| علي حيدر
كما كان مرجحاً، قرّر وزير الحرب في كيان الاحتلال بني غانتس تعيين نائب رئيس الأركان اللواء هرتس هليفي رئيساً لهيئة أركان جيش العدو، خلفاً لأفيف كوخافي الذي تنتهي ولايته في كانون الثاني المقبل بعد 4 سنوات في منصبه (مُدّد له سنة واحدة). أتى التعيين بعد أشهر من المداولات فشل خلالها رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو في عرقلة هذا المسار، عبر الضغط السياسي وطرح إشكالات قانونية حول صلاحية حكومة انتقالية في تعيين شخصية بهذا المستوى على رأس المؤسسة العسكرية. إلا أن المسألة حُسمت على غير ما كان يأمل نتنياهو عبر تأكيد الجهات المختصة بأن الحكومة تملك هذه الصلاحية.
في كل محطة يتم فيها تعيين رئيس جديد لأركان الجيش، تتم مقاربة الأمر في إسرائيل وخارجها من زاويتين: الأولى تتمحور حول شخصيته وماضيه العسكري ومفاهيمه العملياتية إضافة إلى محطات بارزة في سيرته العسكرية، والثانية حول مفاهيمه العملياتية وخياراته إزاء التحديات التي تواجهها إسرائيل وجيشها على المستوى العملياتي في البيئة الإقليمية المحيطة بكيان العدو.
المعزوفة التي تواكب تعيين كل رئيس أركان محاولة تقديمه كما لو أنه يملك الحل السحري، ويتمتع بمواصفات استثنائية. إلا أن النتيجة التي تكررت في أكثر من محطة في العقود الأخيرة، أن التهديدات والتحديات التي يواجهها في بداية ولايته تواكبه في السنوات الثلاث أو الأربع التي يقضيها فيها رئيساً للأركان، ثم يُسلِّم خلفه واقعاً استراتيجياً وعملياتياً أشد خطورة مما استلمه. هذا ما حصل مع كوخافي، وقبله مع سلفه غادي إيزنكوت الذي توعد في الجلسة الأولى لهيئة أركان الجيش، في شباط 2019، بتقليص الهوة النوعية التي ازدادت اتساعاً خلال ولايته، وصولاً إلى الإقرار بأن إسرائيل باتت تواجه بيئة إقليمية ودولية وعملياتية أشد خطورة مما كان عليه الأمر قبل سنوات.
وكسلفه كوخافي، شملت دراسات هليفي الأكاديمية الفلسفة التي يؤكد أن التجربة تثبت بأنها أكثر نجاعة للقيادة العسكرية من دراسة إدارة الأعمال. لكن الأهم أنه بعد استنفاد قادة الجيش وضباطه «إبداعاتهم» التي لم تنجح في إحداث تغيير جذري في البيئتين الاستراتيجية والعملياتية لإسرائيل، لم يظهر حتى الآن في مواقفه ومفاهيمه العملياتية أي جديد نوعي. وهو أقرّ، بحسب «نيويورك تايمز» في 2013، أنه إزاء لبنان «لا أعتقد أنه يوجد حرب أو عملية يمكن أن تحل المشكلة. الموضوع الأكثر أهمية هو كيف تُنتج فجوة (زمنية) أكبر بين الحروب» مضيفاً أن إسرائيل «مستعدة لدفع ثمن من أجل حرب حاسمة وقوية من شأنها أن تخلق فجوة (زمنية) كبيرة قدر الإمكان حتى المرة المقبلة».
ومن أبرز مفاهيمه العملياتية، أيضاً، أنه في الحروب والعمليات العسكرية، «الأقل أهمية هو مقدار أراضي العدو التي تحتفظ بها. والأهم هو عدد النشطاء الإرهابيين الذين تقضي عليهم والبنية التحتية للمنظمات التي تهاجمها»، مع الإشارة إلى أن هذا المفهوم نضج لديه بعد سلسلة معارك بين الجيش الإسرائيلي وقطاع غزة. ويعتمد هذا المفهوم العملياتي على الدمج بين عدة عوامل، «المعلومات الاستخباراتية الدقيقة؛ بنك أهداف يتم جمعه بشق الأنفس في الوقت الحقيقي والروتيني؛ مصدر نار – جوي أو بري أو بحري؛ الدخول البري – إدخال قوة قليلة فقط في الأماكن التي يكون لها تأثير، مع غطاء نيران قوية وإقامة قصيرة في الميدان».
على مستوى التحديات، يواجه هليفي تهديدات استراتيجية متنوعة ومتفاوتة، تبدأ من إيران النووية والعسكرية المتطورة، وصولاً إلى فلسطينيي 48، مروراً بلبنان وغزة وسوريا والعراق واليمن. ولا يبدو أن تبدّل شخصية رئيس الأركان ستغير مقاربة المؤسسة العسكرية لهذه التهديدات، خصوصاً أن هليفي يتولى منصب نائب رئيس الأركان ويشرف على خطط بناء القوة وهو جزء من قيادة الجيش التي واكبت كل التطورات الإقليمية والعسكرية.