في الليلة ما قبل الأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، أول من أمس، خُيِّر الأميركيون ما بين الفوضى في ظلّ المرشّح الديموقراطي، جو بايدن، أو العيش – لفترة ثانية – في مهد سياسة «القانون والنظام» التي يرفع شعارها – منذ بعض الوقت – الرئيس دونالد ترامب، كما رؤساء جمهوريون كثر من قَبله. وفيما شكّل التخويف من «المجهول» مدماك المؤتمر، انسحبت استراتيجية الهجوم على مجمل الخطب التي ألقيت أثناء انعقاده، إيذاناً بإطلاق ما بدا أنها «حرب مقدّسة» تخوضها إدارة ترامب في مواجهة خطر عنوانه «الاشتراكية».
فجر اليوم (العاشرة والنصف مساءً بتوقيت واشنطن)، سيُلقي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطابه في ختام مؤتمر الحزب الجمهوري، ليعلن قبوله حمل البطاقة الحزبية نحو ولاية رئاسية ثانية. خطابٌ يُتوقّع أن لا يحيد فيه الرئيس عن الخطّ الذي اعتُمد طوال الأيام الماضية، ليكمل من حيث انتهى وزير خارجيته، مايك بومبيو، ومن بعده نائبه، مايك بنس، وليقنع ناخبيه مجدّداً بنجاعة سياسة «أميركا أولاً»، أملاً بعودةٍ كبرى تتضاءل احتمالاتها منذ أن فاقمت استجابته الفاشلة لوباء «كورونا» تداعياتِه على مستوى الاقتصاد الوطني، حيث جلّ إنجازات ترامب.
مع افتتاج المؤتمر الجمهوري، الاثنين الماضي، رُسمت صورة قاتمة لأميركا ما بعد ترامب، في حالة فوز المرشّح الديموقراطي، جو بايدن، في انتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. انتخاباتٌ «هي الأهمّ في تاريخ الولايات المتحدة»، كما أحبّ ترامب أن يصفها، لينتقل – في كلمته الافتتاحية – إلى التركيز على «القانون والنظام». منذ خروج حركة احتجاجية واسعة مناهضة للعنصرية عقب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس، لم يفوّت الرئيس الأميركي فرصةً من دون الإشارة إلى ضرورة احترام القانون وفرض النظام، في استعادة لماضي الاضطهاد الصريح ضدّ السود وباقي الأقلّيات. لم يحد مايك بنس، في كلمته، أول من أمس، عن ذلك الاتجاه؛ فهو أكّد أن الأميركيين «لن ينعموا بالأمن» إذا انتُخب بايدن رئيساً. وفي خطاب جاء بينما تشهد البلاد تظاهرات مناهضة للعنصرية في مدينة كينوشا/ ويسكنسن، رسم نائب الرئيس صورة مظلمة لانتخابات «يكون فيها القانون والنظام على المحكّ»، ولا سيما أن «الأمر لا يتعلّق في الحقيقة بمعرفة (…) ما إذا كانت أميركا ستصبح ديموقراطية أو جمهورية أكثر، بل السؤال المطروح في هذه الانتخابات هو معرفة ما إذا كانت أميركا ستبقى أميركا».
بنس: جو بايدن سيضع أميركا على طريق الاشتراكية والانحدار
كلّ المتحدثين في المؤتمر الجمهوري بعثوا برسائل تتعلّق بـ»القانون والنظام»، وصوّروا ترامب على أنه الأب الروحي للقانون، وسط احتجاجات لم تهدأ منذ أشهر في عدد من الولايات. استناداً إلى ذلك، رأى نائب الرئيس الذي تحدّث عند نُصُب «فورت مكهنري» التذكاري الوطني في بالتيمور/ ماريلاند، أن إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على القانون والنظام والنجاعة الاقتصادية، محذّراً من أن بايدن لا يعدو كونه مجرّد واجهة لليسار المتشدّد. وفي خطاب توّج الليلة الثالثة للمؤتمر، قال بنس: «الحقيقة الصعبة هي أنك لن تكون بأمان في أميركا جو بايدن»، ولكن: «لأكن واضحاً: يجب أن يتوقّف العنف – سواء في مينيابوليس أو بورتلاند أو كينوشا. لقد مات الكثير من الأبطال وهم يدافعون عن حرّيتنا لنرى (نحن الآن) الأميركيين يضربون بعضهم بعضاً. سننفذ القانون والنظام في شوارع هذا البلد لكلّ أميركي من كلّ عرق وعقيدة ولون». من جهته، وصف الحزب الديموقراطي تركيز الجمهوريين على «القانون والنظام»، بأنه مسعى إلى صرف الانتباه عن سوء استجابة الإدارة لوباء «كورونا» في بلدٍ تجاوز عدد ضحايا الفيروس فيه عتبة الـ 180 ألف وفاة وأكثر من ستة ملايين إصابة. ولا ينظر الأميركيون بتقدير إلى الطريقة التي تعالج فيها إدارة ترامب الأزمة الصحية، إذ تفيد استطلاعات للرأي أجراها معهد «فايف – ثيرتي – ايت» بأن 58.2% من الأميركيين ليسوا راضين عن ردّها على الوباء، مقابل 38.7% قالوا عكس ذلك. مع هذا، سعى بنس إلى إعادة تشكيل الرؤية المتعلّقة بالاقتصاد، متجاهلاً – إلى حدٍّ بعيد – ملايين الوظائف المفقودة بفعل تداعيات الوباء، ومكتفياً بالإشادة بـ»شجاعة» الأميركيين و»تعاطفهم». في الإطار نفسه، أشار إلى أن «جو بايدن قال إنه (ليس هناك أيّ معجزة في الأفق). ما لا يفهمه جو، على ما يبدو، هو أن أميركا بلد معجزات، وأنّنا على وشك الحصول على لقاح آمن وفعّال للعالم قبل نهاية العام الجاري». كذلك، اعتبر أن ترامب «وضع أمّتنا على طريق الحرية والفرص منذ اليوم الأوّل لهذه الإدارة. لكن جو بايدن سيضع أميركا على طريق الاشتراكية والانحدار».
إلى ما سبق، ليس خافياً اعتماد الرئيس الأميركي الكبير على بنس لحشد تأييد اليمين المسيحي، مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة؛ فنائب الرئيس (الحاكم السابق لولاية إنديانا) الذي يصف نفسه بأنه «مسيحي (إنجيلي) ومحافظ وجمهوري.. بهذا الترتيب»، يُمثّل حلقة وصل رئيسة بين ترامب والناخبين الإنجيليين الذين شكّلوا دعامته للفوز برئاسيات 2016، فضلاً عن كونه يُعدّ مؤثّراً جدّاً في القاعدة السياسية للحزب الجمهوري. من هنا، كانت ضرورة الركون إليه (على رغم شائعات تحدّثت عن إمكانية استبداله بالمندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي) ومكافأته على ولائه المطلق للرئيس، وبقائه في الظلّ طوال السنوات الأربع الماضية.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)