الأخبار المبعثرة حول مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وكيان الاحتلال تعكس وجود عدة مسارات للتفاوض. هذه الحقيقة غير المعلنة لم تعد خافية على المعنيين في لبنان وإسرائيل وأميركا، وحتى عن الشركات العاملة في هذا الحقل والدول الراعية لها. لكن البارز في الساعات الماضية أن الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين الذي يتولى حصراً التفاوض عن الجانب الأميركي أبلغ المعنيين أنه أرجأ عودته إلى المنطقة إلى السابع من أيلول المقبل، كموعد مبدئي، ما لم يطرأ أي تطور سلبي، في ظل رهان الموفد على قبول إسرائيلي بكامل المطالب اللبنانية وليونة لبنانية في شكل الإخراج، وفي ظل جهود تبذلها الولايات المتحدة وأوروبا بطلب من إسرائيل لضمان عدم حصول عمل عسكري ضد المنشآت البحرية للعدو خلال فترة المفاوضات.
وفيما أفاد موقع «واللا» العبري أن الرئيس الأميركي جو بايدن أكّد لرئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد، في اتصال هاتفي، أهمية إنهاء مفاوضات الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في الأسابيع المقبلة، نقل موقع «اكسيوس»، أمس، عن مسؤول في البيت الأبيض أن هوكشتين سيزور لبنان وإسرائيل الأسبوع المقبل. كما نقل المسؤول الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين «أن عملية صياغة اتفاق بشأن النزاع البحري مع لبنان لم تبدأ حتى الآن».
في إسرائيل لا تزال الرقابة العسكرية تتحكم بكل ما ينشر من معطيات أو تعليقات، فيما تشير المعطيات إلى أن أياً من الديبلوماسيين الأجانب المطلعين لا يثقون بصحة ما ينشر من أجواء إيجابية. بل على العكس، ظهرت خلال الساعات الماضية موجة من الحذر الشديد من وجود أجواء تقود إلى توتر وربما إلى مواجهة بين لبنان والعدو، مع اتصالات مكثفة تجريها الشركات العالمية للسؤال عن حقيقة الوضع خشية تعرض سفنها وفرقها للخطر.
وعلمت «الأخبار» بمعطيات تتعلق بالملف، منها:
– عقد الوسيط الأميركي اجتماعاً عبر تطبيق زوم مع المسؤولين في فريق رئيس حكومة العدو تناول فيه الصيغ الممكن تفعيلها، وهو أكد لمتصلين به أنه التقى قبل مدة في اليونان موفدين إسرائيليين ومن إدارة شركة «إنيرجيان» اليونانية.
– لم يحصل الوسيط الأميركي على موافقة كاملة من شركة «توتال» الفرنسية على بدء العمل في التنقيب في بلوكات لبنانية قبل الاتفاق على الترسيم. وقد أبلغت الشركة الفرنسية مجدداً الجانب اللبناني أنها لن تبدأ أعمال التنقيب قبل الإعلان عن اتفاق واضح ومتكامل ووجود ضمانات أمنية من كل الأطراف.
– يتحدث هوكشتين عن حل وسط يمنع الانفجار ولا يربط المسائل ببعضها بعضاً، من قبيل أن تعلن إسرائيل تأخير عملية الاستخراج من حقل كاريش بصورة رسمية وتواكبها في ذلك الشركة اليونانية، وأن تعلن «توتال» والشركات العالمية الأخرى نيتها استكمال التنقيب في الحقول اللبنانية. ويعتقد الأميركيون أن هذا الحل يسمح بمنح الأطراف الفرصة الكافية لترتيب أمورهم، وهو يعني عملياً تمرير الانتخابات الإسرائيلية قبل العودة إلى وضع اتفاق مع لبنان، بينما تستفيد الولايات المتحدة وأنصارها في لبنان من عدم حصول الاتفاق في ما تبقى من ولاية الرئيس ميشال عون.
– جدد لبنان من خلال الجهات الرسمية وغير الرسمية رفضه لفكرة العمل المشترك بين حقول لبنان وفلسطين المحتلة. وبعدما نسب إلى مسؤول لبناني أنه لا توجد ممانعة لتولي «توتال» العمل في حقل قانا، على أن تتولى لاحقاً توزيع الحصص على الجانبين، قال مسؤول رفيع لـ «الأخبار» إن هذا الخيار غير مطروح على الإطلاق، وإن هوكشتين سمع تأكيدات بأن لبنان يرفض أي نوع من الشراكات أو العمل المشترك أو أي اتصال، ويريد حقل قانا كاملاً ولا يعترف بأي حصة للعدو فيه.
ماذا يريد هوكشتين؟
أما في ما يتعلق بالاتصالات التي يجريها الوسيط الأميركي، فقد باتت محل تساؤل بسبب التسويف الذي يسيطر على عمله. إذ أنهى فترة الانتظار الأولى، التي دامت أسابيع مشبعة بالقلق وعدم اليقين، بين الحلول وإمكان التصعيد العسكري، ليبدأ فترة انتظار ثانية، يفترض أن تمتد حتى الأول من تشرين الأول المقبل. فيما بدا أن مهمته باتت مقتصرة على تكذيب التقارير الإعلامية والتسريبات التي ترد من تل أبيب، كي لا يندفع الجانب اللبناني إلى ما يخشاه الأميركيون وحلفاؤهم الإسرائيليون.
إذ لا مبرر لتلكؤ الوسيط ومماطلته، علماً أنه يتقن العبرية جيداً، ويمكنه فهم ما تبلور في تل أبيب من ردود على المطالب اللبنانية، وعليه فقط أن يحملها إلى لبنان، ليبنى على الشيء مقتضاه، لكن أن يتلكأ من دون حراك غير مبرر، فهو ما يطرح الأسئلة عن الهدف، وما إذا كان تأجيل إيصال الرد الإسرائيلي مقصوداً ويهدف إلى كسب مزيد من الوقت، بانتظار استحقاق ما، في لبنان أو في إسرائيل أو كلاهما معاً. لكن هل يستأهل السبب، مهما كان، المجازفة بالتسبب بمواجهة عسكرية؟
الوسطاء يناورون: وقف الاستخراج من كاريش مقابل مباشرة التنقيب في البلوك 8 شرط ضمان صمت حزب الله
ولهوكشتين كما يبدو مهمة إضافية في انتظار ما تنتظره تل أبيب وواشنطن، وهي تهدئة الجانب اللبناني عبر تمرير معطى من هنا وآخر من هناك، وبأساليب مختلفة. فهو يريد أن يزور لبنان خلال أيام، ثم لا يزور. وهو سيحمل الرد الإسرائيلي قبل نهاية أيلول، وينتهي أيلول من دون أن يحمل شيئاً، وهو يعمل مع الجانب الفرنسي، وشركة «توتال» تحديداً لبدء عملها فور التوقيع على اتفاق الحد البحري، وفي ذلك محاولة لتخفيف الاحتقان ما أمكن، فيما يقضي معظم الوقت للمهلة الزمنية السابقة مستجماً في اليونان، مع لا يقين أيضاً إزاء المهمة الجديدة حتى تشرين الأول المقبل.
في الموازاة، يواصل الجيش الإسرائيلي، براً وبحراً وجواً استنفاره وجاهزيته، لتلقي ما بات يعرف بـ«الجرعة التذكيرية» من حزب الله، على خلفية المماطلة غير المبررة، مع التقدير بأن احتمال تنفيذ حزب الله جزءاً من تهديداته ضد البنية التحتية للغاز الإسرائيلي، أو ربما خارجها، بات مرجحاً أكثر من قبل. وإلى جانب الاستنفار بث تسريبات عن «ويلات» الحرب التي سيتسبب بها حزب الله، إن نفّذ تهديداته.
بري الكرة عند الأميركي
اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، في خطابه في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر أمس، أن «الكرة الآن في الملعب الأميركي»، في ما يتعلق بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة. وأكد أنه «بعيداً عن الاستعراضات علينا، فإننا نعتبر أن كل متر مكعب من الغاز والنفط والأرض مغتصبة ومحتلة لأنها مع حدود مع فلسطين المحتلة وتحت سيطرة الاحتلال، وبانتظار جواب المفاوض الأميركي عاموس هوكشتين نؤكد أن حدودنا وسيادتنا كشرفنا لا نفاوض عليها وسندافع عنها بكل ما نملك من قدرات». وشدّد على «أننا لسنا هواة حرب، لكن إذا ما هددت سيادتنا سندافع عن هذه الحقوق والحدود».