| زياد غصن
على رغم أن مسؤوليات المرأة السورية زادت خلال فترة الأزمة، ولا سيما لجهة نسبة مساهمتها في إعالة الأُسر، إلّا أنها فقدت كثيراً من المكتسبات التي حصلت عليها في السابق، وتعرّضت لأخطار كثيرة جعلت المجتمع يعيد حساباته حيال مشاركتها الاجتماعية والاقتصادية
في أحد أقسام الكهرباء في ريف دمشق، لم يجد رئيس القسم خياراً يوفّق فيه بين ضرورة حضور بعض الموظّفات إلى عملهنّ، وبين أزمة النقل المستفحلة في عموم البلاد، سوى تكليفهن بأعمال التأشير في المناطق التي يسكنّ فيها. وهي مهمّة ظلّت، على مدى عقود، حكراً على الذكور، لما تتطلّبه من تنقّل بين المنازل لتسجيل كميات استهلاكها من الطاقة الكهربائية. لكن ذلك لم يَعُد مستغرباً، اليوم، في ضوء عدّة عوامل، أبرزها: ارتفاع عدد الأُسر التي تعيلها نساء لتصل نسبتها إلى حوالي 10%، فضلاً عن صعوبة الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد، والذي حتّم على جميع أفراد الأسرة، بمَن فيهم النساء، العمل، ولو في سنّ مبكرة. وهذا يعني أن زيادة حضور المرأة في مهن كثيرة لم يكن نتيجةً لسياسة حكومية مباشرة تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وإنّما أحد تجلّيات تداعيات الأزمة المستمرّة منذ عام 2011، والتي عمّقت، من جانب آخر، مشاكل المرأة على أكثر من مستوى.
ومع أن دمشق حافظت، إلى حدٍّ ما، على «الكوتا» السياسية للمرأة، ولا سيما لجهة ضمان مشاركتها البرلمانية والوزارية، إلّا أن تشخيص الواقع الراهن للسكان والتنمية في سوريا يخلص، بحسب وضاح الركاد، وهو ميسّر التدقيق التشاركي للمساواة بين الجنسين، إلى وجود «إنجازات متحقّقة لا يمكن إنكارها، إلّا أن الفجوة المتشكّلة بين الجنسين لا تزال حاضرة، إضافة إلى وجود تفاوت كبير بين المحافظات، نجم عن بطء في مسار التغيير في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وتبعه شبه ركود مع بدايات هذا القرن؛ ولا ريب أن ثمّة تراجعاً كبيراً حاصلاً نجم عن تأثير الحرب في أوضاع المرأة السورية في السنوات الأخيرة. وثمة خوف مبرّر من الاستمرار في هذا المسار، في ظلّ التحديات الجسيمة التي تواجه البلاد على المدى المنظور».
في التعليم والعمل
يقول كثيرون إن المرأة السورية، في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته، كانت أكثر حضوراً وتأثيراً في الحياة العامة مقارنةً بالعقود الأخيرة، ولا سيما لجهة مشاركتها السياسية والثقافية والاجتماعية، وهو ما يتبدّى بوضوح في الأسماء النسائيّة التي لمعت آنذاك في فضاء قطاعات كثيرة من الأدب إلى السياسة فالفن، واستمرّ تأثيرها إلى وقتنا الراهن. وعلى الرغم من الدعم الرسمي الواسع لقضايا المرأة، إلّا أنه لم يشهد تمايزاً ملحوظاً، بدليل ما تُظهره المؤشرات الأساسية المستخدمة في قياس التكافؤ والمساواة في سوريا، والتي تشير إلى نقطتين مهمّتَين: الأولى، انعكاس نتائج السياسات الحكومية مباشرة في قطاع التعليم، إذ بلغت نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة لدى الإناث حوالي 94.8%، ونسبتهنّ إلى الذكور في مراحل التعليم قبل الجامعي 98%. أمّا معدّل التكافؤ في جميع مراحل التعليم، فجاء على الشكل الآتي: رياض الأطفال (94%)، تعليم أساسي (97%)، ثانوي (107%)، نسبة الإناث إلى الذكور في مراحل التعليم الجامعي (122%)؛ والثانية، ميدان العمل ومجريات الحياة الاجتماعية للمرأة، والتي أسفرت عن اتّساع الفجوة المتشكّلة بين الذكور والإناث، إذ تكشف المؤشرات، مثلاً، عن أن معدّل التكافؤ في الأجور بلغ حوالي 60%، ومعدّل التكافؤ للبطالة بين الشابات وصل إلى حوالي 40%. أمّا ما يتعلّق بالحقّ في الوصول إلى الموارد والانتفاع منها، فإن نسبة الإناث اللواتي يمتلكن عقارات لم تتجاوز الـ 24%. كما أن نسبة القروض والتسهيلات المالية الممنوحة للإناث بغية تأسيس ودعم مشاريع التمويل الصغير ومتناهي الصغر، وصلت إلى حوالي 40%، فيما سجّل معدّل التكافؤ لجهة نسبة الإناث المسؤولات والمهنيات والعاملات التقنيات حوالي 33%. وحتى المشاركة السياسية للمرأة في البرلمان لم تتجاوز نسبتها، على رغم الانفتاح السياسي والحزبي، أكثر من 12.4%. لكن المخيف حقاً يبقى في ظاهرة الزواج المبكر التي سجلت حوالي 23%.
تسبّبت سنوات الأزمة بأضرار بالغة طالت مختلف مؤشّرات رأس المال الاجتماعي
لا يزال مؤشّر سوق العمل بمنزلة الحجر الأساس في أيّ عملية تقييم ومراجعة لمسألة المساواة بين الرجل والمرأة وما قطعته من مراحل. وفي الحالة السورية، فإن حضور المرأة في سوق العمل لا يزال دونه عدة معوّقات تحول دون توفير عمل لائق للنساء. هذه المعوقات يحدِّدها وضاح الركاد في عشر نقاط، أبرزها: «القيود المجتمعية المفروضة على الفتاة في حركتها وتنقلاتها ومظهرها الخارجي وعلاقتها مع الآخرين، الخوف من الاختلاط مع الجنس الآخر وتبعاته السلبية المتّصلة بكلام الناس واحتمال خسارتها لفرصة الزواج، بُعد مكان العمل عن المسكن والمخاطر التي يمكن أن تتعرّض لها الفتاة ذهاباً وإياباً، مدة العمل وتوقيته، وخاصّة عندما يكون العمل لدى القطاع الخاص، أو ساعات الدوام في العمل مسائية أو ليلية…». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، إن قطاع الخدمات كالتعليم والصحة والأعمال الإدارية «يعدّ القطاع المفضّل لعمل المرأة، بينما تنخفض الرغبة بشكل كبير للعمل في القطاعات الإنتاجية، كما أن معظم النساء راغبات في العمل بالقطاع العام، على الرغم من أن دخل العمل فيه أقلّ من باقي القطاعات، نظراً إلى ما يوفّره من شروط أفضل للعمل وبيئة أكثر ملاءمة». وهذا أيضاً ما خلص إليه التقرير الوطني الأول للتنمية المستدامة، والذي أكد أن «نسبة المشتغلات من الإناث في بعض القطاعات الاقتصادية هي أعلى بكثير من نسبة المشتغلين من الذكور، لدى كلا القطاعين العام والخاص». ويشير التقرير إلى أنه «وباستقراء أرقام مؤشّر البطالة لدى الجنسين، يتبيّن أن هذا المؤشّر، على رغم الملاحظات عليه، غير متحيّز ضدّ الإناث، بل ضدّ الذكور، إذ بلغ معدّل البطالة للإناث عام 2010 نحو 38.5%. ومع أنه ارتفع عام 2011 إلى 41.9 %، فقد عاد وانخفض خلال عامَي 2013 و2014 إلى 28.4 % و27.2% على التوالي، فيما بلغ معدّل البطالة لدى الذكور، عام 2010، نحو 61.5%، وارتفع بعدها ليصل، عام 2014، إلى 72.8%».
تسبّبت سنوات الأزمة بأضرار بالغة طالت مختلف مؤشّرات رأس المال الاجتماعي، إلّا أن ذلك الضرر كان قاسياً بالنسبة إلى المرأة، التي تراجع مؤشّر مشاركتها الاجتماعية، على المستوى الوطني، بشكل حادّ خلال السنوات الأربع الأولى من عمر الأزمة، من حوالي 0.69 إلى 0.51. وهذا، برأي الباحثين، ما يجعل نظرة البعض إلى مشاركتها – قبل سنوات الأزمة – تأخذ المنحى الإيجابي، على رغم وجود نقاط ضعف وتهميش كثيرة. وتبعاً لما جاء في مسح السكان لعام 2014، فقد كان «هناك تراجع شمل كل المحافظات باستثناء طرطوس التي لم يتغيّر فيها المؤشّر، حيث شهدت الرقة انهياراً في مشاركة المرأة وتعرّضت المشاركة في كل من دير الزور وحلب لتراجع حادّ». ومن الأسباب التي أوردها المشاركون في عدد من أحياء مدينة حلب: «المجتمع الذكوري، والخوف على المرأة من الخطف والمخاطر». وكان التراجع أقلّ وطأة في حمص ودمشق والسويداء، فيما سجّلت بعض مناطق حماة مشاركةً ملحوظة للمرأة بالعمل الإغاثي والإسعافي. والمفارقة أنه عندما حدث تحسُّن أمني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، والتي زادت مساحتها بشكل كبير خلال عامَي 2017 و2018، بدأت البلاد تشهد، منذ بداية عام 2020، ولا سيما مع ظهور فيروس «كورونا»، تراجعاً خطيراً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية انعكست آثاره بوضوح على مشاركة المرأة ومسؤولياتها ومكانتها في شتى مجالات الحياة.