آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » من أين يأتون بالحياة.. ألم نقتلهم يوم أمس

من أين يأتون بالحياة.. ألم نقتلهم يوم أمس

رشا محفوض

من أين يأتون بالحياة ألم نقتلهم يوم أمس.. عبارة تختصر ربما معركة الأسر اليومية التي يخوضها أسرى المقاومة الفلسطينية في سجون الاحتلال الصهيوني.. المعركة والملحمة التي يخط تفاصيلها الأسير الفلسطيني محمد مرداوي في روايته “اغتيال ريحانة” أكدت أن دمشق مجدداً هي متنفسه الوحيد والأخير ليوصل معاناته وزملائه إلى العالم.

يعد الأسير مرداوي أحد عمداء الأسرى في سجون الكيان الصهيوني ويصادف اليوم مرور 32 عاماً على اعتقاله من قبل قوات الاحتلال بتهمة مقاومته ليختار سورية لتنشر له بقلمه روايته الحقيقية “اغتيال ريحانة” المحملة بإرادة أسير محال أن تكسر واحتضان سوري لم يفقد بوصلته يوماً.

هو الحب لأرض مقدسة وقضية محقة وعقيدة متجذرة ورسالة من خلف قضبان الاحتلال بأن هناك صوت حق وإرادة حياة تنشر عبق ريحانها من أرض سورية المزروعة بأرض فلسطين.. سورية الحاضنة لكل نهج حمل القضية بوجدانه أما تلك الريحانة فلا تزال تقاوم الجفاف الذي يسعون إليه لتطمس فلسطين من الخرائط والذاكرة الحية لضمير الشعوب.

اختار الأسير مرداوي دار “دلمون الجديدة” بدمشق لينشر من خلالها روايته ويحمل القائمون على هذه الدار أمانة إيصال رسالة معاناة الأسرى في سجون الاحتلال عبر الأدب إلى أحرار العالم فعمل على ترجمتها أمهر المترجمين السوريين للغات الإنكليزية والفرنسية والفارسية إضافة إلى العربية.

هذه الرواية التي تصنف بالقصة الواقعية تتحدث عما يدور في سجون الاحتلال من مقاومة الأسرى ومحاولتهم زرع الأمل بالحياة ولو كان عبر شتلة صغيرة من نبتة الريحان التي تشتهر بها فلسطين.

بدأت الرواية عندما فكر محمد بطريقة لبعث الحياة والأمل في نفوس الأسرى ليأخذوا منها الرمق الذي يبقيهم أحياء.. ليقع الاختيار بعد التفكير على النبات.. وتبدأ معها معرفة النبتة المناسبة لمحاولة إدخالها لمعتقلهم.

هذه النبتة لم تكن الليمون رمز فلسطين ويافا التي ضاعت عام 1948 أو زيتونة من الخليل الأسيرة منذ عام 1967 والتي تعد رمز مقاومة الاحتلال وصورة المرأة الفلسطينية وهي تحتضن جذعها في وجه جرافة الاحتلال حتى باتت أيقونة لكل حر في العالم.. هذه الأشجار الكبيرة سيكتشف أمرها.

فكر الأسرى بنباتات أصغر بالورد والياسمين والنرجس الذي ينمو بين صخور فلسطين.. لكنهم كانوا يبحثون عن نبتة فيها رائحة الأرض والبيت والتاريخ وتعبق بأريج فلسطين وتكون لهم الحياة.. فكانت الريحان.

“ريحانة فلسطين” التي تزين مداخل المنازل وتجدها بين الملابس في الرفوف الخشبية وتعطي نكهة زكية في المأكولات ويطيب كأس الشاي بها ثم إن اسم بلدة الريحانية مشتق منها.. تلك البلدة الصغيرة قرب حيفا التي دمرتها العصابات الصهيونية عام 1948 وهجر أهلها وبنيت على أنقاضها مستوطنة للغرباء القادمين من خلف البحار ليسكنوها بدل أبنائها الفلاحين الأصليين.

نبتة الريحان تلك ستكون في الرواية رمز انبعاث الأسرى من جديد وتنهض بهم من تحت الموت البطيء الزاحف نحوهم إلى قيامة جديدة تأخذهم إلى حياة جميلة تنتظرهم فكلما أراد الجلاد قتل أحلامهم ستنكسر آلة جريمته بورق الريحان الأخضر وبدل الرائحة النتنة ستنشر حبق الحياة في أرجاء المعتقل.

وبعد أن اختار الأسرى نبتتهم انتقلوا إلى تنفيذ خطتهم بتأمين بذرة الريحانة وكيف سيتم تهريبها إلى المعتقل ليقوم أحد الأهالي بإحضار البذرة.. ويبقى أمامهم مهمة أخرى أشد صعوبة في تأمين التراب لزراعتها.

عمل الأسرى على جمع التراب العالق في حبات البصل والبطاطا والثوم التي يحضرها لهم جلادوهم في الزنازين حيث عملوا على جمع تراب الريحانة حبة حبة وصانوه فهم من يعرف قيمة الأرض وترابها.. ذلك التراب لعله جمع من كل فلسطين.. ذرات التراب من بصل الجليل وبطاطا الضفة وليمون يافا ومن يدري ربما بين الخضراوات ما هو من غزة والقدس.

هذا تراب فلسطين اجتمع في وعاء.. فلسطين التي قضموا أرضها على مراحل منذ التخطيط في مؤتمرات أوروبا مروراً بالوعد المشؤوم ثم النكبة فالنكسة، كان تراب الأرض ينتقل من أصحابه الأصليين الذين جبلوه بعرقهم إلى المرتزقة الشراذم القادمين من كل أصقاع الأرض.

نامت بذرة الريحان في تراب فلسطين ونام الأسرى على حلم قيامتها وبعثت في الأسرى الحياة والحلم بالحرية وصار كل شيء جميلاً حولهم من أغطيتهم الخشنة وزنزانتهم الضيقة.. منعوهم من فلسطينهم فجاؤوا بها إلى هنا.

واستمر الحلم إلى أن جاء اليوم المشؤوم واكتشف سر حياة الأسرى ليعمل الجنود على اعتقال الريحانة وسحقها بأقدامهم في رسالة كما اقتلعوهم من بيوتهم يقتلعون تلك الريحانة لتكون القيامة بعد الصلب.. قامت الريحانة “روح وريحان” ببذرة أمل جديدة ليزرعوها من جديد ليقول سجان كئيب وهو ينظر إليهم: من أين يأتون بالحياة ألم نقتلهم يوم أمس.

هذه الرواية القصيرة لكنها بحجم ملحمة أهداها الأسير مرداوي إلى روح والدته التي كان لها الأثر الأكبر في تشكيل وعيه على درب النضال وإلى روح الشهيد عماد مغنية وإلى رفيق زنزانته الشهيد سمير القنطار وإلى أخوة الدم والتراب شهداء الجيش العربي السوري وإلى كل الشهداء الذين قاوموا وضحوا على درب فلسطين لأجل تحريرها.

يذكر أن الرواية التي جاءت في 178 صفحة من القطع المتوسط تنشر بمناسبة ذكرى اعتقال الأسير محمد مرداوي في 17-8-1990 وعملت على تقديمها الأديبة والإعلامية السورية نهلة السوسو وصاغها ونقحها ابن الجنوب اللبناني محمد لمع.

سيرياهوم نيوز 6 – سانا

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هيفاء وهبي تعبر عن ألمها من تفجيرات لبنان وتدعو للسلام

عبرت النجمة اللبنانية هيفاء وهبي عن حزنها العميق إثر التفجيرات الأخيرة التي استهدفت أجهزة الاتصال مثل البيجر واللاسلكي في لبنان، مما أسفر عن سقوط عشرات ...