بشار الحجلي
تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل، وتميز عن أخيه الإنسان بمقدرته على استثمار ما لديه من طاقة العقل، فيبدع هنا ويحقق النجاح والتفوق هناك، ومع ذلك فثمة دراسات علمية تؤكد أن الإنسان المميز والناجح، لا يستخدم من طاقة عقله سوى مستويات قليلة جداً، أما العادي فيستخدم من هذه الطاقات، أقل من ذلك بكثير، حيث يصرف جل عمره بالنوم والكسل والانتظار، في وقت نجد فيه المميزون والعلماء، يقدمون للعالم ثمرات أفكارهم ومنجزاتها، ومن هذه المنجزات، ما شكل انعطافاً مهماً في حياة البشر، جاء على شكل منصات مهمة ساهم في تطور الحياة، ومنها ما استثمر طاقات العقل في الأعمال الشريرة التي قدمت الويلات والكوارث للعالم كله.
في هذا السياق، ولأننا في سورية لدينا مخزون كبير من المميزين والمتفوقين الذين انتزعوا اعتراف العالم بمعدلات ذكائهم، وتميزهم في جميع المجالات، وجدت من الأهمية القصوى أن يتم التركيز على ضرورة استثمار ما لدينا من طاقات العقول، وتحديداً لدى جيل الشباب، بالاتجاه الإيجابي، الأمر الذي يؤكد أهمية ما ذكرت، كي تزدهر ثمرات عقول أبنائنا في وطنها، ليستفيد منها الجميع، ولدينا القائمة الطويلة، لنماذج التميز السوري في مختلف دول العالم، وفي جميع الاختصاصات والميادين، لدرجة أن القسم الأكبر من متفوقي الشهادات العلمية في العالم هم من السوريين، والمهندس والطبيب الأكثر تميزاً هو منهم بشهادات تلك الدول وإعلامها.
والاستثمار الصحيح هنا، يبدأ من التفتيش المسؤول عن تلك العقول وتبنيها واحتضانها، وتوفير مناخات حقيقية، تكفل خلق جو يساعد على نمو هده العقول، وتوجيهها باتجاهات تخدم الهدف منها، وتوسع مساحات إبداعها وتميزها.. وهذا أمر ممكن التحقق عندما تتوفر الإرادة والتحفيز الإيجابي، والثقة بالإنجاز، فالدول التي سبقت في ميادين كثيرة عملت وفق خطين متوازيين أحدهما الاعتماد على ذاتها، والآخر الاعتماد على استثمار حوامل المعرفة، لديها، واستقدام عقول المميزين، من أبناء الدول الأخرى، وتقديم الإغراءات، والحوافز العالية، لدرجة منحهم جنسياتها، فيتبدل ولاء الأشخاص، ليصبحوا أشجاراً تثمر في بلاد بعيدة عن أوطانهم.
وبدلاً من احتضان العقول المحلية صار أكثرنا يروج لتلك النماذج قاصداً أو جاهلاً، ومنهم من يعقد المقارنات ويزين للشباب، ويمهد أمامهم طريق السفر نحو الفردوس الذي يفتقده لدينا!.
ولو تحدثنا بوضوح أكثر نسأل أين نحن الآن من الاستثمار الناجح لثمرات عقول أولادنا، وما هي جبهات التميز التي وفرناها لهم؟!. خصوصاً أننا اليوم أشد حاجه لمثل هذا الأمر.
لن نتحدث عن حالات التهميش، والإهمال، ولا عن العبثية والفوضى العارمة التي تعاني منها الكثير من مواقع العمل الوظيفي، والمتمثلة في الخيارات الممسكة لبعض مفاصل العمل، وغياب كفاءاتها، ويسعى البعض أيضاً لتغييب الكفاءات عن تلك المفاصل، وإبعاد أصحاب الاختصاص عن مواقع عمل، يمكن أن يكونوا ناجحين ومميزين فيها لحساب فئة من المتسلقين، والمنافقين، والانتهازيين، أو لمن بيدهم مفاتيح التعيينات الوظيفية.. الأمر الذي يضعف الجسم الإداري، ويوهن عزيمة الإنتاج والمنتجين.
الحديث عن هذا الجانب الهام على ما يترك إهماله، من أوجاع في جسد الوطن، وترهل في مجال الإدارات، يدعونا بالضرورة للنظر إلى جانب آخر من الكأس، لنرى محاولات تنطلق في اتجاهات عديدة تنادي بما تحدثنا به، فهذا معرض سنوي, ترعاه وزارات الدولة لدعم الإبداع والاختراعات، وتقدم فيه الجوائز المعنوية وربما المادية للمخترعين, وخاصة الشباب لكننا نسأل في ذات الوقت، عن معدلات الفائدة مما يقدم من اختراعات، وعن عدد الاختراعات التي تم تبنيها وتمويلها، ووضعها في الاستثمار، ولنسأل أيضاً عن إمكانية توجيه المخترعين المسجلين رسمياً لاستنباط حلول لما نعاني منه في قطاع الإنتاج بنوعيه الزراعي والصناعي أو في مجال حوامل الطاقة والطاقات البديلة، وغير ذلك مما تحتاجه البلاد؟.
وكذلك نسأل: ما مقدار الفائدة الوطنية التي تحققت من استثمار اختراعات طلاب كليات الهندسة الميكانيكية والكهربائية أو هندسة النسيج والهندسات الطبية لخدمة المجتمع؟!.
هذه الأسئلة وغيرها نطرحها حسب المثل الشعبي “من قلب محروق” خصوصاً ونحن نقرأ عن مخترعين ومبرمجين، وأطباء سوريين، غادرونا مبكراً، لتصلنا أخبار تميزهم وتفردهم كل في اختصاصه.. ونحن نبحث جاهدين عن فرصة حقيقية توفر للمبدعين بعضاً مما ننتظر، حتى لا يأكل غيرنا ثمرات عقول أوطاننا.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة