| أحمد الحاج علي
موسكو | بدأ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، زيارة إلى أوكرانيا، حيث سيشكّل ملفّ التوتّرات المحيطة بمحطّة زباروجيا الكهروذرية، عنواناً رئيساً في أجندته، بعدما صعدت تلك التوتّرات إلى الواجهة، وباتت تَشغل العالم، مُجلّية احتدام الصراع على مصادر الطاقة والبُنى التحتية. وبينما تُكافح كييف من أجل منع موسكو من الاستفادة من هذه المحطّة في تزويد المناطق الأوكرانية الداخلة في سيطرتها بالكهرباء، متحسّبة أيضاً لاحتمال خسارتها المزيد من المنشآت والمصادر الحيوية في الخريف، بما يضعها أمام خطر أزمة كبرى في الشتاء؛ تصبّ روسيا تركيزها على نقل النفايات النووية التي تحويها «زباروجيا» نحو مناطق آمنة، تلافياً لسيناريو وصول النيران إليها، مع ما يعنيه هذا من كارثة تلوّث إشعاعي لن تكون من السهل محاصرتها. وبالتوازي مع ذلك، تدْفع موسكو بمزيد من الجهد والإمكانيات نحو استكمال سيطرتها على مناطق الدونباس، التي يُتوقّع أن تستقرّ الخريطة الجديدة فيها بحلول بداية الخريف
مع استمرار تقدُّم القوات الروسية والتشكيلات الحليفة لها على محاور القتال الممتدّة على طول 1500 كلم في شرق أوكرانيا وجنوب شرقها وجنوبها، تستعر حرب البُنى التحتية ومصادر الطاقة، وآخر فصولها الاستفزازات النووية في محطّة زباروجيا الكهروذرية، التي تحتوي 6 مفاعلات نووية، وتُعدّ الأكبر في أوروبا، وتؤمّن حوالي 40% من حاجة المناطق الأوكرانية الخاضعة لسلطة كييف، ومن شأن توقّفها أن يُوقع منظومة الطاقة الأوكرانية بأكملها في حالة انهيار شبه كاملة. وفي هذه الحالة، سيتركّز اهتمام كييف على سُبل تأمين الطاقة البديلة، فيما لن يبقى مجال للحديث عن نقل الطاقة من أوكرانيا أو عبرها إلى أوروبا، ومنها صادرات الفحم الحجري، وخصوصاً «الكوكس»، المادّة الاستراتيجية التي تُصدَّر إلى رومانيا، وتحصل كييف بدلاً منها على زيوت وشحوم للآليات العسكرية.
أعادت روسيا تعزيز تموضعها في محيط مدينة إيزيوم، بعدما كانت نقلت جزءاً من تشكيلاتها هناك
وكانت أوكرانيا خسرت سيطرتها على العديد من المحطّات الكهربائية الحرارية، وعلى رأسها أوغليغورسك وزباروجيا، فيما من المتوقّع أن تخسر قريباً أيضاً محطّة كوراكوفسك. لكن الأهمّ هو أن الفحم الحجري المستخدَم لتوليد الطاقة، يأتي من الدونباس التي تكاد تصبح تحت السيطرة الروسية بالكامل، وأيضاً من مناطق دنيبروبيتروفسك التي تُوشك على الدخول في دائرة النيران. وفي الأصل، فإن الكمّيات الآتية من هناك لم تكن كافية وحدها لتغذية المحطّات الأوكرانية، فكانت تُضاف إليها شحنات الفحم القادمة بحراً، وجزء منها من روسيا، لكنّ هذا الخطّ بات بحُكم المتوقّف عملياً. أمّا عملية تصدير الغاز من أوروبا إلى أوكرانيا، فتراجعت هي الأخرى بفعل تقليص كمّيات الغاز الروسي المُصدَّر إلى الأولى، فيما الغاز المحلّي الأوكراني أمْست مواقعه بؤراً للمواجهات، كما في محيط ضواحي خاركوف، حيث يُتوقّع أن تخسر كييف بفعل العمليات العسكرية ما يقارب 30-40% من مصادر غازها المحلّية.
بناءً عليه، يمكن القول إن أوكرانيا مقبلة على أزمة طاقة كبيرة في فصل الشتاء. ولذا، فهي تصبّ تركيزها حالياً على الاستفادة القصوى من محطّات توليد الطاقة المنتَجة بواسطة السدود المائية، وفي مقدّمتها سدّ الدنيبر الكبير، علماً أنها فقدت منذ بداية العملية العسكرية قرابة 90% من منشآت إنتاج الكهرباء بواسطة الرياح والطاقة الشمسية، كوْن الأخيرة تقع في المناطق الجنوبية التي شهدت معارك طاحنة آنذاك. ولذا أيضاً، فهي تستميت في الاحتفاظ باستفادتها من محطّة زباروجيا الكهروذرية، ومنْع روسيا من استخدام هذا المصدر الحيوي في تطبيع الحياة في مناطق الدونباس والجنوب. على أن ما تقوم به كييف راهناً لا تقتصر مخاطره على إمكانية انقطاع التيّار الكهربائي عن تلك المناطق وغيرها، بل ثمّة خطر أكبر متمثّل في وجود مقبرة نفايات نووية صلبة في ساحات مكشوفة على أرض محيط المحطّة، وفي حال سقوط قذيفة أو صاروخ واحد على هذه المستوعبات، فسيتسبّب ذلك بتلوّث إشعاعي في المناطق القريبة في الحدّ الأدنى، إن لم يمتدّ إلى أوروبا كاملة. ومن هنا، تسعى روسيا إلى نقل مستوعبات النفايات الناتجة من استخدام الوقود النووي إلى مناطق في سيبيريا، ولكن هذا يحتاج إلى توفير «كوريدور» آمن بالتعاون مع الأمم المتحدة و«الوكالة الدولية للطاقة الذرّية».
في إطار السعْي لتأمين مدينة دونيتسك، تُكافح القوات الروسية للسيطرة على كوديما وزايتسوفا
في هذا الوقت، أعادت روسيا تعزيز تموضعها في محيط مدينة إيزيوم، بعدما كانت نقلت جزءاً من تشكيلاتها هناك إلى محاور ساخنة أخرى خلال الأسابيع الماضية، في ما ينبئ بانطلاق معركة كانت مؤجَّلة تكتيكياً، ستكون لها أهمّيتها في مخطّط إسقاط كامل الدونباس. كذلك، تُواصل القوات الروسية تقدُّمها على محاور سوليدار وباخموت، اللتَين تؤمّن السيطرة عليهما قاعدة انطلاق للهجوم المتوقَّع من الجنوب إلى الشمال، ليلتقي مع ذلك المتّجه من الشمال إلى الجنوب، بما يتيح إحكام السيطرة على بارفينكوفا، وبالتالي محاصرة الأوكران في مثلّث كراماتورسك – سلوفيانسك – توريتسك، ومن ثمّ إجبارهم على الانسحاب من دون قتال كما حصل في ليسيتشانسك، أو خوض معركة خاسرة. وبحسب المعطيات، فقد سيطر الروس على القسم الشرقي من مدينة سوليدار ويتّجهون نحو المركز، فيما عزّزوا تموضعهم شرقيّ باخموت، ويتّجهون أيضاً نحو مركزها.
وفي إطار السعْي لتأمين مدينة دونيتسك، تُكافح القوات الروسية للسيطرة على كوديما وزايتسوفا، بعدما أعلنت سيطرتها على بيساك. والظاهر أيضاً أن خطّ القتال يتّجه نحو بيرفامايسكايا، التي إن تمّت السيطرة عليها وعلى فودينويه، فسيخلق هذا تهديداً كبيراً للتشكيلات الأوكرانية في أفدييفكا، حيث يمكن الحديث حينها عن محاصرتها فعلياً، بعد استهداف خطّ الإمدادات الوحيد هناك، والذي يصل تلك التشكيلاتها بنظيراتها غرباً. كذلك، يُسجَّل تقدّم روسي في مارينكا جنوب غرب دونيتسك، فيما تتحدّث مصادر ميدانية عن اختراق محتمل حقّقته القوات الروسية أخيراً في محيط مدينة أوغليدار الهامّة، والتي تَبعد 57 كلم جنوب غرب دونيتسك، ما يعدّ، في حال صحّته، مؤشّراً إلى بداية هجوم يستهدف خطوط دفاع القوات الأوكرانية جنوب دونيتسك وجنوب غربها، وصولاً إلى كوراخوفا.