تواجه العلاقات الزوجية تحديات كبيرة في ظل نقص الدخول والتضخم الناتج عن الوضع الاقتصادي الصعب إذ يتطلب التكيف مع الوضع الاقتصادي لعائلة من 4 أشخاص دخلاً شهرياً لا يقل عن مليون و500 ألف ليرة سورية ما يتطلب العمل في أكثر من وظيفة.
الخبير الاقتصادي الدكتور مطيع أبو مرة بين لصحيفة «الوطن» أن آثار الوضع الاقتصادي تبدو جلية على الوضع العائلي سواء للأسر القائمة أم لمشاريع الزواج التي يفشل القسم الأكبر منها بسبب التكاليف المرتفعة المرافقة للزواج وتكوين الأسرة.
ورأى أن الوضع المعيشي المتردي بات سبباً رئيسياً للخلافات العائلية التي قد تؤدي أحياناً لتفكك العائلة أو اضطرار رب الأسرة إلى البحث عن أكثر من مصدر للدخل وبذلك لا يتوفر له الوقت الكافي للاهتمام بالعائلة وتلبية احتياجاتها الاجتماعية، إضافة إلى انعدام الزيارات الاجتماعية بسبب ارتفاع تكاليفها، التي كانت تشكل متنفساً لتخفيف الهموم وللترفيه أحياناً.
وأوضح أن هذا ما يدفع الشباب للعزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية من المفترض أن تمكنهم أن يحصلوا على فرص عمل لائقة وتؤمن لهم الدخل الكافي للمعيشة إلا أن التضخم الجامح والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل الرواتب والأجور أسفر عن فجوة كبيرة من الصعب تجاوزها، يأتي ذلك في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة لمتوسط احتياجات الفرد من السلع والخدمات، مضيفاً: إلا أنه يمكن القول إن أسرة مكونة من أربعة أفراد تحتاج بالحد الأدنى إلى إنفاق ما لا يقل عن مليون وخمسمئة ألف ليرة سورية.
أما بالنسبة للحلول أكد الخبير الاقتصادي أنه لا توجد حلول سحرية يمكنها تجاوز هذه المشكلة من دون تأثيرات جانبية خاصة أن المشكلة معقدة نوعاً ما حيث إن أحد الحلول هو زيادة الرواتب إلا أن ذلك يعني ضخ كتلة نقدية إضافية لشريحة متعطشة للإنفاق وبالتالي مزيد من الطلب على السلع والخدمات وبالنتيجة ارتفاع جديد بالأسعار وتآكل في القوة الشرائية لليرة السورية وعدم تحقق الهدف المطلوب من زيادة الرواتب.
ورأى أن الحل يكمن في برنامج اقتصادي غير تقليدي يقوم بالدرجة الأولى على إصلاح نظام الرواتب والأجور، وتأمين فرص عمل لائقة تلغي البطالة المقنعة وتؤمن مصدر دخل كاف للمواطنين وتسهم في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال برامج توظيف تتيح وصول الشخص المناسب إلى المكان المناسب مع نظام حوافز وترقية نوعي مرتبط بالإنتاجية أو بمعايير أداء مثالية وعادلة.
وأكد أبو مرة أن من الحلول أيضاً العمل على محاربة الفساد والقضاء عليه وعدم الاستمرار بحرمان الخزينة العامة للدولة من موارد تخسرها بسبب حلقات الفساد التي تتقاضى أضعاف الرسوم المحولة للخزينة العامة للدولة، والتفكير جدياً بإمكانية مشاركة المواطن بملكية المؤسسات العامة الحكومية من خلال تحويلها لشركات مساهمة عامة تتحول ملكيتها للشعب من خلال امتلاك كل مواطن لعدد محدد من الأسهم كالمصارف العامة ومؤسسة المياه والكهرباء والهاتف وغيرها. وبذلك يصبح المواطن مالكاً ومستهلكاً في الوقت نفسه وتتغير ثقافته من الاستهلاك وعدم المحافظة على المؤسسات العامة وعدم الالتزام بدفع المستحقات إلى مساهم على دراية تامة بأن ما سيدفعه من التزامات هو إيراد للشركة التي يملك أسهماً فيها وستعود عليه بالربح في نهاية العام، بحسب أبو مرة.
مهب نزاعات
من جهتها، قالت الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة سمر علي إن غلاء المعيشة يضع الأسرة في مهب النزاعات التي تتطلب المواجهة والحل، وكما يقول المثل: عندما يخرج المال من النافذة تدخل المشكلات من الباب. وتتأثر الحياة الزوجية وتتراكم الضغوط والقلق وعدم القدرة على تلبية الحاجات الأساسية في ظل عدم القدرة على مواجهة التحديات بصبر ووعي من الزوجين وتتفاقم الصراعات لتصل إلى الانفصال.
ورأت أن من سلبيات الوضع الاقتصادي تراكم الضغوط والديون وعدم القدرة على سدادها والأخطر لجوء البعض إلى مصادر مخالفة قانونياً وأخلاقياً لكسب المال وهنا تختبر قدرة وصبر الزوجين فالمشكلات المادية موجودة وليس هناك في العالم أسرة مثالية لكن هناك أسرة تجيد التعامل مع الصراعات بشكل يحافظ على توازنها.
وأكدت علي أن للأطفال نصيباً كبيراً في المشكلات الاقتصادية للأسرة، فمن الضروري مشاركتهم في فهم الحالة الاقتصادية للعائلة وكيفية توزيع الدخل وتنظيم المصروف الشهري في النفقات والطعام والحاجات الأساسية والاستغناء عن بعض الكماليات كالذهاب إلى المطاعم وشراء الملابس الجديدة.
وبينت أن غياب الأب والأم عن المنزل بسبب العمل يسهم في بناء شخصية مستقلة وقوية لدى الأبناء لأنهم يعتمدون على أنفسهم في تلبية حاجاتهم، لكن الغياب لفترة طويلة قد يسبب مشكلات تربوية ونفسية وضعف العلاقة الوالدية ويعرض العائلة للصراعات خاصة في مرحلة المراهقة التي تتطلب تقرب الأهل من أبنائهم.
وأشارت إلى أن الأزمات المالية قد تدفع الأسرة لإرسال أبنائها للعمل في سن مبكرة ما قد ينعكس سلباً على حياة الأبناء ودراستهم ونموهم الجسدي وحالتهم النفسية ويجعلهم عرضة لمواجهة ظروف قاسية لا تناسب أعمارهم.
أما عن الحلول الممكنة، فرأت علي أن الحل يبدأ من إدراك الزوجين حجم الصعوبات التي تواجههم وكيفية التعامل معها والتكيف معها نفسياً ومحاولة تعديل الميزانية والمصروف بما يتناسب مع الدخل وتقنين الصرف والكماليات والبحث عن مصادر رزق إضافية من داخل المنزل وعبر مواقع التواصل مثلاً.
وأكدت ضرورة الصدق والمصارحة بين أفراد العائلة وعدم إخفاء المتاعب المالية والتعاون في النفقات والإيرادات وعدم إلقاء اللوم المتبادل والمقارنة بالآخرين وعدم الانغماس بالقلق واليأس بل الاستفادة من الفرص المتاحة وإمكانية التوفير قدر الإمكان وطلب المساعدة من الأطراف الممكنة من دون حرج إلى أن تتجاوز الأسرة الأعباء الاقتصادية أو التكيف معها قدر الإمكان.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن