسي، ونحن لا نملك هذا المال ولا هذا المبلغ وعلينا اقتراضه من الصين لإرساله إلى أوكرانيا».
النقطة الرابعة، «في العامين الماضيين استدانت الحكومة (الأميركية) مالاً أكثر من ايّ وقت مضى في التاريخ، ونحن بالفعل نعيش أكبر معدل تضخم خلال أربعة عقود.. على الكونغرس أن يقوم بتقييم تكلفة الاستمرار في هذا الطريق فالتهديد الأكبر للولايات المتحدة اليوم هو الدين والتضخم وتدمير الدولار».
هذا التشخيص للأزمة في الولايات المتحدة من عضو في الكونغرس ينتمي إلى الحزب الجمهوري يظهر عمق الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تعصف بأميركا.. وتكشف انّ إدارة بايدن وقعت في الحفرة التي سعت إلى إيقاع روسيا فيها.. خصوصاً أنّ الأزمة التي تغرق فيها أميركا تترافق مع:
1 ـ سقوط الرهان على سلاح العقوبات لتدمير الاقتصاد الروسي، أو عزل روسيا.
2 ـ فشل الرهان على تحويل أوكرانيا إلى مستنقع استنزاف لروسيا.. من دون استنزاف أميركا وحليفاتها الغربيات…
في هذا السياق تقول صحيفة «الغارديان» البريطانية إنّ الروبل اخذ بالارتفاع وبوتين بات أقوى… والعقوبات أتت بنتائج عكسية.
وأوضحت الغارديان، أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبح أقوى من أيّ وقت مضى، بسبب فشل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا إثر هجومها على أوكرانيا.
وانتقد سيمون جنكيز في تقرير له بالصحيفة تعامل الغرب مع موسكو مشيراً إلى أنّ أسعار الطاقة والتضخم ومشكلة نقص الحبوب آخذة بالارتفاع عالمياً.
وقال الكاتب: «تعتبر العقوبات الغربية ضدّ روسيا من أكثر السياسات سوءاً وتأتي بنتائج عكسية في التاريخ الدولي الحديث، إنّ المساعدة العسكرية لأوكرانيا لها ما يبرّرها، لكن الحرب الاقتصادية غير فعّالة ضدّ النظام في موسكو، ومدمّرة».
هذا الكلام لـ «الغارديان» يستمدّ أهميته من كونه صادراً في صحيفة غربية بريطانية معروفة، مما يؤكد حجم وعمق الأزمة في الدول الغربية التي تسبّبت بها سياستهم في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.. بل انّ هذه السياسة بدأت تحدث شرخاً بين دول الاتحاد الأوروبي، حول الموقف من خفض واردات الغاز من روسيا، حيث اعترضت هنغاريا على ذلك، وأعلنت انها تتفاوض مع روسيا لشراء 700 مليون متر مكعب من الغاز، وقال رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوريان، بعد إنجاز هذا الاتفاق سنكون بخير…
أما النمسا فقد استبعدت فرض عقوبات على واردات النفط والغاز من روسيا، وقال وزير ماليتها ماغنوس برونر، «إذا أثرت العقوبات عليك فإنّ ذلك لن يكون نهجاً صحيحاً».
واذا كانت هنغاريا والنمسا قد أعلنتا موقفاً علنياً، فإنّ هناك العديد من الدول الأخرى التي تعتمد على النفط والغاز الروسي، تعارض بدورها حظر استيرادهما من روسيا، حتى ألمانيا التي تتحسّب لفصل شتاء قاس جداً على شعبها واقتصادها، إذا لم تؤمّن البديل عن الغاز الروسي، وهو غير متوافر حتى الآن، ذهب مستشارها السابق غيرهارد شرودر في زيارة إلى موسكو في محاولة لإقناع الرئيس فلاديمير روتين إعادة ضخ الغاز في انبوب ستريم واحد، لكن المراقبين يستبعدون ذلك لانّ هناك مشاكل تقنية تعيق ذلك ناتجة عن العقوبات التي عطلت صيانة الأنبوب…
هكذا يمكن القول انّ أميركا والغرب باتوا في مأزق مرشح للتفاقم نتيجة سياساتهم الفاشلة ضدّ روسيا، وانعكاسها سلباً على الاقتصاد الغربي، الذي دخل في حالة من الركود والتضخم وارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة العملة.. ليصبح السؤال بعد ستة أشهر على الحرب الروسية الأطلسية والعقوبات الغربية ضدّ روسيا، هو:
من سيدمّر اقتصاده، روسيا، أم أميركا والغرب؟!
(سيرياهوم نيوز3-البناء2-8-2022)