بشار الحجلي
حاولت جاهداً أن أجد تفسيراً لحالة الانكسار التي يعيشها معظم الآباء هذه الفترة، فرحت أحلل الأسباب الموجبة، فأذهلني ما وجدت وصرت كمن يدخل متاهة، لا يعرف سبيلاً للخروج منها، فكل الطرق توصلني لروما كما يقال، لكن المطبات الموزعة فوق هذه الطرق، والحفر الطبيعية، والصناعية، جعلت المسافات أبعد، وزمن الوصول بالسنوات الضوئية!.
لن أدخل في حديث الوجع، فهو لا ينتهي، ومعظم الآباء، يتقاسمون الهم، صغيره وكبيره، خاصة في مثل هذا الوقت، من كل عام، حيث ترتفع الفواتير، وتتلاشى الحيلة، ويسقط في يد الكثيرين، الباحثين عن تسديد مبالغ المونه، والمدارس والتحضير لشتاء، نرجو أن يكون رحيماً، لكن حالة قديمة جديدة فرضت حضورها على الكثير من الأسر السورية، هذه الأيام، حالة ظاهرها، غير باطنها، ففي جوهرها حق للأهل أن يسعوا لتحقيق أفضل الفرص لتعليم أولادهم، وفي أفضل المدارس، وهذا الهاجس يشكل حلماً للكثيرين، لكنه في بعض الأوقات يتحول لحمل ثقيل، يكسر ميزانية الأهل، ويبدد طموحهم، قبل أن يترك الأثر السلبي في نفوس الأبناء.
حديثنا اليوم عن كواليس القبول في مدارس المتفوقين، والسبر المؤدي للوقوف على المستوى الحقيقي للطلاب والذي يمكن بنتيجته من القبول في هذه المدارس.
تلك الكواليس التي ترافقها إشارات الاستفهام التي جعلت ظاهر الأمر تزاحم وتنافس مهم للتسجيل في هذه المدارس ذات العدد المحدود على مستوى كل محافظة وتشترط قبول المتفوقين والطلبة الأبرز في مرحلة التعليم الأساسي، ومن الطبيعي أن يتركز الاهتمام الرسمي بهذه المدارس ما يوسع الهوة بينها وبين شقيقاتها الأقل حظاً من مدارس التعليم العام، حيث تفوز الأولى بأفضل المدرسين المختصين، وتحظى بكوادر، وبإدارات حازمة، تقود الدراسة فيها بكل حرص.. والنتائج النهائية تؤكد تميز هذه المدارس وطلابها، ولهذا صارت مدارس المتفوقين تستقطب أبناء الذوات والمنعمين، والقادرين على تلبية طلبات ما تحتاجه دراسة المتفوقين من مصاريف عالية، ولباس مميز، وتسهيلات مختلفة، هذا غير الحديث عن الدروس الخاصة، والمكثفة، والمدرس المتابع، وكله بثمنه، على حساب التعليم العام وما يصح تسميته بمدارس الفقراء ناقصة الحظ والحظوة.. فهؤلاء يعملون لضمان مستقبل أولادهم في ظل نظرة خاطئة تعطي العلامة الأكبر لدراسات الطب والصيدلة تليها الهندسات بأنواعها بينما تقبع العلوم الإنسانية والمجتمعية في نهاية القائمة.. هنا يبدأ الناس بالتحضير لهذا المستقبل فمنهم من يكافح ويصبر ويحرم عائلته ليقدم لابنه هذا الشرف، ومنهم من يبذل النقود “فيشتري” مستقبل ولده ومكانته ويفاخر بدكتور المستقبل!.
هذا ينظر لما ذكرنا كمشروع استثماري يحقق المكانة ويدر الربح، لهذا يبالغ في الإنفاق على هذا المشروع، وينجح بفضل ضعف الرواتب والحصانة الأخلاقية من تجنيد من يساعده لتحقيق هذا الهدف..
أما ما حصل مع الإعلان عن شروط القبول في هذه المدارس، فحكاية حزينة، للغاية، حيث تنافست المعاهد الخاصة والمدرسون الخصوصيون بالإعلان عن دورات تقوية لطلاب الصف السادس، بذات منهاج السبر الأساس المقرر بقبول الطلاب، وتدرجت الأسعار صعوداً حتى ١٥٠ ألف ليرة للطالب، ولو رغب الأهل بمرافقة المدرسين لأولادهم، ضمن قاعات امتحان السبر، فهذا متاح والدفع ضروري، لضمان الترشح والنجاح.. ومن لا يدفع يدفع بأولاده للرسوب، وضياع حلم الأهل، بدكتور المستقبل او بالمهندس، والصيدلاني، وغير ذلك.
المصيبة إذا كانت مديريات التربية تعلم، وتطنش، وإن كانت لا تعلم فهنا مصيبة أكبر.. فأي جيل نعد للمستقبل، والأطفال يدركون كم دفع أهلهم، ليدخلوهم هذه المدارس؟!
المحزن أكثر أن يدرس الطلاب في مدارس المتفوقين ذات منهاج المدارس من الدرجات الأدنى، وهذا في ظل فوارق واضحة، بين أسلوب التدريس في كلا الجانبين، خاصة وأن مدارس المتفوقين تحظى بأفضل الخبرات التدريسية، باعتراف الجميع، كذلك لا ننسى أن حالات الفوضى، والتراخي في المدارس العامة، خلقت جيلاً عابثاً مستهتراً، في سواده الأعظم، خصوصاً مع عجز الأهل عن دفع تكاليف الدراسة، الداعمة لأولادهم المسجلين في تلك المدارس، ويكفي أن نتابع اليوم ونحن على أيام من افتتاح العام الدراسي حجم الإعلانات عن المعاهد الخاصة، والدورات التخصصية، لكل فئات الطلبة، بالتعليم الأساسي، والأرقام التي تطلبها تلك المعاهد صارت من الخيال.. وما نخشاه أن نكون أمام حالة خصخصة ممنهجة للتعليم العام، الذي هو الفقراء، وتعليم خمس نجوم للمقتدرين، وأبناء طبقة حديثي النعمة و حيتان السوق..
فهل هكذا نصنع مؤسساتنا التعليمية؟، وماذا بقي إن غابت التربية عن هذه المؤسسات وتحولت لدور جباية ليس أكثر..؟!
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة